“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
ترك وكيل وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد هيل الحلول التي تتلاءم مع طموحات الشعب اللبناني في متناول السلطة السياسية الحاكمة في لبنان، بما يتوافق مع كلام أدلى به مستشار الرئيس الاميركي وصهره جاريد كوشنر أمس للاعلامية على قناة
“أس أم بي سي” هادلي غامبل قائلا لها بأن الولايات المتحدة الأميركية أخطأت في السابق ببعض المواقف، لذا هي لن تفرض التغيير الذي يجب أن يأتي من الداخل اللبناني. وجاء البيان الختامي لهيل منسجما مع هذا الإتجاه الأميركي الذي يمثله دونالد ترامب بسياسة عدم التدخل المباشر وفرض الحلول، فجاءت العبارة الأخيرة لبيان هيل متلائمة مع هذا التوجه للادارة الاميركية الحالية:” لا نستطيع، ولن نحاول، إملاء أية نتيجة، هذه لحظة للبنان لتحديد رؤية لبنانية لا أجنبية للبنان. أي نوع من لبنان لديكم وأي نوع من لبنان تريدون؟ فقط اللبنانيون هم من يستطيعون الإجابة على هذا السؤال”.
قصد هيل بيروت مكلفا من وزير الخارجية مايك بومبيو لتقديم التعازي والاطلاع على جناح السرعة على تداعيات انفجار مرفأ بيروت الهائل، الذي وصلت أصداؤه الى العالم قاطبة، في حين لم يحمل- كما استبقت زيارته بعض وسائل الاعلام اللبنانية -أية حلول او مبادرات تتعلق بترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل وضبط الحدود مع سوريا وصواريخ “حزب الله” أو حتى شكل الحكومة العتيدة، بل اكتفى هيل بالإطلاع على الاجواء السائدة لدى مختلف الاطراف مكررا تعهد بلاده بمساعدة لبنان لكي “تتعافون من هذه الكارثة” ولأن الولايات المتحدة دولة صديقة للبنان منذ 200 عام.
تعهد هيل بأن تلبي الولايات المتحدة الأميركية الاحتياجات الانسانية: 18 مليون دولار فورية للغذاء والأدوية، و30 مليون دولار من الأموال الإضافية لتمكين تدفق الحبوب عبر مرفأ بيروت على أساس أن يكون عاجلا ومؤقتا، تعهد كذلك بإجراء تحقيق موثوق وشفاف حول الظروف التي أدّت إلى الانفجار. و”سيكون مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي قريبًا هنا للمساعدة”.
اكتفى هيل بتوصيف الواقع اللبناني بعبارات قاسية ومباشرة:” كل من في السلطة تقريبًا يتحمل قدراً من المسؤولية عنها. أنا أتحدث عن عقود من سوء الإدارة والفساد والفشل المتكرّر للقادة اللبنانيين في إجراء إصلاحات مستدامة وذات معنى”.
أضاف:” خلال زيارتي الاخيرة في كانون الأول الماضي، عبّرت للمسؤولين اللبنانيين المنتخبين عن الحاجة الملحة بأن يضعوا جانبا الهموم الحزبية والمكاسب الشخصية، ويضعوا مصلحة البلد أولاً. واليوم نرى تأثيرات فشلهم في تحمل تلك المسؤولية”.
وقال هيل في بيانه الختامي أن اميركا” تدعو القادة السياسيين في لبنان إلى الاستجابة لمطالب الشعب المزمنة والشرعية، ووضع خطة موثوقة ومقبولة من جانب الشعب اللبناني للحكم الرشيد والإصلاح الاقتصادي والمالي السليم ووضع حدّ للفساد المستشري الذي خنق طاقة لبنان الهائلة”.
وكرّر هيل ما بات معروفا:” أميركا وشركاؤها الدوليون سوف يستجيبون للإصلاحات المنهجية بدعم مالي مستدام عندما يرون القادة اللبنانيين ملتزمين بتغيير حقيقي، بتغيير قولًا وفعلا”.
لم يشف هذا الكلام لهيل غليل الجهات اللبنانية الحزبية المعارضة للسلطة السياسية القائمة وتطلعاتها للتغيير الجذري الذي تدفع به أميركا قدما، لكن ليس بوسائل مباشرة تاركة التفاصيل للداخل اللبناني، والشياطين اللبنانية كلها تكمن في التفاصيل. ربما يعيد بعض المحللين الأميركيين والكتاب الأمر الى انتقال قريب لهيل لخارج الادارة الاميركية وذلك بعد انتهاء ولاية دونالد ترامب، ويجزم البعض بأنه حتى لو أنتخب ترامب لولاية ثانية فلن يكون لهيل نصيب فيها لأن ثمة نقمة عليه من اللوبي اليهودي (لم يفصّل هؤلاء هذه الأسباب).
بأي حال، وفي انتظار مجيء مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر نهاية الشهر الجاري الى بيروت، لنطلع على ما الذي تخلل بعض لقاءات هيل مع البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي ومع رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع.
