“مصدر دبلوماسي”
كتب نبيل الجبّوري:
قام رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي بزيارة لا تصنف عادية الى الولايات المتحدة الأميركية حيث عقد قمّة أول من أمس مع رئيسها دونالد ترامب، ونال حفاوة غير اعتيادية تليق برئيس حكومة تخلّى عن دور ساعي البريد الذي اتسمت به بعض الزيارات السابقة الى واشنطن، حين كانت تحمل رسائل ايرانية قبل اية رسائل اخرى مسهلة وصولها الى البيت الابيض وذلك عبر طائرة رئاسية عراقية.
حفل جدول أعمال الكاظمي بلقاءات عدة: اعضاء في الكونغرس الاميركي، منتدى رجال الأعمال وغرفة التجارة الاميركية، وزير الخارجية مايك بومبيو، مدير عام صندوق النقد الدولي، سفيرة النوايا الحسنة في الأمم المتحدة ناديا مراد وسواها، لكنّه توّج هذه اللقاءات باجتماع استثنائي مع الرئيس دونالد ترامب، حيث التقيا وجها لوجه على مدى قرابة الساعة والنصف في البيت الأبيض، وليس عبر تقنية “الفيديو كونفرانس” ووسط استقبال مميز بحفاوته من قبل ترامب الذي ظهر شديد الارتياح لاستقبال رئيس الوزراء العراقي، وبدا الكاظمي بدوره محاورا لترامب من الند الى الند.
قبيل اللقاء منحت الولايات المتحدة الاميركية حزمة مساعدات إنسانية وتنموية للعراق بأكثر من 200 مليون دولار، ليرتفع إجمالي الاستجابة الإنسانية الأميركية للعراق إلى أكثر من 706 ملايين دولار منذ بداية السنة المالية 2019، بالإضافة إلى ذلك، قدمت الولايات المتحدة 49.5 مليون دولار مساعدات للعراق لمواجهة جائحة (كورونا)، وأكثر من 22.7 مليون دولار حتى الآن في السنة المالية 2020 لمساعدة أكثر من 244 ألف لاجئ سوري في العراق.
ولم يفوّت دونالد ترمب الفرصة للإطراء على الحليف العراقي، وليعلن على الملأ بأنه “ينسجم مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي “جدا”، وهذا الاطراء ربما لم ينله أي مسؤول عراقي وبهذه الصراحة كون الكاظمي لديه وجهة نظر تجاه الاذرع الايرانية في العراق ويسعى بشكل أو بآخر الى تقليم اظافرها وفك ارتباط “الدولة بها ” لانها تخطت كل الحدود وأصبحت المتحكم الاول بكل الموارد العراقية بل وحتى بقراراتها الاستراتيجية فضلا عن الداخلية”.
واشنطن بدورها حثّت العراق على بذل الجهود لتحقيق تطلعات الشعب العراقي ومطالب التظاهرات التي خرجت منذ نهياية العام الفائت منادية بالإصلاحات والقضاء على الفساد ولإقامة علاقات متوازنة مع دول الجوار. وبالطبع لابدّ لايران احد اللاعبين الاساسيين في الساحة العراقية ان تتحرك تجاه ذلك وان لا تقف موقف المتفرج المنتظر المؤمن بالقضاء والقدر.
وها هي طهران تحثّ الخطى، فقبيل الأنباء عن زيارة الكاظمي لواشنطن وردت انباء عن وصول قائد الحرس الثوري الايراني العميد إسماعيل قاآني بشكل سرّي الى بغداد، ليملي شروط طهران على الكاظمي، تؤكد هذا الامر تصريحات متسارعة من قبل الفصائل المسلحة والكتل السياسية العاملة ضمن الجناح الايراني في العراق التي راحت “توبّخ” الكاظمي على زيارته الاولى إلى الولايات المتحدة الاميركية منذ توليه رئاسة الحكومة العراقية في مايو أيار الماضي، بالإضافة الى استمرار الرشقات بصواريخ “الكاتيوشا” على قواعد أميركية في العراق بالرغم من انها لا تتمكن غالبا من اصابة اهدافها او الحاق اضرار مادية بتلك القواعد.
