مقالات مختارة
مجلة الأمن العام
مارلين خليفة
توقف الزمن في لبنان في الرابع من آب الفائت، حين دوى انفجار المرفأ الاشبه بزلزال آتيا على نصف العاصمة بيروت، قاتلا ومشردا ومدمرا الاف المنازل. لكن الزمن العربي عاد مع هذه المأساة التي حلت بلبنان على مشارف مئويته الاولى، واولى الدول التي استنفرت طاقاتها الحكومية والخاصة والشعبية كانت مصر
لم تكد تمر 12 ساعة على انفجار مرفأ بيروت المروع، حتى كان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يتصل بنظيره اللبناني رئيس الجمهورية العماد ميشال عون معزيا وموجها بمساندة لبنان لاستيعاب تداعيات كارثة الانفجار عبر جسر جوي اغاثي ثم جسر بحري. الى جانب الحكومة المصرية التي زار رأس ديبلوماسيتها سامح شكري بيروت، استنفرت المؤسسات الخاصة والعامة والجوامع والكنائس المصرية، فهبت تجمع المساعدات لارسالها الى الشعب اللبناني المنكوب والذي افتقد الى ابسط مقومات العيش. ارسلت مصر الدقيق لتعويض المخابز في دورة انتاج الخبز بعد تضرر صوامع القمح المركزية التي تقع داخل ميناء بيروت، الى مواد ومستلزمات طبية وطواقم بشرية من متخصصين وجراحين تطوعوا لتقديم المساعدة في المستشفى الميداني المصري الذي عالج المصابين، وكذلك في جامعة بيروت العربية التي تعد رمز العلاقة والحضور المصري في لبنان منذ 60 عاما، كما يقول السفير المصري في لبنان الدكتور ياسر علوي الذي عزّت عليه رؤية العاصمة التي عرفها بجمالها وتألقها تحترق امام عينيه، وهو ابلغ المعنيين بأن مصر مستعدة للمساهمة في اصلاح الكهرباء والميناء البحري وتقديم الخبرات المصرية في شتى المجالات.
في حوار مع “الامن العام” يقدم الدكتور علوي المزيد من التفاصيل حول الدور المصري المساند للبنان، علما انه كان قنصلا فيه بين عامي 2005 و2010، ويمتد عمله الديبلوماسي في سفارات مصر في لندن وبيروت، وكان رئيس القسم السياسي في سفارة مصر في واشنطن وعمل مستشارا للشؤون العربية مع خمسة وزراء خارجية مصريين آخرهم الوزير سامح شكري، وهو عيّن في لبنان في تشرين الثاني 2019.
* كيف تنظر مصر الى وضع لبنان السياسي والامني بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الفائت؟ هل ترى فيه ملفا مرتبطا بصراع النفوذ مع تركيا من ليبيا وصولا الى غاز المتوسط والذي تنخرط فيه قوى اوروبية وعربية؟
– يمثل هذا الانفجار في لبنان حدثا كارثيا على مستوى الارواح والخسائر المادية، ولعل الاضرار المباشرة التي طاولت البشر والحجر هي ما نحاول المساهمة في تعويضها. لكن الامانة تقتضي القول ان هذه الازمة هي آخر حلقة في سلسلة الازمات المتراكمة التي يعاني منها هذا البلد الشقيق. تكمن المشكلة في ان هذه الازمات باتت تشبه الطبقات الجيولوجية للارض، اي انها تستمر وتبنى فوقها طبقة جديدة من الازمات التي لا تجد لها حلولا وتتراكم طبقة ثالثة فرابعة فخامسة. هنالك ازمة سياسية واقتصادية عمرها سنة، اضيفت اليها ازمة اخرى بسبب ظرف عالمي طارئ اسمه كورونا وتبعاته المستمرة منذ 6 اشهر. لعل الازمة اليوم هي في اخطر مراحلها، اضيفت اليها ازمة الانفجار وتبعاته بما فيها تدمير مخزون القمح الاستراتيجي والدمار الهائل وتضرر 200 الف وحدة سكنية الخ… تؤشر هذه الازمات من وجهة نظرنا، الى ان لحظة المعالجة الجذرية لمسببات هذه الازمات قد دقت وكذلك التغيير الحاسم للممارسات التي افضت الى هذه الازمات. بصراحة اكثر، ان الاستمرار في الممارسات التي انتجت هذه الازمات وتوقع ان تفضي الممارسات ذاتها الى نتائج مغايرة، هو نوع من الخيال لا علاقة له بالواقع كي لا اكون اقسى من ذلك.