البطريرك الماروني أرسل لترامب وثيقة عن حياد لبنان ورسالة قصيرة
تقول أوساط مواكبة للقاء هيل مع البطريرك الماروي بأنه من الطبيعي أن يكون موقف الأميركيين على هذا النحو أي أنهم لا يمكنهم فرض حكومة “بالباراشوت”، لكنهم بطبيعة الحال سوف يمارسون ضغوطا من أجل تشكيل حكومة، وهذه الضغوط ستكون سياسية وعبر العقوبات.
وتشير الأوساط ردّا على سؤال موقع “مصدر دبلوماسي” إن كان الأميركيون يقبلون بحكومة يكون “حزب الله” جزءا منها بأن الأميركيين ليسوا منغلقين كليا حول هذا الموضوع، لكنه موضع شروط، أبرزها الالتزام بسياسة الحكومة التي تتألف على أساسها. فهي لن يكون حكومة على شاكلة حكومات الوحدة الوطنية التقليدية، ولا من نوع حكومة حسان دياب (تكنوقراط شكلا ومسيرين بالريموت كونترول من الأحزاب السياسية مضمونا)، بل حكومة مستقلة فيها شخصيات لديها حسّ أخلاقي وضمير، تبدّي المصلحة الوطنية على أي ميول تكون عندها. وأشارت الاوساط ، الى أن هيل لم يقدم عروضات ولا مبادرات ولا اقتراحات، بل قام البطريرك الماروني بعرض الوضع في البلد حيث قال انه بات يحتاج الى انقاذ ولا يمكن الاكمال على نفس النهج الذي كان في السابق عبر الترقيع. واشار البطريرك الى أن لبنان يحتاج الى أن تضع الولايات المتحدة الأميركية يدها في عملية انقاذه وهو يبدأ بالحكومة وبالإنتخابات النيابية المبكرة، لكنه أيضا يبدأ بتطبيق حياد لبنان، فكل حل لا يتضمن حياد لبنان لا يكون صحيحا. وقدّم البطريرك الماروني لهيل مذكرة حول الحياد أعدّها باللغة الانكليزية مع رسالة قصيرة موجهة الى الأميركي دونالد ترامب مرفقة مع هذه الوثيقة.
لم يتطرق هيل الى موضوع الانتخابات المبكرة، بل عبّر عن اهتمام الولايات المتحدة الأميركية بتشكيل “حكومة مختلفة” عن الحكومات التي تتألف وبالنسبة إليه فإن مسألة ترسيم الحدود البحرية مهمة جدا لكنه لم يدخل في تفاصيلها.
وأشار في حديثه للبطريرك أن الولايات المتحدة الأميركية ليست في وضع أن تفرض على اللبنانيين الحلول، لأن كل حل مفروض لا يمشي، فعلى اللبنانيين تشكيل الحكومة الي تلائم البلد وتطلعات الناس، والولايات المتحدة الأميركية مستعدة لمساعدة اللبنانيين، فالولايات المتحدة الاميركية بحسب هيل معنية بلبنان وهو عاد الى الملفات التي تهتم بها الادارة الأميركية بالرغم من اقتراب الاستحقاق الانتخابي الرئاسي المقبل. وطمأن هيل البطريرك الراعي بأن أية مسألة تتم في المنطقة لن تكون ضد مصلحة لبنان او على حسابه. وفي مسألة الحياد قال هيل –بحسب ما نقلت عنه الاوساط- الى أن الولايات المتحدة طالما وقفت مع تحييد لبنان ودعت الى النأي بالنفس، وطالما دعونا الى عدم تورط لبنان في النزاعات الدائرة في الاقليم.
لعل النقطة الأساسية التي تجعل رسائل هيل مختلفة عن تلك التي حملها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو ان هيل لم يتطرق الى مسائل شائكة مثل تغيير النظام وعقد اجتماعي او سياسي جديد، في حين لفت البطريرك الراعي الى أن المثالثة هي خط أحمر لا يمكن القبول بها. فأشار هيل الى أن الولايات المتحدة الأميركية لا تدخل في تفاصيل مماثلة، مشيرا الى أنه لن يحصل أي حل على حساب لبنان واللبنانيين.
وبالملخص بقي حديث هيل منصبا على قضايا الاصلاح ومن دونه لن تكون مساعدات ولا برامج لصندوق النقد الدولي وهذا واضح.
وتستنتج الأوساط بأن الولايات المتحدة لا تقبل بأنصاف حلول أو بوعود لا تتحقق ولعل عدم اجتماع هيل برئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل كان رسالة اميركية مهمة بحسب الاوساط التي تحدثت الى موقعنا وهذا يعني بأن باسيل مطلوب منه عدم عرقلة تشكيل الحكومة المقبلة وإلا فسيف العقوبات مسلط فوق رأسه لكن عدم الاجتماع به لا يعني مطلقا إخراجه من المعادلة بحسب تفسير الاوساط السياسية المسيحية المستقلة التي تحدثت الى موقعنا.
