“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
بسرعة قياسية أرادت حكومة حسان دياب طيّ صفحة استقالة وزير الخارجية والمغتربين ناصيف حتي ومعها رئاسة الجمهورية وكل القوى الحزبية التي تدعمها. في غضون 6 ساعات فحسب وقّع رئيسا الجمهورية والحكومة ميشال عون وحسان دياب قبول استقالة الوزير حتي ليعّينا فورا السفير شربل وهبة وزيرا للخارجية والمغتربين، وتمّ توزيع سيرته الذاتية من القصر الجمهوري بسرعة قياسية بعد نصف ساعة على قبول الاستقالة والتعيين في رسالة واضحة بأن الشغور الوزاري ممنوع.
خلطت استقالة وزير الخارجية والمغتربين ناصيف حتي التي قدّمها قبل ظهر اليوم الاثنين لرئيس الحكومة حسان دياب الكثير من الاوراق، وهزّت الحكومة والعهد في الصميم نظرا لفجائيتها ولوقعها الثقيل قبيل استحقاقات حاسمة أبرزها نطق المحكمة الدولية من أجل لبنان بالحكم في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في العام 2005 بعد 4 أيام من اليوم في 7 آب، ومن المعروف بأن تنفيذ هذا الحكم يمرّ بالأروقة الدبلوماسية لوزارة الخارجية والمغتربين المعنية بتطبيقه قبل انتقاله الى التطبيق الأمني في حال وجود أشخاص مطلوب توقيفهم.
الى ذلك فإن الوزارة هي شريك فعلي في المفاوضات التي تجري مع صندوق النقد الدولي ولديها دبلوماسية مستشارة تتابع اعمال الوفد والمفاوضات الجارية واي غياب لرأس الهرم الدبلوماسي سيؤثر على دورها. بالإضافة الى أن التجديد السنوي لقوات اليونيفيل العاملة في جنوب لبنان سيكون استحقاقا استثنائيا في نهاية هذا الشهر، مع ضغوط اميركية متزايدة لتوطيد صلاحيات حفظة السلام وتوسيع مهامهم ما يتطلب معركة دبلوماسية تتطلب تجنيد كل الطاقات المتوافرة في الوزارة.
من هذا المنطلق كان الاسراع بتعيين وزير اصيل، لكن استقالة الوزير حتي لا تزال تثير تساؤلات في البيئة الدبلوماسية العاملة في لبنان.
يبدأ التساؤل عما إذا كان من إيعاز فرنسي بالاستقالة ردا على موقف رئيس الحكومة حسان دياب المنتقد لوزير الخارجية الفرنسي جان-ايف لودريان ابان زيارته الاخيرة الى لبنان، تشير القراءات الدبلوماسية العليمة الى أن لا احد يمكنه تقديم اجابة دقيقة على هذا السؤال، لكن ينبغي الاشارة الى ان حتي كانت له خلوة ربع ساعة مع لودريان قبل الاجتماع الموسع في قصر بسترس، وقد يكون اسرّ له بما يدور في خلده عن بطء العمل الحكومي والنقاشات السطحية غير الاستراتيجية ومستويات متفاوتة جدا بين الوزراء وعرقلة الاصلاحات، فنصحه لودريان بالاستقالة، لكن ليس من دليل ملموس على ذلك.
وعن مصلحة فرنسا في خلخلة حكومة دياب، تشير القراءات الدبلوماسية بأنه إذا ثبتت هذه القراءة تكون فرنسا تجمّع أوراق قوة لديها في المنطقة وقد بات لبنان معقلا اخيرا لها، وتكون رسالة قاسية للبنانيين بضرورة الاسراع بالاصلاحات وتكون قد وضعت ذاتها شريكا اساسيا في اي حل مقبل. في الواقع، إن هذا الحل لا يزال بعيد المدى، ويبدو من خلال اختيار السفير شربل وهبه وزيرا للخارجية بأن “النّفس” ذاته سيدير الدبلوماسية اللبنانية في الفترة التي سيقضيها وهبه في منصبه.
ولعلّ المطلوب حاليا بحسب القراءات السياسية اللبنانية وزير خارجية مطواع ينفذ أوامر القوى السياسية الفاعلة في لبنان. فناصيف حتّي كان دبلوماسيا ولينا في بعض الامور التنظيمية لكنه كان صلبا في مواقف معينة، فرفض التمادي مع محور الممانعة، وقدم نفسه دوما بأنه من خريجي مفهوم جامعة الدول العربية أي المبادرة العربية. لم يكن حزب الله راضيا عن أدائه، فهو مثلا لم يطلب استثناءات للبنان في قانون قيصر على ذمّة أحد الدبلوماسيين بل إن هذه الاستثناءات خرجت من السراي الحكومي.
إن وزير الخارجية الجديد سيكون محور اهتمام الدول وهو سيكون دليلا عما اذا سيكون واجهة فقط فتمتنع الدول العربية عن التعاون معه الا بعد حصول تسويات اقليمية في انتظار نتائج الانتخابات الاميركية التي قد تطول إذا تم تأجيلها. إن شخصية الوزير الجديد ومعاييره ستعكس عناوين المرحلة القادمة للحكومة على المستوى الخارجي، وبالتالي قد تضع سيناريوهات عدة لتعاطي المجتمع الدولي معها.
تشي بعض الآراء الدبلوماسية بأن استقالة حتي ستؤدي الى انزلاق كبير للبنان بوتيرة اسرع، وتهمس باستقالات أخرى ستتوالى وقد لا تستطيع حكومة دياب استيعابها كما استوعبت استقالة حتي، وثمة تساؤلات عما اذا تداعت الامور واستقال عدة وزراء، فهل سنالون ثقة المجلس النيابي وماذا سيكون موقف كتلة تيار المستقبل؟ وقد يحصل تأزيم في الشارع تحت عناوين الازمة المعيشية، وقد يطول الشغور الوزاري وثمة سؤال يطرح في حال تحولت الحكومة الى تصريف الأعمال فهل يمكن دستوريا لحكومة تصريف اعمال أو حكومة بتراء اتخاذ قرارات اقتصادية مصيرية في الداخل او قرارات ذات ابعاد اقليمية في الخارج؟