“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
يصل الى لبنان الاسبوع المقبل مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الاوسط ديفيد شنكر ونائبه لشؤون سوريا جويل رايبرن في استكمال لتطبيق الرسائل التي حملها معه وكيل وزير الخارجية الاميركي ديفيد هيل الأسبوع الفائت. سيكون متسرعا توقع ما سيتطرق اليه شنكر من مواضيع داخلية تتعلق بتشكيل الحكومة الجديدة بعد استقالة حكومة حسان دياب في 11 الجاري، أو ان كان سيتطرق الى ملف الاصلاحات التي كانت ملفا رئيسيا في زيارة هيل، لكن المؤكد بأن الملف الرئيسي الذي سيتطرق اليه شنكر يتمثل بالإطار التقني الذي بات جاهزا في ما يخص حل النزاع الحدودي البحري بين لبنان واسرائيل، والذي تمّ بوساطة أميركية وبرعاية وحضور للأمم المتحدة، علما بأن هذا الإطار التقني قد نال موافقة الجانب الاسرائيلي ولم يعد منتظرا سوى اطلاقه ووضع اللمسات الاخيرة عليه بحسب المعلومات التي حصل عليها موقع “مصدر دبلوماسي” من أوساط سياسية على دراية تامة بتفاصيل هذا الملف لكنها تجنبت اعطاء المزيد من التفاصيل.
وبالرغم من أهمية هذا الموضوع الحيوي للبنان، والذي يفكّك جانبا لا يمكن الاستهانة به من الاشتباك الدائر مع لبنان والذي تسعى الولايات المتحدة لحله منذ أعوام، إلا أن تشكيل حكومة اصلاحية هو أمر جوهري بحسب ما تمخض من رسائل ديفيد هيل وهي ثلاثة بحسب ما تشرح أوساط سياسية بارزة لموقعنا كانت حضرت جانبا من اجتماعات هيل، هذه الرسائل هي: انتهت اللعبة، لا تعويم ماليا مجانيا بعد الآن، الاصلاحات هي الاساس: تقومون بخطوة نلاقيها بخطوة، المساعدات التي يتلقاها لبنان ستنتهي بعد مدة، والاصلاحات هي الطريق التي ستعبّد مسار مؤتمر “سيدر” وصندوق النقد الدولي والمساعدات الاميركية السخية تجاه لبنان.
هيل لم يتطرّق “حزب الله” في لقاءاته كلها!
لكن اللافت، أن هذه الاوساط التي تابعت زيارة هيل تقول لموقعنا بأن الأخير لم يأت على ذكر “حزب الله” في لقاءاته كلها! تقول الاوساط السياسية التي تابعت زيارة الموفد الاميركي بأن “هذا الأمر ليس مدهشا، لأن جلّ ما يريده الأميركيون والفرنسيون من حزب الله هو أن يقلص انشطته كليا في الاقليم وألا يزعج الحلفاء وكفى”.
ماكرون يتصل يوميا من الإيليزيه اقله بثلاثة مسؤولين لبنانيين!
وبحسب هذه المصادر، فإن الأميركيين فوّضوا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لكي يتابع الملف اللبناني من الآن ولغاية الانتخابات الاميركية من غير أن يعني ذلك أن الاميركيين لا يتدخلون في الشاردة والواردة، لأن الاتصالات بينهم وبين الايليزيه هي يومية، كما هي الاتصالات اليومية بين الرئيس ماكرون وبين المسؤولين اللبنانيين. يقول أحد السياسيين المتابعين بشكل وثيق للحركة الدبلوماسية في اتجاه لبنان:” يتصل الرئيس ماكرون يوميا بما لا يقل عن ثلاثة مسؤولين لبنانيين، وكأنه “مختار منطقة السيوفي” يقول السياسي ممازحا.
يروي السياسي هذه الواقعة ليدّلل على جدية الفرنسيين في ايجاد حل للبنان. وردّا على سؤال لموقعنا عن وجود ارتباك لدى ماكرون في عبارات استخدمها مثل “حكومة الاتحاد الوطني” الذي تردد أخيرا بأنها تعني “حكومة مهام تضم سياسين واعضاء من المجتمع المدني”، يقول السياسي الوثيق الصلة بهذا الملف:” لا بأس إن وقع لغط بسيط في التعريف، فاللبنانيون أنفسهم لا يملكون تعريفا واحدا لحكومة الوحدة الوطنية”.
