![السفير زاسبيكين: اتجاه لبنان شرقا لا يلغي وجهته الغربية](https://i0.wp.com/masdardiplomacy.com/wp-content/uploads/2020/08/Zaspikin-Main-2.jpg?fit=640%2C621&ssl=1)
السفير زاسبيكين: اتجاه لبنان شرقا لا يلغي وجهته الغربية
“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة
*ملاحظة من المحرر:
كان يفترض أن تكون هذه المقابلة مع السفير الروسي ألكسندر زاسبيكين وداعية لكن الظروف التي أدت الى إغلاق مطار موسكو بسبب وباء كورونا شاءت أن تؤخر مغادرته لبنان، ثمّ عصف انفجار المرفأ في بيروت وأبقى السفير زاسبيكين بعض الوقت ايضا في ديارنا وذلك بعد اجراء هذه المقابلة بقرابة الأسبوع، إقتضى توضيح ذلك للقارئ
تعب السفير الروسي الكسندر زاسبيكين من الخدمة الديبلوماسية التي استمرت منذ العام 1972. حزم حقائبه بعد 10 اعوام سفيرا في لبنان، واخذ يستعد للعودة الى موسكو. من الطرافة ان تبدأ حياتك الديبلوماسية في سوريا ثم تعيّن سفيرا في لبنان في مرحلة صراع دولي يدور في سوريا. هذه حال السفير زاسبيكين الذي اتى الى لبنان منذ تشرين الاول 2010 وبقي لغاية اليوم.
هو ديبلوماسي فوق
![](https://i0.wp.com/bn4.386.myftpupload.com/wp-content/uploads/2020/08/Zaspikin-Main-.jpg?resize=640%2C615)
العادة، مستشرق، خريج معهد العلاقات الدولية التابع لوزارة الخارجية الروسية، كما معظم الديبلوماسيين الروس من ابناء جيله الذين يخدمون في العالم العربي. بدأ زاسبيكين عمله الديبلوماسي في العام 1972 وخدم في سوريا، وزار لبنان مرارا وتعرف اليه منذ مطلع سبعينات القرن الفائت. “اعرف لبنان منذ 48 عاما” يقول لـ”الامن العام”.
اهتم دوما بملفات الشرق الاوسط وافريقيا الشمالية، وتسلم ملفات عدة منها عملية السلام والعلاقات مع دول الخليج وسوريا ولبنان وفلسطين، وخدم سفيرا في اليمن وكان اول قائم بالاعمال في المملكة العربية السعودية.
اضطلع زاسبيكين بمهمات طويلة الامد في سوريا في سبعينات وثمانينات وتسعينات القرن الفائت، وحتى عندما عمل في موسكو لم يكن بعيدا من العلاقات مع سوريا. لذا نسج صداقات كثيرة، ومن سوريا واكب مراحل عدة من التاريخ المعاصر لجهة العلاقات مع الاتحاد السوفياتي من جهة وسوريا من جهة ثانية. “كانت علاقات جيدة دوما” كما يصفها زاسبيكين. حصل تعاون في مجالات عدة وبشكل خاص اقتصاديا، اذ تم البناء بمساعدة الاتحاد السوفياتي لمشاريع كبرى مثل سد الفرات والسكك الحديدية واستصلاح الاراضي في سوريا.
يتمم السفير زاسبيكين حاليا الاجراءات البروتوكولية من اجل مغادرة لبنان بعد خدمة استمرت 10 اعوام. اعاق توقف الرحلات بسبب وباء كورونا عودته في بداية الصيف. وهو يتقاعد من المهمات الديبلوماسية لكنه يعد بزيارة لبنان حيث لديه الكثير من الاصدقاء.
السفير الذي سيخلف زاسبيكين هو الكسندر روداكوف الذي يصغره بـ10 اعوام (زاسبيكين من مواليد عام 1951). كان آخر منصب له كمندوب روسيا لدى السلطة الفلسطينية. يعرف الشرق الاوسط جيدا. “اشتغلنا سويا في سوريا”، يقول زاسبيكين. روداكوف سيصل الى بيروت فور مغادرة زاسبيكين الاراضي اللبنانية.