جعجع عرض لرؤية القوات
التقى هيل الدكتور سمير جعجع عصر الجمعة حيث استمر اللقاء قرابة الساعة، بحضور مستشار العلاقات الدولية والدبلوماسية في القوات اللبنانية الدكتور إيلي الهندي ومستشار العلاقات الخارجية إيلي الخوري والنائب بيار أبو عاصي ولم تكن من مبادرة معينة يحملها هيل. فالأميركيون وبحسب قراءة أوساط متابعة لزيارة هيل لمعراب ليست لديهم قدرة التغيير الداخلي وهم يكررون الدعوات الى اصلاحات ويضغطون في اتجاهها لكن لا يمكنهم أن يقوموا بتشكيل الحكومة.
ردد هيل في اجتماعه مع الدكتور جعجع اللازمة الاميركية المعروفة بأن لبنان لن يحصل على أي تمويل بلا اصلاحات هيكلية. وبالتالي فإن تحقق الاصلاحات متروك للديناميّات الداخليّة.
بحسب مصادر قواتية فإن جعجع تحدث عن رؤية القوات التي تشمل حكومة حيادية وعمل جدي للاصلاحات ودعوة لانتخابات نيابية مبكرة، علما بأن هيل لم يقدم رأيه حول هذه الرؤية القواتية.
لكنه قال بتعبيره –بحسب ما نقلت عنه المصادر القواتية-:” من الصعب رؤية كيف يمكن لهذا النوع ذاته من الحكومات أن يعطي نتائج مختلفة”.
وهذا يعني أن حكومات تشبه حكومة سعد الحريري السابقة أو حكومة حسان دياب لن تأتيا بنتائج مختلفة بحسب التفسير القواتي. عبّر الدكتور سمير جعجع بشكل واضح عن وجهة نظر القوات اللبنانية التي لا ترى أي حل في لبنان بلا السير بحكومة حيادية مستقلة تبدأ بالعمل الفوري على الاصلاحات والتهيئة للانتخابات النيابية.
إن تركيز هيل كان عمليا في زيارته على الشق الانساني، وهذا ما لمسته أكثر من شخصية التقته، ولم يحمل أية مبادرة سياسية حتى بموضوع الحدود الجنوبية فهو لم يتطرق الى هذا الموضوع في معراب. وهذا ما يؤكد أن زيارته تحدد موعدها عقب انفجار المرفأ. وموضوع الحدود البحرية متروك لشينكر حيث ثمة طرح جديد على ما يبدو لكن ليس من نتيجة ملموسة بعد حياله.
ماكرون: ارتباك فرنسي واضح
وإذا كان الأميركيون اعتكفوا عن تقديم أي طرح جديد في زيارة هيل، فإن الزيارة معطوفة على زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والتنسيق الجاري بين البلدين حيال لبنان يدفع أكثر من شخصية لبنانية الى التساؤل عما يريدوه الفرنسيون. تقول شخصية مسيحية وازنة وعلى تواصل دائم مع المناخ الفرنسي بأنه يبدو أن الفرنسيين في حالة من الارتباك حيال وجود أكثر من جناح في الدبلوماسية الفرنسية،فثمة جناح يعتبر بأن مصلحة الفرنسيين هي بأن يكونوا منفتحين على “حزب الله”، وإيران وعليهم استثمار هذا الأمر حتى النهاية ليتمكنوا من لعب دور في المنطقة، وجناح أكثر ميلا للدول العربية ويرى بأن استقرار لبنان هو الأهم وللاصلاحات أولوية قصوى حتى لو عرّض هذا الأمر العلاقة الفرنسية الى بعض الاهتزاز مع “حزب الله”. ولعل ماكرون مرتبك بين هاتين الرؤيتين لمستشاره إيمانويل بون (ضد ايران ومع المجتمع المدني والاصلاحات) والسيفر السابق في لبنان برنار إيمييه (الاكثر اعتدالا تجاه حزب الله وايران) وهما يلعبان دورا رئيسيا في الدبلوماسية الفرنسية بين الإيليزيه والكيه دوسيه.
هذا الارتباك تظهّر بشكل واضح بين اجتماع ماكرون مع رؤساء الكتل السياسية طالبا منها الاتفاق، ثم اجتماعه مع المجتمع المدني وحديثه عن تغيير النظام، ما أثار تساؤلات عدة، وقال مصدر مطلع بأنه ” في الاجتماع مع رؤساء الكتل النيابية لم يطرح الرئيس ماكرون أية مبادرة جدّية ومكتملة العناصر بل اكتفى بالأفكار العامة”. ولعل تغريدة ماكرون منذ يومين حول الصراع في المتوسط وليبيا وضم لبنان اليه أظهر بأن الرئيس الفرنسي يأخذ من لبنان ورقة تفاوض لكن باريس لا تمتلك اية رؤية واضحة للحل. وتشير شخصية مسيحية حزبية الى أن “الأميركيين من جهتهم لا يهتمون لما ستؤول اليه الاحوال في الداخل اللبناني بل عينهم على اتمام صفقة القرن و”سحب” الدول العربية الواحدة تلو الأخرى نحو السلام وتهدئة الحدود الجنوبية حفاظا على أمن اسرائيل”.