“مصدر دبلوماسي”
كتبت سنا معلوف:
في عزّ الأزمة الإقتصادية الخانقة وجائحة كورونا دوى تَفجير مرفأ بيروت: “أم الشرائع”! يوم الثلاثاء 4 آب 2020 عند الساعة 6 مَساءً لنَشر اليأس وروح الإستسلام في شَعب يوصف بـ “طائر الفينيق” المُتألم و المُعاني من فَساد الدّولة العَميقَة.
في ثاني أكبر إنفجار في العالم بعد انفجار هيروشيما منذ 75 عاما، فُجّرَت 2750 طناً من مادّة نترات الأمونيوم في ميناء بَيروت مُوقعة أكثر من 200 قتيل وعشرات المفقودين وما يزيد عن الـ 5000 جريح. وصل عصف التفجير وامتدّت آثاره لقطر 20 كلم، أدّى لإقتلاع نوافذ مطار رفيق الحريري الدولي على بُعد 9 كيلومترات وأكثر من 5 أميال، وبحسب الخُبراء فلولا البحر الذي سحب نصف ضغط الإنفجار لكانت مُسحت بيروت عن الوجود.
دبَّ الذّعر و إهتزّت الأرض على بُعد 240 كلم، حتىّ سُكان قُبرص واليونان شعروا بالتفجير حسبما ذكر المَركز الأوروبي المتوسطي لرَصد الزلازل. ثلاث إنفجارات مُتتالية، كلٌ منها بلون دُخان مُختلف كفيلم رُعب: من البَنفسجيّ الى الأحمر والبرتقالي و الأسود وبريق دُخان أبيض هائل الحَجم شكّل سُحابة اتّخذت شكل الفطرـ ثم إنهمرت حُبيبات سوداء وإندلعت النيران، تطايرت السيّارات، سالت دماء المُصابين المذهولين، تعالت صرخات الألم والأنين و نداءات الإستغاثة، حتى الأشجار إقتُلعت من مَكانها تَصدّعت و تَهاوت الأبنية و تناثر رُكامها على سُكانها والمارّة، إندلعت الحَرائق، بدأت الناس تركض من الهلع، إختفى المَرفأ عن الوجود، ذابت آليات، كأن الشّمس غابَت تزامناً مع الإنقطاع الدائم للكهرباء و الأفق بقي بلون النّار المُلتهمة لما تبقىّ.
نساءٌ تبْحَثن عن أولادهنّ، رجالٌ فَقدوا عائلاتهم. أقفلت الطّرق بسبب الحُطام فاكتظّ السّير على بُعد مئات الأمتار، جَرحى مُمدّدين على جهتي الطّرقات مُكدّسين فَوق بَعضهم البعض بشكل سبّب تعذّر المرور.
3 مستشفيات تَصدّعت و أصيب طاقمها التَمريضي وبعضه لقي حَتفه فَتوقّفت عن العَمل. و تَهافَت المُصابون بالآلاف على ما تبقى من المُستشفيات العاملة بربع قُدرتها بسبب الأزمة الإقتصاديّة وكورونا، فصارت تُعالج الجَرحى في العَراء لانعدام قُدرتها الإستيعابيّة. ظلّ المصابون يتوافَدون طيلة الليل جَماعات… وأجسادهم مُضرّجة بالدّماء و الحروق تَنقلهم سَيارّات الإسعاف أو الدرّاجات الناريّة عبر الشوارع المَفروشة بالزُجاج و الرّكام، تَشرّدت 300.000 عائلة و أصبحت بلا مَأوى، هَبّ السّكان و الدّفاع المدنيّ و الصَيدليّات يُسعفونَ المُصابين بما توفّر حتىّ نَفذت الضمّادات و أدوية التعقيم. لم يسلم لا منزل و لا مبنى، لا فرد ولا مؤسسة من الانفجار كلٌ نالَ نصيبه مصارف وفنادق ودور عبادة وحتى المدافن.