* سعادة السفير، ما هي انطباعاتك عن لبنان الذي تعرفه منذ 48 عاما؟
– صحيح، انا جئت في العام 1972 الى سوريا وعملت هناك اعواما عدة. كنت في المناصب الاولى في الخدمة الديبلوماسية ولا اتجاوز الـ21 من العمر، وكنت في الوقت عينه اقوم بزيارات دائمة الى لبنان، سواء كل اسبوع او كل اسبوعين. كنا ننتقل من دمشق الى الزبداني والى شتورة وزحلة وبيروت. عشت هذه المرحلة قبل الحرب الاهلية، وحين بدأت الحوادث اللبنانية كنت في حلب، وكنت اتابع الاخبار اللبنانية من هناك. في الفترات اللاحقة التي عملت فيها في سوريا، سواء في الثمانينات او التسعينات او في وزارة الخارجية في موسكو، عملت في القسم السوري – اللبناني، لذلك كنت اتابع من هناك وكنت ازور البلد مرارا، وحين تم تعييني سفيرا في العام 2010 كنت مؤهلا بشكل كامل حتى بمعرفة الشخصيات اللبنانية والاوضاع والمشاكل، خصوصا وانني عملت طويلا في ملف تسوية النزاع العربي الاسرائيلي، ما اتاح لي معرفة التفاصيل كلها ما بين اسرائيل والاطراف العرب، وخصوصا سوريا وفلسطين والفلسطينيين واللبنانيين. تم تعييني في لبنان في تشرين الاول 2010 حيث شهدت زيارة رئيس الوزراء سعد الحريري لموسكو. بعد هذا العام، حدثت سيناريوهات متغيرة كثيرة سواء في لبنان او في المنطقة ككل. منذ ذلك الحين كنا نعيش في خضم الحوادث المتلاحقة، وهذا ما تطلب منا مقاربة اخرى وتركيزا على معالجة تداعيات النزاعات في المنطقة.
* اندلعت الحرب في سوريا وانت في لبنان في العام 2011، كيف اثرت حرب سوريا على لبنان وما كان دورك؟
– منذ بداية الحرب تم تحديد الموقف الروسي مما يحدث. فمن جانب نحن كنا نؤيد الاصلاحات المطلوبة والمطالب الشعبية في هذا المجال، ومن جانب آخر كنا نخشى محاولات الاستخدام لهذه الحالة من الاطراف الاجانب لاهداف واجندات اخرى وبغية التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا. ما حصل في ليبيا اظهر ان الاطراف الغربيين مستعدون ويسعون الى تدخل، وهنالك قرار في هذا التدخل، وصولا الى العدوان العسكري المباشر ضد دولة ذات سيادة. لذلك، وقفنا في سوريا بحزم ضد هذه التدخلات كلها في مواجهة تنظيم الهجوم الارهابي، وهذا تطلب منا الوقوف بشكل حاسم اولا سياسيا في مجلس الامن، وثانيا من خلال تطوير التعاون العسكري مع سوريا، وصولا الى المشاركة الروسية المباشرة في العام 2015. كنا نتابع هذه التطورات كلها من لبنان، وانا كسفير لروسيا كنت اوضح النهج الروسي في ما يخص سوريا آخذا في الاعتبار اهمية ما يحدث، واهمية اقناع الناس بعدالة النهج الروسي. بالطبع كنا نتحدث في الموضوع يوميا خلال اعوام، فما حدث كان يتطلب توضيح ما هي الجهود السياسية المبذولة من اجل التسوية ومن اجل الحوار الوطني، وبغية تطبيع العلاقات بين الناس في سوريا، وما بين الاطراف الخارجيين بدءا من بيان جنيف وصولا الى قرار مجلس الامن 2254، وترتيب محاولات التوافق مع الاميركيين، والفشل بسبب الموقف الاميركي، والانتقال الى التعاون في الاطار الثلاثي مع تركيا وايران في ما يعرف بمسار استانة، وتحرير الاراضي السورية واستعادة السيادة السورية في الربوع كلها، لكن يبقى الوجود الاميركي في شرق الفرات والمشاكل المستمرة.
