مقالات مختارة
مارلين خليفة
مجلة الامن العام
تصوير عباس سلمان
دمر انفجار مرفأ بيروت المبنى التاريخي لوزارة الخارجية والمغتربين الذي عاصر الديبلوماسية اللبنانية رسميا منذ العام 1947، حين اطلقت تسمية وزارة الخارجية والمغتربين على “قصر بسترس”. كذلك اطلقت تسمية وزير الخارجية والمغتربين للمرة الاولى على رأس الديبلوماسية اللبنانية، وذلك في 7 حزيران 1947 وتولى حقيبة الخارجية انذاك حميد فرنجيه
كان وقع تدمير اجزاء كبيرة من المبنى التاريخي كوقع الصاعقة فوق رؤوس الديبلوماسية اللبنانية. صودف ان في يوم الانفجار المشؤوم، شهد المبنى التاريخي آخر انشطته في حلته المعروفة، وهي حفل التسليم والتسلم بين وزير الخارجية المستقيل ناصيف حتي والوزير الجديد السفير شربل وهبه الذي ما لبث ان استقال مع حكومة الرئيس حسان دياب في 10 آب الفائت. في اليوم التالي للانفجار، توجه الوزير وهبه برفقة كبار الديبلوماسيين لتفقد الاضرار الهائلة التي لحقت بالمبنى.
من جهته، جال الامين العام لجامعة الدول العربية احمد ابوالغيط في وزارة الخارجية والمغتربين، مؤكدا ان الشعب اللبناني بارادته الصلبة سيتمكن من اعادة بناء بيروت واعمارها.
بحسب المعلومات، فان لجنة المهندسين التي عاينت المبنى في الاونة الاخيرة، اوصت باخلائه فورا لانه تعرض لاضرار فادحة، حتى انه بات بلا سقف. لذلك، يتم حاليا تجهيز بضعة مكاتب في السرايا الحكومية لكي يشغلها وزير الخارجية والمديريات في الخارجية اللبنانية، في حين تجري في الوقت عينه اتصالات مع عدد من الدول للمساعدة في تمويل اعادة تشييد مبنى جديد لوزارة الخارجية والمغتربين من المفترض ان يكون على قطعة ارض مجاورة لساحة الشهداء. علما ان وزير الخارجية والمغتربين السابق عدنان منصور، سبق ووضع الحجر الاساس لهذا المبنى في العام 2014، وصرح انذاك بأن “الخرائط كلها جاهزة، حتى ان جزءا من الميزانية المطلوبة متوافر وهو 12 مليار ليرة لبنانية، اي نحو 8 ملايين دولار. نحن قادرون على التحرك ونأمل في ان تكون المسألة في يد امينة لتحرك وتتابع هذا الموضوع” (“النهار” 27 كانون الثاني 2014). الا ان المناكفات السياسية حول التمويل ارجأت بدء ورشة اعمال البناء.
مبنى وزارة الخارجية هو في الاساس قصر يملكه آل بسترس، وثمة تباين في التواريخ حيث تذكر بعض المراجع انه شيد في العام 1850 واخرى في العام 1880. في كتابه “ارجوحة الزمن” الصادر عن دار “النهار” بنسخته الاولى في العام 2015، يقول الامين العام السابق لوزارة الخارجية السفير ظافر الحسن: “في العودة الى الخارجية، فقد كانت تكنى انذاك بما لا تزال تكنى به اليوم (2009)، اي بعبارة “قصر بسترس”، مع انها كانت يوم تعييني فيها تشغل بالاضافة الى قصر بسترس مبنى آخر مجاورا تماما له لجهة الشرق يسمى بناية الطبال”.
تجدر الاشارة الى ان ثمة اربع بنايات تتبع اليوم لمقر بسترس، اثنتان بالكامل واثنتان اخريان تشغلان طبقتين احداها على التباريس حيث مركز الاستشارات الذي تضرر ايضا من جراء الانفجار.
في العودة الى ما يرويه السفير الحسن في مذكراته عن تاريخ القصر، فهو يصفه قائلا: “القصر هو قصر نقولا بسترس، في حي السراسقة، في الاشرفية. وهو احد القصور التي بنيت على طراز واحد تقريبا في اواخر القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين والآخذ عددها بالتضاؤل، لتقادمها من جهة، ومن جهة اخرى وهي الاشد ضغطا، هجمة الاستثمار في سبيل الربح المادي على حساب التراث التي ادت وتؤدي الى تغيير في مالكي هذه القصور، ومن ثم الى هدمها واقامة ابنية فخمة وعالية بهدف تجاري مكانها. قصر بسترس تعرض للمصير نفسه، فملكيته انتقلت من يد الى يد، وحديقته جزئت وبيعت، والمالكون الجدد يطالبون وزارة الخارجية بالاخلاء وتسليمهم الساحات وينتظرون منها ذلك لاقامة ابنية استثمارية عليها. وكان بناء جديد مخصص للوزارة قد ارتفع في السبعينات من القرن السابق قرب قصر بعبدا في الجهة الشرقية الجنوبية منه، لكنه لم يستكمل وظل كما يقول البناؤون: على الباطون”.
