“مصدر دبلوماسي”
بقلم الوزير البريطاني لشؤون الشرق الأوسط جايمس كليفرلي
نظرًا إلى سمعة الضيافة اللبنانية المعروفة، أشعر بالخيبة لأنّي لم أتمكّن من زيارة البلد شخصيًّا منذ تعييني وزيرًا لشؤون الشرق الأوسط في المملكة المتحدة في وقت سابق من هذا العام. ففي أشهر قليلة حوّل فيروس كورونا العالم، وها نحن نعتاد بحذر على “الوضع الطبيعي الجديد”. لكنني مسرور لأنّني تمكّنت من استخدام التكنولوجيا للقيام بهذه “الزيارة الافتراضية” إلى لبنان – لكنّ تناول الطاووق والتبّولة على الغداء بينما أحاور بالفيديو الزملاء في بيروت كان طعمه أطيب مع البحر الأبيض المتوسط في خلفية الصورة!
وقد ساعدتني زيارتي على تعميق فهمي للتحدّيات الهائلة التي يواجهها الشعب اللبناني في هذه الاوقات. أثناء الحوارات التي تناولت الموضوع الاقتصادي، لمست مباشرةً مدى تأثير هذه الأزمة في حياة المواطنين العاديّين. كما اطلعت من العاملين في كلّ من القطاع الإنساني والتعليمي والأمني على الآثار الملموسة للأزمة.
تبقى المملكة المتحدة شريكة للبنان وصديقة للشعب اللبناني. ففي العام الماضي، قدّمنا الدعم لـ 200 شركة لبنانية صغيرة ومتوسطة الحجم، وساعدنا في التحاق 488 ألف طالب بالقطاع التعليمي، وقدمنا 39 مليون دولار مباشرة للمجتمعات اللبنانية –وأكثر بكثير من ذلك. كما أنّ العلاقات بين الشعبين، من تجارة ثنائية إلى طلاب لبنانيين يدرسون في المملكة المتحدة، ما زالت كلها تنمو عبر السنين.
نحن الشركاء الأكثر فخرًا بالجيش اللبناني كونه المدافع الشرعي الوحيد عن لبنان، فقد درّبنا 11 ألف جنديّ، وساعدنا على ضبط أمن الحدود السورية للمرة الأولى. فشراكتنا الهامّة ساعدت على دعم الجيش اللبناني في إخراج داعش من لبنان. كما أنّنا نعمل مع قوى الأمن الداخلي على تحسين قدراتها لا سيما في ضبط الأمن المجتمعي في بيروت.
ثم طرأت جائحة كوفيد 19. أمّنت الاستجابة السريعة للمملكة المتحدة أكثر من مليوني دولار لمكافحة جائحة كوفيد هنا في لبنان. وعلينا أن نتابع العمل معًا لمواجهة هذا المرض الرهيب.
بالتأكيد، الأزمة اللبنانية التي تواجه لبنان هي غير مسبوقة بحجمها. لكنّ المملكة المتحدة تبقى ملتزمةً في دعمها الجيش اللبناني والقوى الأمنية ، وسوف تعمل على حماية المواطنين الأكثر ضعفًا.
إن حجم الأزمة كبير جدًّا وليس فيه إلاّ حلّ واحد: لبنان بحاجة إلى تغيير حقيقي. وفي ظلّ غياب الإصلاحات، إنّ الأزمة سوف تسوء لا محالة. نحن جاهزون لدعم لبنان على هذه الطريق، لكن في النهاية لا بدّ من وجود حلّ لبنانيّ تدعمه إرادة سياسية صادقة. وكما قال زميلي الفرنسي الوزير لودريان الأسبوع الماضي، “نحن جاهزون للمساعدة، لكن ساعدونا أوّلاً كي نتمكن من مساعدتكم”. وحده لبنان باستطاعته أن يوفّر الكهرباء 24 على 24، ويعيد إحياء القطاع الخاص، ويعيد بناء الثقة في الاقتصاد.
على ضوء ذلك، خضت نقاشًا صادقًا حول الوضع مع رئيس الوزراء حسان دياب ووزير الخارجية ناصيف حتّي. لا بدّ من التصرّف بسرعة لمنع لبنان من الانزلاق أكثر في الهاوية، والتقاعص سوف يزيد من الأعباء على كاهل الفئات الأكثر ضعفًا. كما ناقشنا موضوع النأي بلبنان عن النزاعات الإقليمية التي تزعزع الاستقرار.
لفتني الشغف والاندفاع اللذين لمستهما لدى اللبنانيين. وأنا على ثقة بأنّ هذا البلد سوف يحظى على المدى الطويل بمستقبل باهر من جديد. كما يقال إنّ الليل يكون في أحلك اوقاته قبل الفجر، وستكون الدرب طويلة وشاقّة نحو الانتعاش والتعافي. من أجل شعب لبنان، لا بدّ من إيجاد هذه الدرب قريبا جدا.