* ما هو هدف روسيا اليوم في سوريا؟
– لدينا اهداف عدة، اولا استعادة وحدة الاراضي السورية بالكامل ويجب ان تكون تحت سيادة السلطة المركزية، هذا امر اساسي لأن تفكك البلد هو اسوأ امر ممكن ان يحصل. الامر الثاني يتعلق بمكافحة الارهاب، فعلى الرغم اننا اننا استطعنا ان ننتصر على الارهاب في الاماكن العديدة، لكن هذه المهمة لم تستكمل نهائيا بعد. فالارهابيون موجودون في منطقة ادلب وفي بعض المناطق الاخرى، لذلك لا يجوز اهمال هذه المهمة ويجب استكمالها. الامر الثالث يتعلق بتحسين الاوضاع الانسانية. نحن نحاول معالجة الاوضاع الانسانية والشعب يجب ان يعيش في الاحوال كلها، لذلك نقدم المساعدات من جانبنا. بالطبع هنالك مشكلة في تقديم المساعدات من خلال الامم المتحدة، وثمة جدل في ما بيننا مع الغرب في هذا الخصوص، فنحن لا نريد ان يكون تقديم هذه المساعدات من دون تنسيق مع السلطات الرسمية، لأن ذلك يشكل انتهاكا للقانون الانساني. كما اننا نريد التركيز اكثر على المساعدات من الداخل لانه تم تحرير اراض واسعة. على اية حال، هذا الجانب موجود. الامر الرابع يتعلق بالاسراع في الاعمار في سوريا. نحن نعتمد على قدراتنا وعلى قدرات بعض الدول الاخرى القادرة على تقديم المساعدات في هذا المجال. لكن ويا للاسف فان الاوروبيين والخليجيين القادرين على المشاركة في هذه العملية لا يزالون يرفضون لغاية الان التعامل مع السلطات الرسمية السورية.
* ما هو هدف الاميركيين في سوريا من وجهة نظر روسيا؟
![مع السفير الروسي الكسندر زاسبيكين](https://i0.wp.com/bn4.386.myftpupload.com/wp-content/uploads/2020/08/Marlene-Ambassador-Alexander-Zaspikin-1.jpg?resize=573%2C640)
– منذ البداية كان الهدف اسقاط الرئيس السوري. بعد فشلهم في تحقيق ذلك، بدلوا حديثهم نحو تغيير النهج السياسي، وكلما تطورت الامور تبرز مطالب جديدة. لكن اصلا كان اسقاط النظام هو الهدف، وبعد ان فشلوا تراجعوا الى اسقاط النظام السياسي، علما ان المعنى هو ذاته لأن الرئيس او النظام لن يغير النهج المبدئي وهذا واضح. لذلك فان هدف اسقاط النظام موجود، وكان سابقا عبر سلاح المجموعات الارهابية والان عبر تجويع الشعب. اما المطالب الاميركية الاخرى، فظهرت بعد تطور الاوضاع، وجاء مطلب انسحاب حلفاء سوريا مثل ايران وحزب الله، متناسين انهم هم من تسببوا بمجيء هؤلاء الاطراف.
* لكن وفق دراسات عدة صدرت اخيرا هناك مشاكل استراتيجية بين روسيا وايران، اذ يقال ان موسكو تعتبر ان الوجود الايراني يضعف السلطة المركزية للدولة السورية، هل هذا صحيح؟
– تقييم الدور الايراني يعود الى السلطات السورية وليس الينا. ليس من شأن روسيا ان تقيّم الايجابيات او غيرها. يوجد بيننا تحالف ولا نريد ان يكون ضعيفا. نحن كروس وايرانيين و”حزب الله” وجيش سوري نقف ضد الارهاب، هل يعقل ان نؤيد خروج احد الاطراف من هذا التحالف لنصبح في وضع ضعيف؟ لا اتصور ذلك. عندما نتخلص من الارهابيين يصبح موضوع القوات الاجنبية مطروحا امام السلطات السورية وهي من يقرر وليس نحن. نحن موجودون هنالك وفقا للاتفاق مع السلطات السورية وليس لدينا دور في ما يخص الوجود الايراني. الوجود الايراني شرعي وجاء بعد نيل موافقة السلطات السورية. لكن ثمة اطرافا موجودين في سوريا بصورة غير شرعية. فلِمَ يحاول البعض القاء وزر مناقشة الوجود الايراني علينا وهو وجود شرعي، واهمال الوجود الاميركي وهو غير شرعي؟
* ماذا عن العلاقة مع تركيا وهي جزء من الحلف الروسي والايراني الضامن لمسار استانة؟ وهل من تعقيدات روسية – تركية؟
– نحن نتعامل مع تركيا في اطار مسار استانة وهو لا يزال موجودا لغاية اليوم، وكل ما نقوم به في هذا الاطار صحيح بالنسبة الينا. تم الاتفاق مع الاتراك حول الدوريات وهي سارية المفعول، واتفقنا على تطبيع الامور ونحن نتعاون في هذا الهدف. للسوريين تقييمهم للوجود التركي وهو في نظرهم غير شرعي، لكن لكل طرف دور معين، فنحن نعمل في اطار استانة، اما السوري فلديه موضوع السيادة وهو من يتخذ القرار حوله وهو من يحدد ما هو مع السيادة وما هو ضدها.
