“مصدر دبلوماسي”- خاص
بعد انفجار الرابع من آب 2020 وفور اطلاق بعض التصريحات من قبل جهات حزبية وشخصيات سياسية لبنانية مطالبة باجراء تحقيق دولي بشأن الانفجار الذي دمّر مرفأ بيروت وجزءا من العاصمة، بادر السفير الروسي في لبنان ألكسندر زاسبيكين في تصريح اذاعي (في 8 الجاري) الى القول بأن ان روسيا ستعارض اي قرار دولي يطرح في مجلس الامن لانشاء تحقيق دولي يخص تفجير مرفأ بيروت. وقال:”إن من يدعو إلى محكمة دولية يبدو أن لديه مواقف أخرى لتدويل الحالة اللبنانية ونحن نرفض هذا المبدأ ولا نريد أن يكون هناك أي شيء ضد السيادة اللبنانية”. مشيرا في الوقت ذاته “إلى أن روسيا سترفض في حال طرح موضوع تدويل الأزمة اللبنانية”.
هذا التصريح لم يمرّ بطريقة سلسة، وتمّ اعتباره رسالة روسية الى مجتمع الدولي مفاده ان التدخل في لبنان من بوابة التفجير للاستثمار السياسي الغربي في لبنان كما جرى في ملف المحكمة الدولية الخاصة بالرئيس الشهيد رفيق الحريري لن يكون مقبولا روسيا. وسرعان ما بدأت الاتصالات بالإدارة الروسية.
منذ ايام أعلن المكتب الاعلامي للرئيس الحريري في بيان انه جرى اتصال هاتفي
بين الحريري والممثل الخاص لرئيس روسيا الاتحادية في بلدان الشرق الأوسط وافريقيا نائب
وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف
تم خلاله، حسب بيان صادر عن وزارة الخارجية الروسية، بحث عدد من المواضيع الآنية،
وتناول العلاقات اللبنانية الروسية، خصوصاً الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتأزّم في لبنان بعد الإنفجار المدمّر الذي وقع في الرابع من الشهر الحالي.
وأشار بيان مكتب الحريري إلى أن الأخير قيّم عالياً المساعدات الروسية التي ساهمت
بمحاولات الإنقاذ من الكارثة الضخمة، وتمّ التأكيد من الطرف الروسي على التضامن مع
الشعب اللبناني والتركيز على المواقف الروسية الثابتة في دعم سيادة واستقلال ووحدة
الأراضي اللبنانية والاستقرار الداخلي في لبنان.
كذلك، اعلن الحزب التقدمي الاشتراكي في بيان انه جرى اتصال بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جبنلاط والمبعوث الخاص للرئيس الروسي الى الشرق الأوسط وشمال افريقيا نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف وقال بيان الحزب الاشتراكي أنه: جرى استعراض مختلف الأوضاع العامة وتبادل وجهات النظر في التطورات اللبنانية والإقليمية”.
وأفاد بيان التقدمي أن “بوغدانوف نقل تحيات القيادة الروسية ووزير الخارجية سيرغي كما توجه جنبلاط بتحية إلى لافروف، وكان تأكيد مشترك على استمرار التواصل والعلاقة التاريخية بين الحزب التقدمي الإشتراكي وروسيا.
وتعلق أوساط سياسية واسعة الاطلاع على الشأن الروسي بأن روسيا تدرك جيدا ما يضمره الغرب للمنطقة وللبنان تحديدا، ولكأن هنالك من يطمح الى احداث انقلاب في موازين القوى في لبنان. ويبدو بأن تصريح السفير زاسبيكين لم يعجب المطالبين في لبنان بالتحقيق الدولي ولا سيما النائب السابق وليد جنبلاط ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري، بحسب ما تفيد هذه الاوساط التي رفضت الكشف عن هويتها نظرا الى دقة الموضوع.
وتشير هذه الأوساط الواسعة الاطلاع الى ان جنبلاط والحريري اتصلا بنائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف وأعربا كلّ على حدة عن معارضتهما للتصريحات الصادرة عن السفير زاسبيكين واعتبرا بأنها متسرعة ومؤذية للعلاقة بين لبنان وروسيا، من وجهة نظرهما، وطلبا التأكد مما اذا كان تصريح زاسبيكين يعبّر فعليا عن الموقف الروسي الرسمي وهذا الأمر لم يرد في البيانين المذكورين لكن تمّ تداول مضمونه في أوساط سياسية ودبلوماسية رفيعة.
