-“مصدر دبلوماسي”
نبيل الجبوري- العراق
منذ فاجعة الانفجار الرهيب الذي قسا على بيروت الرقيقة متسببا لها بألم ذرف له الدم بدل الدمع لفظاعته وهو ما لحق بتلك المدينة التي كانت تئنّ من وطأة العيش وهيمنة جهات حزبية على مقدرات هذا الشعب الذي قدر له أن يبكي على مدينته وهي على قيد الحياة كونها ان بقيت كذلك ستحسب في عداد الاموات، فمنذ ذلك الحين ظهر اللاعب الفرنسي بكل ما أوتي من قوة فكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيد الايليزيه أول الواصلين للمدينة المنكوبة من مرفئها الذي كان الطريق لسبب مأساتها.
ماكرون تصرف كأنه المخلص وأطلق لنصائحه العنان وسار وسط الحشود بكل أريحية ليعانقهم ويحتضنهم بعد ان منع نفسه من مصافحة كبار المسؤولين اللبنانيين وهو يرتدي قناع كورونا .
ترى ما الذي دفع بفرنسا للظهور كلاعب مؤثر ومتبني لمطالب الشعب اللبناني؟ هل هي انسانية الغرب ام مصالح السياسة التي تستثمر المحن بعد ان كان الرخاء مانعا لتحقيق ما تصبو اليه؟
تعرف فرنسا في لبنان بـ “الأم الحنون”، بسبب نوع العلاقة بين البلدين، وهو ايضا اسم يطلق عليها باتجاهين مختلفين فتارة مع سخرية واخرى مع قناعة من قبل اطراف وعدم الاجماع هذا وارد جدا في مثل حالة الشعب اللبناني ذو المرجعيات السياسية المختلفة، بل ولربما نجده معذورا مثله كمثل العراق او سوريا حين تنشد فئات منه طلب الغوث من دول غربية او الولايات المتحدة لإنقاذه من فوضى الصراعات وعدم الاستقرار وشظف العيش والحرمان والسبب هم زعماء الطوائف والاحزاب الذين كان لهم الفضل في تشبث الشعوب الغريقة بقشة الانتدابات والاحتلالات علها تنجد نفسها.
لكن في كل الاحوال فإن تحركات دول الغرب او دولة مثل فرنسا ليست اعتباطية او عاطفية بل ان كل الخطوات من هبوط طائرة ماكرون في بيروت ومعها المساعدات واطلاق الوعود بعدم ترك لبنان وحيدا وتحديد موعد لعودته لبيروت لدراسة ما تحقق على واقع السياسة اللبنانية ماب ين الزيارتين وتبنيه اجتماعا للدول المانحة لجمع الاموال ودعم البلد الصغير الذي فقد موارده واغلقت مصارفه وانهارت عملته وخطاب ماكرون الذي ألقاه بعد جولته في المدينة كان واضحا، وقال فيه “إن التمويل متاح للبنان لكن يتعين على قادته تنفيذ الإصلاحات أولا”.
ما الرسائل التي كان يبعث بها ماكرون الحزين على بيروت اكثر من سياسيها وهو ما أشارت اليه ربطة العنق السوداء الني كان يرتديها اثناء استقبال رئيس الجمهورية اللبناني العماد ميشال عون له في المطار وهو مرتديا ربطته الزرقاء؟ وما نوع الرسائل وطبيعتها ؟ بل أين حدودها فهل ستكون للزعماء في بيروت ام تتعداهم عبر البحر المتوسط لتبلغ امريكا وتركيا الساعية للتمدد في شرق البحر المتوسط؟ وهل وجود ما يقرب من 122 تريليون م3 من مصادر الغاز غير المكتشفة في حوض شرق المتوسط قبالة سواحل سوريا ولبنان وإسرائيل وغزة وقبرص، بالإضافة إلى ما يقارب 107 مليارات برميل من النفط القابل للاستخراج ما يثير قلق ماكرون من انه سكون خارج لعبة المحاور الجديدة وبالتالي لن يكون قادرا على فرض وجوده بجانب لاعبين من امريكا وروسيا وطهران وانقرة… ربما هذا ما دفع باريس لأن تعزز وجودها العسكري في شرق البحر المتوسط لتقول “نحن هنا” ومابين هذا القول وغيره يبقى ركام بيروت المنكوبة باحثا عمن يرفعه ويعيد شموخ ابراجها المحطمة ويبقى اللبناني يبحث هو الاخر عن مشفى تبلسم جراحه بعيدا عن شعارات المقاومة وصراع احزاب الطوائف والاديان .