* في ظل هذه الازمات الداخلية المتوالدة والمتفجرة هل بات ملف لبنان مدوّلا ام لا؟ وما هو الدور السياسي المصري حاليا؟
– بالنسبة الى الشق الاول من السؤال ثمة نقاش حول معنى التدويل. هناك مثلا ملفات تتطلب قرارا دوليا مثل ملف القرار 1701 في الجنوب، حيث يتم التجديد لقوات اليونيفيل في مداولات ضمن مجلس الامن، علما اننا كنا منذ اللحظة الاولى حريصين على دعم الموقف اللبناني في هذا الشأن وعدم المساس باليونيفيل حجما او ولاية لاننا نرى ان اليونيفيل مهمة جدا. نحن نطلب دوما لمن يشكو من ثغر في موضوع اليونيفيل بأن ينظر الى الصورة الاشمل ليرى ان اليونيفيل هي قصة نجاح. في احدى هذه النقاشات، قلت لمحدثي انه قبل 14 عاما اي قبل دخول اليونيفيل الى لبنان، ظهرت 4 مواجهات عسكرية بين لبنان واسرائيل في اعوام: 1993 و1996 و2000 و2006. في الـ14 عاما التي مرت لم تحصل اي حروب، هذه هي الصورة الكبرى، وبالتالي فان اي ملاحظات لا تصمد حين توضع في مواجهتها. ثمة شق آخر يتعلق برصيد لبنان التاريخي والمعنوي واحترام العالم له، هو الذي دفع عددا من الدول الشقيقة والغربية الى تقديم مساعدات في هذه الازمة. ان لب الازمة في النقاشات الدائرة يتمحور حول مواضيع مثل الانتخابات النيابية، وتشكيل حكومة جديدة، كلها ملفات لبنانية وبحسب علمي لن تأتي اي دولة وتعلن موقفا منها.
* لماذا اذن هذا الحراك الديبلوماسي المكثف فضلا عن قطع حربية وصلت الى المتوسط ومنها ما عاد ادراجه لاحقا؟
– اريد الحديث هنا عن مصر. ان استقرار لبنان هو جزء من التصور المصري للاستقرار في المشرق العربي، وهو شرط ضروري للامن القومي العربي، ومصلحة مصرية مباشرة. اكثر من ذلك، ان المشرق العربي اصبح في حزام من النيران وآخر حلقاته التي كانت في منأى نسبيا عن هذا الحزام هي لبنان. هنالك قوس من جبال زغروس الى البحر المتوسط وآخر حلقة فيه هي لبنان، فاذا استطعنا ان نحصنها من ردة هذه الصراعات، فنحن نصب في الهدف الاستراتيجي وهو استقرار المشرق العربي. بهذا المعنى نحن حريصون على الحفاظ على الاستقرار، لكننا ندرك ان قدرا من التغيير هو شرط ضروري للاستقرار في لبنان.
* لفت امران في زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري الى لبنان: اختياره لبيت الوسط للاعلان عن المساعدات وتصريحه من القصر الجمهوري بان “لدينا توجيهات للخروج باطار سياسي لمواجهة هذه الازمة”، ماذا يعني ذلك؟
– في الحقيقة ان معالي الوزير اختار 3 اماكن للتصريح فيها والتكلم مطولا مع الاعلام، من القصر الجمهوري حيث قال بوضوح ان هنالك حاجة الى ممارسات جديدة والتغيير في طريقة التعاطي مع الامور التي انتجت الازمات، واشار الى الممارسات التي انتجت هذه الازمات. نحن لسنا امام وضع طبيعي طرأ عليه ظرف الانفجار، بل نحن امام ظرف مأزوم فاقمه الانفجار وبالتالي يجب ان يكون التعامل على قدر الحدث، علما ان المسألة لا تحتمل حلولا ترقيعية. ثم تكلم ثانية من عند الرئيس بري، وهناك عرض المساعدات المصرية وليس من بيت الوسط، لكن في آخر لقاء له في بيت الوسط حيث التقى رؤساء الحكومة السابقين عاد وكرر الرسالة عينها. وهو بالتالي اعاد الرسالة ذاتها 3 مرات، وذلك بهدف تأكيد اهميتها وانها رسالة واحدة للجميع.