بَيروت من تحت الرّكام تُريد أن تَعرف مَن دَمّرها
أبرز المَناطق المُتضرّرة: المَرفأ، الأشرفيّة، الصّيفي، المدوّر، القنطاري، عين المريسة، الجمّيزة، الرميل، ساسين، مار مخايل، الكرنتينا، جسر شارل الحلو، المصيطبة، البَسطة، الخَندق الغميق، الباشورة، المَزرعة، طَريق الجديدة، راس النبع، الرّوشة، راس بَيروت، الدَوره، بُرج حمود، الجديدة، الزلقا، جلْ الدّيب، النقاش، وصولاً الى ضبيّه و جونية.
و فقد فَوجُ إطفاء بَيروت 10 عَناصر كانوا قد وَصلوا إلى المَرفأ على مَتن آليّتين قَبل دَقائق من الإنفجار الثّاني المُدمّر فإختفى عَلى أثره الفَريق والآليتان. وصَباح الأربعاء، عَثر فَوجُ الإطفاء على جُثّة عنصر فتاة تَحت الرّدم ، إحدى أعضاء الفريق المَفقود. وفي وَقت لاحق، أمكن التعرّف على 4 قطع من إحدى الآليتين. ولا تَزال أعمال البحث مُستمرّة عن العناصر التّسعة الآخرين وغَيرهم.
ردّة فعل قانونية على العمل
بانتظار انتهاء التحقيقات وبعد توقيفات طاولت مديري عام الجمارك الحالي والسابق بدري ضاهر وشفيق مرعي، ومدير المرفأ وعدد من كبار الموظفين فيه بلغ عددهم الـ16 إنهالت الدّعاوى القضائيّة ضدْ مجهول أي المُرتكب الذي اغتال البَشر و هَدم الحَجر مُلقيا مَاء النّار على بَيروت ليَتحاسب و يُعوّض عَن العطل والضّرر على المَساكين و الفُقَراء أمام المَحاكم المَحليّة وكافة المَحاكم ذات الصّلة الذي تَسبّب بهذه الكارثة النّكبة الإنسانيّة البَشريّة والماديّة الغير مَسبوقة.
فَصُور الأقمار الصّناعيّة والكاميرات و الهواتف الذكيّة و شُهود العيان كُلها تُظهر أدلّة إثباتات مُوثّقة للجريمة المُروّعة لكن المؤسف هو غياب هيئة وقاية من المخاطر و إدارة أزمات الكوارث في لبنان تَقوم بالتحوّط لكافة السيناريوهات كما في البُلدان المُتقدّمة.
اتفاقية تمييز المتفجرات
منَ الصّكوك الدَوليّة التي لا تحصى و لا تعد لمُكافحة الإرهاب إتفاقية 1991 لتمييز المُتفجّرات (أي حزمها بطريقة واضحة تظهر مدى خطورتها بلا أي اخفاء) بغَرض كشفها، تَنص على التَمييز الكيمائي لتَيسير كَشف المُتفجّرات. وضعت الاتفاقية لمُراقبة إستخدام الاطراف لهذا النوع من المُتفجّرات مُلزمة اياهم بكَفالة مُراقبتها ومَنع دُخولها الى إقليمها و مُمارسة مراقبة صارمَة و فعّالة على حيازَتها و إستيرادها ونَقلها وتخزينها؛ كافلة التخلّص من كامل المَخزون من المُتفجرات غير المميزة وإبطال مَفعولها وعدم تنزيل حمولة البواخر التي تنقلها بل إعادتها الى بلد المصدر. وكما ينص قانون البحار والنقل الدولي وخصوصا قانون الجمارك اللبنانيّة الذي يُحرّم إستقدام هذه المواد و تخزينها.
في الخاتمة، ونظرا لفداحة الاهمال و التواطؤ والفساد في هذه القضية الخطرة أسئلة عديدة تطرح أبرزها هل ستعوّض شركات التأمين؟ ما هي التدابير التي ستتخذ و تطبق فعلياً لحماية الأرواح البشرية و الانشاآت في لبنان؟ كيف سيساهم المجتمع الدولي في فرض الشفافية
ووقف اخفاء الحقيقة عن اللبنانيين و ابعاد الارهاب و الترهيب عنهم و حماية أمننا القومي؟ ألا يكفينا معاناة منذ نشأة هذا الوطن؟.
*أكاديمية وباحثة لبنانية