وتشير الاوساط الى أن بوغدانوف وعد الحريري وجنبلاط بإثارة هذا الموضوع مع السفير الروسي زاسبيكين ملوّحا –بحسب ما تنقل المصادر- بأن كلام زاسبيكين جاء متسرعا. لكن اللافت بأن الناطقة بإسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا قالت في معرض تعليقها على الحكم الصادر عن المحكمة الدولية الخاصة بالرئيس الحريري:” ان موسكو تقدم المساعدة اللازمة للشعب اللبناني الصديق وتدعو الى حلّ كافة القضايا الحادة بأيدي اللبنانيين انفسهم في اطار القانون والحوار البناّء المفضي الى الوفاق الوطني الشامل، ومن دون التدخلات الخارجية”. وهذا الموقف يلاقي رأي السفير زاسبيكين.
وتشرح هذه الاوساط الواسعة الاطلاع العلاقة التي تربط بين الرئيس سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ببوغدانوف قائلة انه من الواضح بأن اتصال المسؤولين اللبنانيين ببوغدانوف هدفه تبيان فحوى تصريح السفير زاسبيكين ومدى صحته، وعوض ان يتصلا بالسفير شخصيا للاطلاع منه على وجهة نظر بلاده تخطياه بشكل غير لائق وذهبا حدّ التحريض عليه في موسكو.
وتضيف ان ذلك يشكل دليلا على أن العلاقة الوطيدة التي تجمع بوغدانوف ببعض السياسيين في لبنان تتخطى الاعراف الدبلوماسية المتعارف عليها.
وتعلّق بأنه من المعروف، بأن السفارات تقيّم الوضع الداخلي في البلدان العاملة فيها وترفع تقاريرها للإدارة المركزية في وزارة الخارجية في البلد المعني مرفقة بتوصيات لاتخاذ التدابير اللازمة. لكن درجت العادة بحسب الأوساط أن يتعاطف بوغدانوف مع مواقف شخصيات من قوى 14 آذار تحديدا، وصولا الى تخطيه السفير زاسبيكين أخيرا بمسايرته لشخصيتين سياسيتين لبنانيتين، في حين أن زاسبيكين هو سفير فوق العادة ومن السفراء القلة في العالم الذين يحق لهم ابداء رأيهم قبل الرجوع الى الادارة المركزية في موسكو. وتستغرب الاوساط ان يتصرف الحريري وجنبلاط على هذا النحو مع سفير بقي في لبنان 10 أعوام ويستعد لمغادرته وأن يودّعانه بهذا الاسلوب الجاف عبر تخطيه بشكل أقل ما يقال فيه أنه “غير دبلوماسي”، لكن الاستغراب الأكبر هو من تجاوب بوغدانوف معهما.
وتشير الاوساط الى أن بوغدانوف الذي زار لبنان مرارا ربما عليه ان يعرف بأن من يتصل به من شخصيات ما يعرف بـ14 آذار هي على عداء تقليدي لروسيا ويرتبط بمعظمها بالسياسة الاميركية. وتقول الأوساط:” ربما من الجيد تذكير السيد بوغدانوف بان سعد الحريري خلع سترته مرة امام الجماهير وتعهد باسقاط الرئيس السوري بوصفه قاتل ابيه رفيق الحريري مستندا الى وقائع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وان وليد جنبلاط نعت الرئيس السوري بابشع النعوت وتعهد باسقاط سوريا انطلاقا من لبنان وايضا متذرعا بدماء والده. والان وبعد 15 عاما قالت المحكمة ان سوريا لا علاقة لها بمقتل الحريري الاب ولكن بعد ان تم تدمير سوريا من هذا الباب وابواب اخرى مستعينة باشخاص في سوريا مثل الحريري وجنبلاط وقوى 14 اذار عموما”.
وتضيف الاوساط التي تظهر شديدة الحرص على موقع روسيا في لبنان، بأن “السفير الروسي في لبنان هو رأس الدبلوماسية الروسية، وعلى الجميع الرجوع اليه لتنسيق التصريحات في حال اراد ان يصرح أحد الدبلوماسيين الروس بما يخص لبنان بما فيه بوغدانوف نفسه”. وتشير:” من غير المقبول ان يكون هنالك تباين بين مواقف السفير في لبنان وبوغدانوف في ذات الشأن فتظهر روسيا وكأنها مربكة او مترددة في مواجهتها للتوغّل الغربي في لبنان وخصوصا وأنّها اصبحت بالفعل متواجدة في المياه الدافئة للبحر الابيض المتوسط، وهذا يعتبر انجاز تاريخي لروسيا من غير المقبول التعامل معه باستخفاف، لأن الاعداء قريبين جدا ويتحيّنون الفرصة لارجاع عقارب ساعة موسكو الى الوراء، وما حصل في أوكرانيا وما يحصل الان في بلاروسيا خير دليل على عدم استسلام الغرب في مواصلة استهداف روسيا في عقر دارها” بحسب تعبير الاوساط المذكورة.