* كيف تتابع مصر هذا الامر؟
– انا مكلف مجموعة اتصالات والرسالة لم تتغير. لم يبدأ في الحقيقة النقاش الجدي حاليا على المشهد المقبل، ولا يزال النقاش في مراحله الاولى.
* عرضت مصر استعدادها لارسال لجنة محققين وتأهيل المرافئ الثلاثة في بيروت وصيدا وصور والمساهمة في حل مشكلة الكهرباء، هل في الامكان اعطاء المزيد من التفاصيل حول هذه العروض؟ وهل لاقت اجابات من اللبنانيين؟
– بعد 12 ساعة بالتحديد من وقوع الانفجار، قام الرئيس عبدالفتاح السيسي باجراء اتصال بالرئيس ميشال عون، واخبره بانه اتخذ قرارا بالتضامن الكامل بدعم لبنان، ترجم هذا الدعم في خلال 24 ساعة، اي بعد 36 ساعة من وقوع الانفجار بحيث وصلت اول طائرة من ضمن الجسر الجوي المصري. بعدها جاء وزير الخارجية مكلفا بتقديم الدعم. وضعنا في مصر رؤية استراتيجية للدعم، فهنالك احتياجات آنية حيث بدأ المستشفى الميداني المصري باستقبال الجرحى بعد ساعة من الانفجار، ثم توالى وصول المساعدات الطبية. وصل الى لبنان لغاية اليوم 30 طنا من الطحين، وذلك كي لا تتعطل دورة انتاج الخبر، اما الشق الثالث فيتعلق بالاحتياجات الطويلة الامد، اذ وصلت قبل نهاية آب الفائت باخرة مصرية محملة هدية من الزجاج لاصلاح المنازل. في الوقت عينه، نظرنا الى لب الازمة، فبعد النقاش على التحقيقات وامكان طلب دعم خارجي عرضت مصر تقديم خبراتها والمساهمة في التحقيقات اذا طلبت الدولة اللبنانية ذلك، وحتى هذه اللحظة لم يصلنا اي طلب. بالنسبة الى بناء المرافئ الثلاثة، تملك مصر تجربتين حصلتا في غضون 9 اشهر. فقد بنينا واحدا من اكبر موانئ المتوسط وهو ميناء برنيس، وهو اعمق ميناء في الشرق الاوسط ولديه قدرة على استقبال اكبر السفن، وعملنا ايضا على اعادة تأهيل ميناء الاسكندرية بحيث عمقناه واضفنا اليه ارصفة، وذلك في اقل من عام. حتى ان بعض الدول الغربية اقترحت على لبنان الاستعانة بالخبرات المصرية في هذا الشأن، وذلك بسبب انجازنا لهذين الميناءين بشكل سريع وبمستوى كفاية معقول جدا. نحن عرضنا المساعدة في هذا المجال، لكننا لم نلق اي رد لغاية الان.
* ماذا عن امكان المساعدة في مجال الكهرباء؟
– لدينا خبرة ايضا في هذا المجال، اذ عملنا في سنة طاقة انتاج تصل الى 15 ميغاواط بينما الحاجة في لبنان هي الى واحد ونصف ميغاواط. نحن انتجنا في سنة 15 ميغاواط وتحولنا الى مصدر صاف للكهرباء في محطة انتاج الكهرباء الكبرى في القاهرة، وهذا ما حولنا فعليا الى مصدّر صاف للكهرباء، فنحن مثلا نمد السودان بـ300 ميغاواط.
* ما هو العرض المصري المقدم للبنان؟
– نحن قلنا اننا مستعدون لتلبية اي احتياجات لبنانية، ولا يزال هذا العرض قائما.
* تعتبر مصر مركز صناعة الغاز في المنطقة حيث اكتشف حقل ظهر، كما انه لدى مصر اكبر محطة لتسييل الغاز في المتوسط، هل سيحصل تعاون لبناني مصري في ملف تصدير الغاز وهل من اتصالات على هذا الصعيد؟
– حصلت اتصالات حتى آخر اجتماع للجنة العليا المصرية – اللبنانية المشتركة في شباط الماضي حيث تم تناول ملفي الغاز والكهرباء، ولم يتم الاتفاق لاسباب لا علاقة لنا بها.