الا ان هذه الرشقات ليست إلا لاحراج مصطفى الكاظمي الذي اصطدم بكتائب “حزب الله” العراق في يوليو تموز الفائت بعد تنفيذ قوات مكافحة الارهاب عملية نوعية اسفرت عن القبض على 13 عنصرا من “الكتائب” قبل ان تتدخل قوى سياسية لحلحلة الموضوع ومنع تحويله الى صدام مسلح بين قوات الامن والفصائل المسلحة والتي يفترض انها تتبع الدولة العراقية وتنضوي تحت قوانينها، الا ان واقعها يختلف من حيث تلقي الاوامر من “فيلق القدس” وهي لاتتردد في الجهر بذلك.
تبعا لذلك، لن “تسعد” تلك الفصائل بوجود الكاظمي في عاصمة “الشيطان الاكبر” (وهي التسمية التي يطلقها الايرانيون المتطرفون على أميركا)، الا ان التأييد الشعبي المحلي الكبير لخطوات رئيس الحكومة لايمكن تجاوزه، فالرأي العام العراقي اليوم مختلف بشكل ملحوظ عن الاعوام الماضية، ولم تفلح الجيوش الالكترونية المسخّرة من دول متضررة من الانفتاح العراقي على العالم في التشويش على المطلب الجماهيري بأن الشعب يرغب في بناء علاقات دولية تمكنه من تجاوز حقبات الفساد التي تسببت بها حكومات الولاء لطهران والحروب بالوكالة والتي اعتمدت على الطائفية واتخذت سياسة المحاور منهاجا لعملها دون الاكتراث بالمصلحة الوطنية العليا.
توقيع اتفاقيات مع شركات عملاقة في قطاع الكهرباء مثال شركة “جنرال إلكتريك” وشركة “هوني ويل” ستيلر إنيرجي” لصيانة محطات الكهرباء وتأهيل شبكات النقل والتوزيع، بالإضافة الى توقيع عقود مع شركات نفطية عملاقة كشركة “شفرون” وشركة “بيكرهيوز” للتعاون في مجال النفط والغاز، الى اتفاقيات لتطوير التنقيب والإنتاج في حقل الناصرية النفطي والذي يحتوي احتياطي يتخطى الـ 4 مليار برميل يلحق بها الاتفاق مع “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية” (USAID) التي تعنى بالتطوير والتنمية في جوانب التعليم والاتصالات والخدمات والموارد البشرية، فضلا عن مذكرة تفاهم في توسيع التجارة الصحية وتعزيز التعليم العالي بالتعاون مع الجامعات الأميركية، هذا ماكسبه الكاظمي في زيارته الى واشنطن وهو ما يسبب انزعاجا كبيرا لخصومه القلقين على مصيرهم ومن تخلخل نفوذهم وافلات الرأي العام من قبضتهم بعد ان فشلوا في اقناعه بأن الموت في المعارك ضد” المحتل الامريكي ” سيكون جزاؤه جنة الخلد، متناسين عمدا انهم من ساندوهم وطلبوا منهم احتلال العراق وإسقاط نظام صدام حسين، متغافلين عن كونهم شرّعوا الاحتلال بفتاوى الجهاد التي لم تكن تختلف بشكل وبآخر عن فتاوى التكفير الداعشي.
شعب العراق يقدّر مصلحة بلده الذي عانى الامرّين من ساسة الفساد وأمراء الحروب لذا خرج الى ساحات الاحتجاج رافعا صوته بأغنية وطنية وبلهجة عراقية تقول ” فوك صوتك يا وطن مايعلة صوت وماتخوفنة المنايا وكلمن بيومة يموت”.
هذا عراق اليوم وهاهم شبابه وثواره الذين تلاحقهم العبوات والكواتم الغادرة بعد أن فقدت احزاب ايران السيطرة على الأوضاع داخل البلاد.
*صحافي وكاتب عراقي