“مصدر دبلوماسي”
كتب نبيل الجبّوري:
آتيا من العاصمة اللبنانية بيروت، حطّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رحاله في قصر بغداد حيث جرت مراسم الاستقبال الرسمي من قبل الرئيس العراقي برهم صالح، للضيف الباحث عن مساحة ما في بلد عالق بين واشنطن وطهران اللتان تمارسان سياسة “كسر العظم”
في ما يجهد العراق لأن ينأى بنفسه عن الصراعات الاقليمية والدولية.
اقتصرت الزيارة على اليوم الأربعاء، وبحسب العادات الدبلوماسية حمل الفرنسيون الدعوات لأن يكون العراق مستقرا وحرا وخاليا من الارهاب”. وكما اعلن مكتب الرئاسة العراقية أجرى” الرئيسان العراقي والفرنسي، صالح وماكرون، مباحثات ثنائية تناولت “علاقات الصداقة وسبل تطويرها وتوسيع آفاق التعاون البنّاء في المجالات كافة بما يخدم المصالح المتبادلة، فضلاً عن مناقشة آخر التطورات على الساحتين العربية والدولية والقضايا ذات الاهتمام المشترك”.
ولفت ماكرون بعد اجتماعه بصالح الى أن “الحرب على تنظيم “الدولة الاسلامية” لم تنته، وسنواصل العمل معكم في إطار التحالف المناهض لتنظيم “الدولة الاسلامية”. وتابع ماكرون:” التحدي الثاني هو التدخلات الأجنبية العديدة المستمرة منذ عدّة أعوام”.
وأكد ماكرون أمام صالح على وقوف بلاده إلى جانب العراق في الحفاظ على سيادته وأمنه واستقلاله وأهمية مواصلة التنسيق والتعاون في الحرب على الإرهاب ومنع عودة تهديده لشعوب العالم وضرورة مضاعفة الجهود الدولية لتحقيق السلام ومنع التوتر في المنطقة.
أول رئيس دولة يزور العراق في عهد الكاظمي
ماكرون هو أول رئيس دولة يزور بغداد منذ أن شكل رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي حكومته في أيار مايو الفائت، ويسعى الكاظمي الى الانفتاح على العالم والإنعتاق من سياسة المحاور. شكّل حكومته منذ قرابة الأشهر الثلاثة، وخلال استقباله للرئيس الفرنسي عبّر الكاظمي عن سعادته بزيارة ماكرون إلى بغداد، معتبرا في الوقت عينه انها بداية حقيقية لشراكة عراقية فرنسية، لافتا الى ان السيادة العراقية خط أحمر.
اللافت في هذه الزيارة ان الرئيس الفرنسي لم يتوجه الى اقليم كردستان للقاء حكومته هناك كما في كل زيارة لوفد اجنبي يزور العراق بل بالعكس من ذلك سبق رئيس الاقليم الكوردي نيجيرفان بارازاني بالوصول لعاصمة القرار العراقي للقاء الرئيس الفرنسي، وقد اجتمع قبله مع رئيس الوزراء الكاظمي، وفي مجيء بارازاني الى بغداد سابقة لم تحدث في عهد الحكومات العراقية السابقة.
ملف الجهاديين الفرنسيين
كان الرئيس الفرنسي، أجاب في مؤتمر صحافي ختامي عقده ليل الثلاثاء في “قصر الصنوبر” في بيروت على سؤال أحد الصحافيين الأجانب الذي سأله عن مصير آلاف المقاتلين الفرنسيين الموجودين في العراق وهم كانوا قاتلوا مع تنظيم “داعش”. علما بأن القضاء العراقي كان حكم بالإعدام على 11 فرنسيا من أعضاء “داعش” لمشاركتهم في أعمال ارهابية ضد قوات عراقية ومدنيين. وأجاب ماكرون الصحافي قائلا: “إن رعايانا الذين قاموا بخيار حرّ بالذهاب للقتال على أراض خارجية والذين اعتبروا مذنبين بأعمال ارهابية على ارض دولة ذات سيادة سيحاكمون بطريقة قانونية وشرعية على أرض هذا البلد ذات السيادة”. أضاف:” وفي إطار اتفاقيات التعاون القضائي خاصتنا سنطلب وبكل بساطة كما يفعل شركاؤنا الأوروبيون، وفي حال تمّ الحكم بالاعدام أن يتم ّتخفيف هذه العقوبة طبقا لتشريعاتنا ولمبادئنا نحو عقوبة السجن المؤبد”. ويعتبر هذا الملف أساسيا في العلاقات الفرنسية العراقية نظرا لحساسيته الشديدة لباريس التي تتخبط كما العديد من الدول الأوروبية في العثور على السبل الكفيلة بمعالجة ملفات آلاف الجهاديين المحتجزين بين العراق وسوريا وعائلاتهم. ونقلت وكالة “رويترز” بأن الرئيس الفرنسي عبّر عن دعمه لسيادة العراق، مشيرا الى أن “الدولة الاسلامية” والتدخلات الخارجية يأتيان على رأس قائمة التحديات التي تواجهها بغداد.