لكن اللافت في سياق الوساطة الفرنسية، ما تشيعه أوساط سياسية بارزة عن أن تشكيل الحكومة العتيدة سوف يتبعه حوار على المستوى الوطني بين المكونات اللبنانية، ما يعيد بقوة الى الأذهان عبارة الرئيس ماكرون الذي تحدث عن “عقد سياسي جديد في لبنان”. يقول السياسي المذكور الذي يتابع حركة ماكرون:” “إن الجوهر موجود في هذه العبارة، لبنان يحتاج الى عقد اجتماعي جديد، الجميع يعرفون ذلك ولكنهم لا يريدون الاعتراف به”. يضيف:” لا يضيع شيء في الملفات الفرنسية ومؤتمر سيل سان كلو لا يزال موجودا في الارشيف الفرنسي وكل النقاشات التي دارت وقتها بين الافرقاء اللبنانيين”.
الفرنسيون جدّيون بمساعدة لبنان لكن السلوك اللبناني لم يتغيّر!
وبالتالي فإن الفرنسيين جديون ولا يمكن القاء اللائمة عليهم، وتكمن المشكلة في سلوك بعض اللبنانيين الذي لم يتغير.
وسط معلومات بأن ماكرون لا يمانع من تشكيل حكومة وحدة وطنية جامعة تكون مخصصة للمهام الاصلاحية يرأسها سعد الحريري، فإن مناخ المجتمع المدني اللبناني وكذلك النخب الاكاديمية لا تبارك هذا الأمر وتعتبر بأن ماكرون يقوم بعملية تدوير للسلطة السياسية في لبنان لكي تعيد تشكيل ذاتها بقالب اصلاحي هذه المرة. من جهتها، تشير الاوساط الملمّة بمناخ الفرنسيين الى أن هؤلاء يعرفون لبنان بالعمق، يكفي بأن كبير مستشاري ماكرون إيمانويل بون كان سفيرا في لبنان قبل عودته الى الإيليزيه وهو ليس شخصية عادية بل متعمقة جدا بالملف اللبناني وتدرك تعقيداته وتعرف بأن التغيير في لبنان لا يتم بثورة.
أما الرئيس الفرنسي، فهو وعلى عادة فرنسا يريد التعاطي مع المؤسسات الدستورية اللبنانية أي رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان لأنها المفاتيح التي يمكن للدول المانحة في “سيدر” التعاطي معها، ولأنها باب للاصلاحات المنشودة، أما اي اصلاح بعيد الأمد فسيكون في الانتخابات النيابية، ومن هنا حثّ ماكرون النخب المدنية على تجميع نفسها والتوحد والاستعداد لخوض الانتخابات النيابية المقبلة وليس بالضرورة أن تكون مبكرة.
الماكرونية منافسة للحالة العونية والقواتية على الساحة المسيحية!
في هذا الاطار، تقول الشخصية السياسية التي واكبت حركة الرئيس الفرنسي:” إن الماكرونية ستكون المنافسة الرئيسية للعونيين وللقوات اللبنانية في الانتخابات المقبلة، فبعد ما كسبه ماكرون من شعبية لا يحلم بها في فرنسا وذلك في احياء المدور والجميزة ومار مخايل فيمكنه أن يشكل لوائح لنواب مسيحيين ويربحها برمتها”!
لكن، لماذا يتمسك ماكرون بالرئيس الحريري الذي لم يتمكن في الحكومة السابقة من السير بالاصلاحات المنشودة دوليا؟ وهل الحركة الماكرونية تشي بإصلاح في حين تتم الاجتماعات لتشكيل الحكومة بشكل تقليدي وسط خلافات على تسمية رئيسها عوض التركيز على جدول اعمالها؟
ماكرون وبرّي مع الحريري…لا وقت للتجارب بعد الآن
يشير مصدر سياسي بارز لموقعنا بأن حكومة حسان دياب حظيت بترف التجربة لمدة 7 اشهر، ولم يعد من متسع لهذا الترف اي التجريب بوجوه جديدة لا تمتلك خبرة، لأن الحكم والحوكمة هما ايضا خبرة. هذا الامر يزيد من حظوظ رئيس الحكومة الاسبق سعد الحريري، سواء لدى اصدقائه الفرنسيين او لدى الداخل اللبناني وخصوصا عند رئيس المجلس النيابي نبيه بري، من دون أن يعني ذلك أن تزكية الحريري ستكون بنفس الشروط التي كانت تحكم عمل الحكومات السابقة.
