“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة
يبدو بأن المناخ الذي ظهّره الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام شخصيات أكاديمية واقتصادية واجتماعية ومسؤولين من المجتمع المدني بالإضافة الى أطباء (من مستشفى أوتيل ديو زاره وفد منهم للمطالبة بمساعدة المستشفى بالمعدات الطبية) وممثلين عن جمعية فرسان مالطا، ورئيس جامعة القديس يوسف، وعدد من الصحافيين الفرنكوفونيين (لوريان لو جور) هو أنه لا يرغب بالتوغّل في الشؤون اللبنانية الداخلية بشكل مباشر. لكن ما استنتجه عدد من هؤلاء أنه ومن دون أن ينطق بالكلمات بشكل مباشر فقد لمسوا تشجيعا ضمنيا على أن يكملوا بثورتهم ضد نظام سياسي بائد، وتقوية عزيمتهم ومؤازرة بعضهم البعض وتنظيم صفوفهم استعدادا للمشاركة في استحقاقات قادمة لعل ابرزها الانتخابات النيابية.
أما هؤلاء الذين استضافتهم طاولات مستديرة مختلفة في قصر الصنوبر فكرروا مطالبات معروفة: تشكيل حكومة مستقلة عن الطبقة السياسية لديها صلاحيات تشريعية استثنائية لمدة عام ونصف العام، وطالبوا بدعم فرنسا لحرية الصحافة والتعبير التي تعرضت في الآونة الأخيرة الى انتكاسات كبرى، ونال موضوع تراجع الحريات حيّزا كبيرا من النقاش مع الرئيس الفرنسي وكانت مداخلة معمقة وشاملة في هذا الموضوع لنقيب المحامين ملحم خلف، وكان الرئيس ماكرون مصغيا بإهتمام استثنائي، وبدا مندهشا في بعض الأحيان من بعض الممارسات التي تعرض لها ناشطون واعلاميون.
تطرق بعض الحاضرين الى مواضيع ثقافية وتربوية وصحية وعرضوا للصعوبات التي يعانيها القطاعان التربوي والصحي. وتشكل هؤلاء من عدة مجموعات وجال ماكرون على طاولاتهم.
وقد تحدث موقع “مصدر دبلوماسي” الى مختلف المجموعات ويبدو بأن الجميع لم يفهموا بوضوح الرسائل السياسية التي وجهها ماكرون أو أنهم أصيبوا بالذهول بعد ما تسرب من لقائه رؤساء الكتل السياسية، وما أعقبه من مؤتمر صحافي تظهّر فيه بأنه دعا الى حكومة وحدة وطنية، وهو امر ترفضه هذه المجموعات القريبة بمجملها من ثورة 17 تشرين.
ولعلّ الدليل الأبرز على ذلك، أن الكتلة الوطنية التي كانت ممثلة بأمينها العام بيار عيسى أصدرت اليوم بيانا ورزعته على وسائل الاعلام قالت فيه بأنه في ما يتعلق بحكومة الوفاق الوطني التي تحدث عنها الرئيس ماكرون “فإن الكتلة الوطنية تعتبر بأن هذا النوع من الحكومات التي جربناها في لبنان أكثر من مرة، أثبت عقمه وفشله وتعزيزه لمنطق المحاصصة الذي أوصلنا الى دولة فاشلة وتكرار التجربة سوف يمدد الأزمة ولن نجرّب المجرّب”. وأضاف بيان الكتلة الوطنية:” من هنا تؤكد الكتلة أن لا بداية لخلاص إلا من خلال حكومة سيادية مستقلة مع صلاحيات موسعة تلك الحكومة ستكون كفيلة بوضع لبنان على سكة تحريره من احتلال داخلي لسلطة مرتهنة للخارج”.
وبالتالي، شكل كلام ماكرون مع الطبقة السياسية تناقضا كبيرا عمّا تفوه به أمام أعضاء المجتمع المدني، فقد اوحى ماكرون أمام ممثلي المجتمع المدني والقوى المستقلة بأنه يتفهّم مطالبهم بشكل عميق بالرغم من تكراره أنه يتعذر عليه التدخل مباشرة.
وذهب ماكرون بعيدا بأن تعاطف مع هؤلاء قائلا لهم أنه يتفهم موقفهم بشكل كبير لأنه وصل الى السلطة من المجتمع المدني عبر حركة ” الى الأمام”، وهو جاء من خارج النظام التقليدي، وشجع على المعارضة البناءة واكمال الطريق وهي ستكون طويلة . لذلك كان مستغربا جدا ان يتفوه بما تفوه به في المؤتمر الصحافي من الكلام عن حكومة وحدة وطنية.
لم يتطرق ماكرون مع المجتمع المدني الى موضوع حياد لبنان ولا الى المؤتمر الدولي العتيد.
بالنسبة الى الثورة كان متفهما الغضب اللبناني والثورة ضد الفساد وصرح بأن لا مال سيذهب الى الطبقة السياسية الفاسدة، وشدد على بدء معيار مشروطية المساعدات، وهي تحولت الى مبدا أساسي منذ الآن ومستقبلا ، فلم تعد توجد أية امكانية لصرف أموال للخزينة كما حصل في مؤتمرات باريس السابقة، حيث يعطون هذه الطبقة طوق نجاة كل فترة. في زيارته الحالية لم يحصل أي دفع معنوي للسلطة الحالية بحسب أكثر من شخصية مشاركة إذ ظهر التناقض جليا بين استقبال الشارع اللبناني له وبين رفضه لاستقبال او لتعاطف أي مسؤول لبناني. بالمحصلة شجع ماكرون المجتمع المدني على اكمال طريق النضال والمشاركة في الانتخابات المقبلة وتنظيم ذاته وتشكيل جبهة موحّدة. وقال أن الأهم أن يمتلك هؤلاء رؤية طويلة الأمد لمستقبل لبنان، والأهم القدرة على طرح مبادرات متجددة، وركز كثيرا على مشروطية المساعدات والحريات العامة. أما الرسالة الأساسية في السياسة فهي: لا تيأسوا، أكملوا النضال المعركة طويلة وفرنسا الى جانبكم بالرغم من عدم قدرتها على التدخل المباشر.