* هل ستعاود اللجنة المشتركة اجتماعاتها؟
– من المفترض ان تنعقد بانتظام بالتناوب بين البلدين، والامر سيكون مرتبطا بالجانب اللبناني حين تتشكل الحكومة وتضع موعدا لاجتماع اللجنة وتناقشه معنا. مصر حاضرة ومستنفرة، والمساعدات التي اتت حاليا الى لبنان اهم ما يميزها هو تغطيتها للاحتياجات القطاعية في لبنان. لكن الشق الاخر الذي من المهم اخذه في الاعتبار هو مصدر المساعدات من مصر متنوع بشكل كبير من غير الحكومة المصرية، من الهلال الاحمر وجمعيات عدة وبنوك الطعام والكساء، ومن الازهر والكنيسة المصرية وسواها الكثير. مصر مستنفرة بالكامل لأن لبنان حاضر في قلوب المصريين بشكل ادهش ليس اللبنانيين الذين اعرفهم فحسب، بل ادهشني انا شخصيا. هناك استماتة لمساعدة لبنان. حجم الجسر الذي تقدمه مصر الان يزيد بمقدار الضعف عن بعض الدول التي قدمت مساعدات، ويضم هذا الجسر 3 طائرات كل 48 ساعة. فضلا عن وجود طاقم صحي متخصص، اذ وصل الى لبنان 21 طبيبا وجراحا وعدد من رؤساء اقسام الجراحة والطب في الجامعات المصرية الكبرى، وهم جاؤوا متطوعين وسيبقون في لبنان لتقديم خدماتهم مجانا في جامعة بيروت العربية وهي الجامعة التي انشأتها مصر قبل 60 عاما. نحن لسنا طارئين على التضامن مع لبنان وشراكتنا معه قديمة ومستمرة ونحن نقوم بواجبنا.
* كيف ترى مصر كدولة صديقة للبنان هوية الحكومة المقبلة وسط الجدل الدائر حول ما اذا كانت ستكون سياسية مستقلة ام حيادية؟
– تأتي الرؤية ضمن حدين، الحد الاول هو التزام مبدئي انه لا يجب ان يعامل اللبنانيون كأنهم غير راشدين لانهم لا يحتاجون الى ارشادات من احد. الحد الثاني انه في حال سئلنا نقول ما قلناه بان القضية هي قضية جدول اعمال ومواصفات لتنفيذ هذا الجدول، اي ان لا نضع العربة امام الحصان، فلا تتم مناقشة من يأخذ اي حصة واي وزارة من حصة من. السؤال الاول يجب ان يكون ما هو جدول الاعمال المكلفة به هذه الحكومة، وضمن اي اطار زمني، وما هي التركيبة المثلى لدعمه والتي تحظى بثقة الشعب اللبناني اولا ثم ثقة المجتمع العربي والدولي الذي يحتاجه الجانب اللبناني في هذه اللحظة في ظل وجود فجوة تموينية كبرى. لذا فان الحكومة تحتاج الى ثقة المجتمع اللبناني اولا، وثقة المجتمع العربي والدولي ثانيا ضمن مهمات واضحة لها في اطار زمني واضح، وعندئذ يصبح الشكل لاحقا لكل ذلك. علينا ان نبدأ بجدول اعمال الحكومة وليس بشكلها.
* هل من رأي مصري في موضوع الحياد الذي طرحه البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي؟
– نحن ندعم ما سبق واتفق عليه اللبنانيون في اعلان بعبدا، وندعم فكرة الاستراتيجيا الدفاعية، كذلك ندعم من حيث المبدأ كل اجراء يبقي لبنان خارج دائرة التجاذبات الاقليمية. وكما سبق وقلت، ان تصورنا يهتم باستقرار لبنان ويعني هذا الاستقرار تجنيبه مخاطر الانخراط في اي سياسات محاور او اي اشتباك.
* انعقدت اجتماعات عدة لوزراء الخارجية والري في مصر والسودان واثيوبيا حول سد النهضة، اين اصبح هذا الملف وهل سيحل الامر تبعا للقانون الدولي والاستخدام المتساوي للموارد المائية؟
– كان هنالك مشروع اتفاق لم يوقع عليه الاشقاء في اثيوبيا ويا للاسف. نحن متمسكون بأن حوض النيل يجب ان يكون فضاء للتنمية المشتركة وليس فضاء قتاليا، ونحن متمسكون ايضا تمسكا صارما بعدم التفريط بحقوقنا ولا بأي نقطة مياه، لاننا نتكلم هنا عن شريان الحياة للمصريين.