![](https://i0.wp.com/bn4.386.myftpupload.com/wp-content/uploads/2020/08/Zaspikin-Main-3.jpg?resize=640%2C480)
* بالنسبة الى لبنان سبق وحذرت قبل اندلاع الحراك الشعبي في 17 تشرين الاول 2019، من مخطط اميركي يسعى الى انهيار لبنان وقد وقع هذا الانهيار. فما هي المخارج المتاحة امام لبنان لكي يخرج من هذا المأزق؟
– نعم، ان ما تحدثت عنه يتحقق. تكمن الفكرة الاساسية في ان الاميركيين يتخذون من العقوبات التي تمس الشعب اللبناني والدولة اللبنانية شعارا تحت ذرائع منها “حزب الله”، لكنها عمليا عقوبات تمس اللبنانيين. الامر الاخر، فقد كانت للحراك الشعبي اهداف واضحة تماما من اصلاحات ومكافحة الفساد، وهذه الامور اساسية، فيما يحاول الاميركي اعطاء معنى آخر لهذه المطالب. فهو يقول ان الاصلاح هو في نزع سلاح “حزب الله”، واذا كان المطروح محاربة الفساد فانهم يرمون التهمة على ايران و”حزب الله”، وقد بات واضحا للجميع ان في ذلك تشويها لما يحدث، وهذا هو جوهر تصريحات وتصرفات الاميركيين الذين يقولون ان قانون قيصر يشمل لبنان مع احتمال تطوير العقوبات للمرحلة المقبلة، والحديث طويل وعريض حول التوسع الايراني الى ما هنالك. هذا ما يوجب الملاحظة بأن الاميركيين هم من بدأوا الضغوط وفرض الاملاءات على الصعيد اللبناني، وليس ايران لأن طرح موضوع الاتجاه شرقا حصل بعد اتخاذ العقوبات. لذلك، من الخطأ القول ان الاتجاه شرقا كان مطروحا كبديل، كان امرا متوازنا لاعطاء جرعة اوكسيجين للبنان عندما يحاولون خنقه. الامر الثاني ان اجابة السيد حسن (الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله) واضحة بأن التجويع لن يمر، ووجدنا بعد ذلك انه حصل تراجع تكتيكي اميركي، لكنه يؤكد انه عبر الصمود تحقق البلد الاهداف وهذا افضل من ارضائها الطرف المهاجم.
* لكن الامين العام لـ”حزب الله” لم يكن ضد الغرب بخطابه بل بالعكس فتح الباب امام الاميركيين للاستثمار في لبنان؟
– صحيح، كما قال السيد حسن، وانا اقول ايضا ان الاتجاه شرقا لا يلغي الاتجاه الغربي. اتسمت المرحلة السابقة بحديث متوازن، ومن رفض التعاون هو الاميركي وكذلك رفض الخليج تقديم المساعدات الى لبنان، وتوقف مؤتمر سيدر بسبب مطالب الاصلاحات. لذلك كان قرار بتطوير العلاقات مع الجهات الشرقية. وكانت مواقف واضحة لرئيس الجمهورية ميشال عون ولرئيس الحكومة حسان دياب وللسيد حسن نصر الله، وقد اتسمت بالاتزان للصمود في وجه الضغوط والاملاءات ومحاولات التجويع.
* كيف تستشرف مستقبل لبنان بعد هذه المرحلة الصعبة التي يمر فيها؟
– امامنا مرحلة صعبة في كل العالم وفي لبنان بالتحديد، هنالك افكار اساسية يجب تطبيقها. لست خبيرا في المجال المالي، لكن من الممكن ترتيب الامور بشكل افضل، في ما يتعلق مثلا بلعبة المافيات حول سعر العملة الخ… يجب تثبيت الامور بشكل افضل في هذا المجال. لكن الاهم من ذلك، وهنا اشير الى تجربة روسيا، انه يجب تطوير الانتاج. من دون ذلك من المستحيل تحسين الوضع في البلد، لان فكرة الاقتصاد الريعي هي فكرة تتحقق في ظروف معينة ولفترة معينة. لكن كاستراتيجيا طويلة الامد سيأتي وقت وتتغير الظروف وتتأتى ظروف سياسية مغايرة، كذلك ما فرضه فيروس كورونا من وقائع جديدة من بينها ضرورة اعتماد البلد على القدرات الذاتية بشكل اكبر من السابق.
*نشرت هذه المقابلة في العدد 83 من مجلة الأمن العام الصادر في آب الجاري.