الى ذلك توجّه زيارة ماكرون الى بغداد رسائل الى تركيا التي تتعرض لمناطق شمالية عراقية بالتوغل والقصف، وهذه الرسائل على خلفية النزاع في ليبيا حيث باريس وانقرة مهتمتان بدعم طرفين متقاتلين، والخلافات في شرق المتوسط حول التنقيب عن الغاز.
ويرى المراقبون ان الاهتمام من قبل الايليزيه بلبنان والعراق هو لكونهما يتعرضان للتجاذب العنيف من قبل إيران والسعودية، اي انهما متشابهان بالالية التي تدار بها العلاقات وطريقة الحكم فيهما، ولا تتردد باريس بأن تلعب دور الوسيط إذا تصاعدت التوترات الإقليمية، وتلفت اليها الانظار كلاعب لايمكن تجاوزه في الشرق الأوسط تمثلا بالولايات المتحدة الأميركية وموسكو.
ماكرون: فرنسا ملتزمة المعركة ضد “الدولة الاسلامية”
وعقد الكاظمي وماكرون مؤتمرا صحافيا مشتركا، وقال ماكرون: سنظلّ ملتزمين لأن المعركة ضد “الدولة الاسلامية” مستمرة لكن ذلك يجب ان يكون في سياق اتفاقية وبروتوكول يحترم سيادة العراق”. وأشار ماكرون الى أن فرنسا “تدعم جهود رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي من أجل “توفيق أوضاع جميع القوى المسلحة”.
الكاظمي: مشروع نووي مشترك لتطوير الطاقة
من جانبه، قال الكاظمي أنه بحث مع ماكرون التعاون في مجال الطاقة والعمل معا على مشروع نووي يمكنه التغلّب على النقص المزمن في الكهرباء في العراق”. واضاف الكاظمي:” نحن مهتمون كثيرا بالدعم الفرنسي في الحرب ضدّ “داعش”، فلفرنسا دور متميّز، هذا الدور سوف لن ينساه العراقيون وسيكون في سجلّ التاريخ المشرق لهذه العلاقات”. وتابع الكاظمي:” نعم، نعمل على تطوير العلاقة في المجال الأمني والعسكري وقد وجّهت القادة الأمنيين والعسكريين بالبدء في تطوير هذه العلاقة وإيلائها الأهمية”. واشار الكاظمي:” إننا نؤكد ان هنالك أولوية للتعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية وكذلك في الطاقة، تكلّمنا عن مشروع الطاقة والتعاون بين العراق وفرنسا وكذلك في مشروع مستقبلي فيما يخص الطاقة النووية لانتاج الكهرباء والمشاريع السلمية على أن تكون تحت إشراف منظّمة الطاقة الدولية ومنظمة الطاقة الفرنسية، ونتمنّى أن توفّر فرص عمل وكذلك طاقة فيما يخص الأزمة في الكهرباء”. وأوضح الكاظمي أن العراق سيعمل على تذليل العقبات أمام الشركات الفرنسية قائلا:” نعم، سنعمل بكل جدّ لتذليل كل التحديات أمام الشركات الفرنسية في مجال الاستثمار وكذلك في مجال العمل في العراق، سنعمل كل التسهيلات لهذه الشركات”.
يذكر بأن وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي زارت بغداد في 27 آب اغسطس الفائت مؤكدة استعداد بلادها للاستمرار في برامج تدريب القوات العراقية من أجل تعزيز قدراتها التسليحية في مواجهة الارهاب. وأشارت الى أن العراق بلد ذو سيادة، ويجب أن يمنع التدخلات في شؤونه، منوهة بأن فرنسا تدعم العراق لإبعاده عن سياسة المحاور وتأمين الاستقرار فيه.
*نبيل الجبّوري: كاتب وصحافي عراقي