يعتبر الرئيس بري بحسب المصدر السياسي بأن تأييد الحريري بجدول أعمال وأجندة اصلاحية مجهزة ومكتملة من قبل الفرنسيين وقوامها 7 نقاط، مستقاة من مشروع اعدته حكومة الحريري السابقة نفسها في ايلول الفائت أمر جيد. وهذه البنود الفرنسية السبعة المتعلقة بالاصلاح المالي والاقتصادي، وقطاع الكهرباء، والكابيتال كونترول وسواها ستكون اساسية لنجاح الحكومة المقبلة وقد طلبت فرنسا البدء بهذه الاصلاحات مع قطعها وعدا بأن تبدأ محركات مؤتمر “سيدر” بالعمل وتتدفق المساعدات الى لبنان، من الدول المانحة ومن صندوق النقد الدولي. إن الرئيس بري مقتنع بالرئيس سعد الحريري لسببين: الاول أنه لم يعد ممكنا تشكيل حكومات تجريبية، وخصوصا وأن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة دقّ ناقوس الخطر في ما يخص الاحتياطي في مصرف لبنان. وبالتالي فإن مجيء الحريري ونيله تأييدا واسعا سيسهم بانطلاقة عجلة الاصلاحات وانقاذ البلد. أما السبب الثاني فيتعلق بضرورة فك التجاذب والقطيعة الحاصل بين السنة وبين رئاسة الجمهورية والتي قد تقود البلد الى مطارح صعبة.
بري مستعجل للدعوة الى الاستشارات النيابية
يرى رئيس المجلس النيابي نبيه ضرورة قصوى لاجراء الاستشارات النيابية بأسرع وقت، لكنه اصطدم بعدم اقتناع البعض بجدوى هذه الدعوة السريعة، ويشير المصدر الى وعود باجراء الاستشارات النيابية في الاسبوع المقبل، لكن الامر يتعلق بما سيقرره النائب جبران باسيل.
هل ماكرون يغطي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل؟ يقول المصدر السياسي بأن الفرنسيين يتعاطون مع الحضور الدستوري لرئيس الجمهورية لأن سلطة الدستور بيده، مقتنعين بأن لبنان بلد لا تقوده ثورة بل يجب البدء باستشارات نيابية وبتشكيل حكومة ثم توقيع مراسيمها بعدها لكل حادث حديث. لا يمكن للدول المانحة في “سيدر” إلا التعاطي مع المؤسسات. ماكرون لوّح بعقوبات في حال لم تتم الاصلاحات، لكن يبدو بأن عددا من المسؤولين في لبنان لا يصدّقون انه سينفذ تهديداته.
يقوم بري بجهود حثيثة، لكن بعد الاجتماعات التي انعقدت الاسبوع الفائت لم يعجبه أن النقاشات تتم وكأن شيئا لم يكن فأطفأ محركاته وقال لهم “حلّوا عني”.
الرئيس بري خفف حركته لدرجة التوقف الكامل، إذ لاحظ بأن الافكار لا تأخذ في الاعتبار الوقائع الجديدة على الارض والتي يواجهها لبنان وحجم الكارثة فيما يفضل البعض المقامرة بحلول “لا تمشي” متجاهلين بعض الرسائل الموجعة ومنها على سبيل المثال عدم لقاء ديفيد هيل مع جبران باسيل الاسبوع الفائت، في حين تشير الاوساط السياسية أنه بدءا من الاسبوع المقبل سيبدأ ورود رسائل أشد ايلاما تتعلق بالعقوبات التي ستكون بين حدود ماغنتسكي وقانون قيصر والأوفاك.
هيل لم يتطرق الى “حزب الله”!
وماذا سيقدم حزب الله؟ تفاجئ الاوساط المتابعة للحركة الدبلوماسية بقولها أن ديفيد هيل لم يأت في اجتماعاته كلها على ذكر “حزب الله”، والمطلوب من الحزب فقط ألا يتدخل في قضايا الاقليم وان “يتضبضب” ضمن لبنان، في هذا الاطار تقول الاوساط أنه من المفيد التفكير والتأمل مليا بحكم المحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والتمعن به بعمق.