يشير السفير الحسن الى ان “الحروب اللبنانية 1975 – 1990، واسقاطاتها الامنية والادارية والسياسية، حرّفت استعمال المبنى عن هدفه. فمنذ اكثر من 20 سنة لحظت اعتمادات لتشييد مقر جديد للوزارة، او على الاقل للشروع في ذلك، وحالت اعتبارات ربما تكون في مجملها سياسية وبالمعنى الهابط للسياسة دون التنفيذ. وتعاقبت الحكومات وصارت الاعتمادات ترحّل من موازنة الى موازنة عاما بعد عام، من دون ان يتمكن وزراء الخارجية الذين تعاقبوا على هذا المنصب، وعلى الرغم من محاولات بعضهم المتكررة بكل جدية، من اقناع حكوماتهم بتنفيذ المشروع، وان كانت تصميماته جاهزة تماما واعتماداته نوعا ما كذلك”.
يتألف قصر بسترس من ثلاث طبقات: “الارضية على جانبي السلم الرخامي الامامي المؤدي الى المدخل الرئيس للقصر في الطبقة الاولى، والسلم على شكل قوسي دائرة، غربي وشرقي بينهما مساحة فارغة في وسطها نصب صغير. يبلغ علو الطبقة الارضية حوالى 3 امتار، وتضم في جناحها الممتد الى غرب السلم مكتبة الوزارة ومحفوظاتها القديمة، وفي جناحها الشرقي مخفر الدرك التابع لها، وفي اقصى الجناح مطبخ صغير مستأجر من شخص عادي يزود مكاتب الوزارة مشروبات الضيافة من شاي وقهوة وليموناضة وعصير”.
يضيف السفير الحسن: “اما الطبقة الاولى، فعلوها ما بين خمسة وستة امتار وسقوفها مشغولة باشكال من الجص، مطلية باللون الذهبي، ولم يعد لها من اثر اليوم حسبما لاحظت الا في مكتب الوزير. المدخل الرئيسي يؤدي الى بهو واسع من قسمين، الاول الذي يلي المدخل مباشرة فسيح طويل في وسطه طاولة اثرية مستطيلة الشكل، والثاني في اقصى الاول، اقل مساحة ويستعمل اليوم كغرفة انتظار لزوار الوزير او الامين العام. على الجدران ثلاث او اربع لوحات قديمة فضلا عن مرآة تراثية ضخمة الى يسار المدخل تقوم على صندوق خشبي اكاجو. الى الجانب الغربي من البهو، ثلاث غرف واسعة تضم على التوالي مكتب الامين العام، مكتب الوزير، فمكتب مدير المراسم. الى الجانب الشرقي جناح يضم على التوالي قاعة اجتماعات فسيحة، فمساحة يقوم فيها سلم رخامي مزدوج يؤدي الى الطبقة الثانية، ووراء السلم غرفة شمالية تشغلها دائرة القلم والضاربات على الالات الكاتبة والحقيبة الديبلوماسية، وغرف جنوبية يشغلها رئيس الديوان، فالموظفون التابعون للمراسم، وبين الشمالية والجنوبية ممر يؤدي الى مدخل فرعي للقصر، ويقع في اقصاه قبل المدخل مرحاضان. تضم الطبقة الثانية مديرية الشؤون السياسية بفروعها واقسامها، وموظفيها الديبلوماسيين والاداريين ومحفوظاتها ودائرة الرموز التي اصبحت اليوم مديرية الرموز بجميع مكاتبها وموظفيها والمعدات اللازمة لها. اما باقي دوائر الوزارة فكانت في بناية الطبال المجاورة. هذه البناية كانت في الواقع كناية عن مبنيين متلاصقين يفصلهما جدار مشترك. وقد شيدا على عقارين متاخمين يملكهما آل طبال، الاول للجهة الشمالية على العقار 409، من خمس طبقات ومدخله الى الغرب، والثاني للجهة الجنوبية على العقار 2300، من ست طبقات ومدخله من الجنوب. وبعدما استاجرت الوزارة القسم الشمالي من بناية الطبال في العام 1960، دعتها ضرورات التطور والتوسع الى استئجار القسم الجنوبي في العام 1963. وقد تم فتح باب في الجدار الفاصل على مستوى الطبقة الثالثة لتأمين ممر داخلي بين القسمين، وتوزعت دوائر الوزارة على قسمي البناية. في مطلع السبعينات، استاجرت الوزارة طبقتين من مبنى يبعد عنها حوالى 600 متر، على جادة شارل مالك، لايواء مكتبتها المتنامية ومحفوظاتها القديمة التي لم تعد قيد الاستعمال اليومي. في اواخر التسعينات تمددت اكثر واستأجرت بضعة طبقات من مبنى جديد شيد في جوارها لا يفصله عن القسم الجنوبي من بناية الطبال غير طريق فرعية لا يتعدى عرضها الامتار العشرة. استمرت الوزارة في التوسع حتى اصبحت دوائرها موزعة على اربعة مباني، في الوقت الذي كانت تجهد فيه، كما لا تزال تجهد اليوم، من اجل انشاء مبنى موحد لها”.
يذكر انه في مناسبة التسليم والتسلم بين وزير الخارجية السابق علي الشامي وسلفه الوزير فوزي صلوخ في 12 تشرين الثاني 2009، كان موضوع البناء الموحد للوزارة من بين الملفات العالقة التي اودعها السلف الى الخلف. ما حدا بالوزير الشامي وقتها الى القول: “من الملاحظ ان الوزير صلوخ اورث الوزارة واورثني ثقلا كبيرا، وسوف ابذل جهدا لتخطي هذا العبء”. (“النهار” الجمعة في 13 تشرين الثاني 2009). كان الوزير صلوخ قد ورث هو الاخر تلك الملفات عن سلفه الذي كان ورثها بدوره عن سلفه ايضا، الى ان نصل الى اواسط الثمانينات وربما الى ما قبلهما من القرن الماضي، ووصلنا الى ما نحن عليه ولم ينفذ شيء مما خطط له.