مقالات مختارة -مارلين خليفة:
عينت وزارة الخارجية والمغتربين 20 ملحقا اقتصاديا الحقتهم بالبعثات اللبنانية في الخارج. ما الدور الذي يلعبه هؤلاء في ظل الازمة الاقتصادية الراهنة التي تعصف بالبلاد؟ علما ان فكرة الملحقين الاقتصاديين ليست جديدة في لبنان، فهي تعود الى العام 1972 حين عيّن 6 ملحقين اقتصاديين ثم اوقف عملهم بسبب اشكاليات سياسية
طرحت فكرة تعيين ملحقين اقتصاديين مجددا في العام 2016، حيث اقترحت الهيئة المنظمة لمؤتمرات الاغتراب اللبناني “ال دي اي” في احدى توصياتها انشاء ملحقية اقتصادية، وذلك في العام 2017. قام وزير الخارجية والمغتربين السابق جبران باسيل بزيادة عدد الملحقين الاقتصاديين من 12 الى 20 (استقال احدهم اخيرا في بريتوريا) وفي عدد من العواصم المعتمدة، وتم تعيينهم نهائيا في اواخر العام 2018. يتوزع هؤلاء في البعثات الديبلوماسية ضمن البلدان الآتية: الولايات المتحدة الاميركية، المملكة المتحدة، بلجيكا، المانيا، المكسيك، الاردن، ساحل العاج، مصر، كندا، الكويت، فرنسا، اليابان، الصين، جنوب افريقيا، الامارات العربية المتحدة، روسيا، البرازيل، السعودية، العراق ونيجيريا.
يتبع الملحقون الاقتصاديون لوزارة الخارجية اللبنانية، ويقبضون رواتبهم منها، ويعودون بالتراتبية الى مدير الشؤون الاقتصادية وهو حاليا السفير بلال قبلان، ولوزير الخارجية ناصيف حتي. يتحرك هؤلاء في عملهم في البعثات المعنية تنفيذا لخطة سنوية يتم وضعها بالتنسيق مع الوزارات المختصة: الاقتصاد والزراعة والصناعة ومؤسسة ايدال، بالاضافة الى الاولويات السياسية والاقتصادية الموضوعة في البلد.
الى جانب المهمات الرسمية المنوطة بهم، يقوم الملحقون الاقتصاديون بما يتناسب مع الظروف المستجدة، مثل القيام بتنظيم وفود تجارية وعقد لقاءات والتحضير لاجتماعات واعمال الربط بين مختلف القطاعات بين لبنان والخارج، الدفاع عن المصالح الاقتصادية والتجارية اللبنانية وتزويد المصدرين اللبنانيين دراسة السوق التمهيدية، التحري عن الشركات التي يتعامل معها المصدرون من اجل التأكد من انها لا تحظى بأي سمعة سيئة.
يتلخص دور الملحق الاقتصادي في كل بلد في العالم بعرض الانتاج اللبناني والتعريف عنه، وبكيفية تعزيز العلاقات الاقتصادية اللبنانية مع الدول عموما وتحديدا مع الدولة التي يكون موجودا فيها.
وفق الاهداف والمهمات الاساسية لعمل الملحقين، والمحددة في المادة 3 من المرسوم رقم 3040 تاريخ 25 آذار 1972، يقوم الملحق الاقتصادي تحت اشراف رئيس البعثة ووفقا للقوانين والانظمة والتعليمات النافذة، بالاعمال الآتية:
1- جمع المعلومات حول ما يهم لبنان من الشؤون الاقتصادية والتجارية والمالية في البلد الداخل في نطاق صلاحيته، ودرس هذه المعلومات لمعرفة تأثيرها على الاقتصاد اللبناني ولاكتشاف الاسواق الممكنة للمنتجات والخدمات اللبنانية، وامكان توظيف رؤوس الاموال الاجنبية في لبنان وتنشيط السياحة فيه.
2- اجراء اتصالات مع سائر البعثات ومع الرسميين ورجال الاعمال وغرف التجارة والصناعة وجمعيات التجار والصناعيين وافراد الجالية اللبنانية ومع المسؤولين عن الاعلام وجميع المعنيين بالشؤون الاقتصادية والصناعية والتجارية والمالية والسياحية، بهدف تعريف لبنان وامكاناته على هذه الحقول وايجاد الاسواق له، والعمل على انشاء غرف تجارية مشتركة ومتابعة نشاطها.
3- وضع ادارة برنامج الاعلام التجاري والسياحي وتحرير المقالات، والقاء المحاضرات عن المنتجات والخدمات اللبنانية وعن السياحة في لبنان، وتشجيع تنظيم الرحلات السياحية اليه.
4- المساهمة في تنظيم المعارض والاسواق والمؤتمرات واستقبال اللبنانيين القادمين لهذا الغرض وتسهيل مهمتهم والاشراف على المعارض اللبنانية الدائمة.
5- الاشتراك في اجتماعات الهيئات الدولية واعمالها وفي المفاوضات، وفي عقد المعاهدات والاتفاقات الدولية، والسهر على تنفيذ احكام الاتفاقات الاقتصادية المعقودة او التي تعقد بين لبنان والبلد الداخل في نطاق صلاحيته.
6- تقديم المعلومات والمشورة الى رجال الاعمال اللبنانيين وتأمين الصلة بينهم وبين رجال الاعمال في البلد الموجود فيه، والقيام تاليا بالمحافظة على العلاقات الطيبة بينهم.
7- السعي الى تسوية النزاعات التجارية بين اللبنانيين والاجانب وحماية مصالح اللبنانيين الاقتصادية.
8- البحث في امكان الحصول على المساعدات والقروض الخارجية والعمل على الحصول عليها.
9- التعاون مع وزارتي الاقتصاد الوطني والزراعة ومكتب الفاكهة والغرف التجارية والصناعية اللبنانية وجمعيات الصناعيين والتجار اللبنانيين.
10- وضع تقارير شهرية عن الحالة المالية والاقتصادية عموما في البلد الذي يعمل فيه، وبنوع خاص عن تصريف المنتجات اللبنانية وعن التدابير التي يجب اتخاذها لتأمين زيادة التصريف ووضع تقرير سنوي شامل، والاجابة عن الرسائل والقيام بجميع الاعمال الادارية والمكتبية التي تتطلبها هذه المهمات.
11- مساعدة رئيس البعثة والاجابة عن استشاراته وتنفيذ ما يأمر به في مختلف الامور الاقتصادية والتجارية والمالية.
12- المساهمة في المراسيم.
اضطلع الملحقون الاقتصاديون في الفترة الاخيرة بحل العديد من القضايا الحيوية للبنان، ابرزها: اعادة السائقين اللبنانيين العالقين عند الحدود التركية، تأمين مصدر لشراء الايتانول من السوق العالمية لصالح مصانع المعقمات في لبنان، تزويد الوزارات المختصة دراسات اولية عن تداعيات ازمة فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي ولبنان، عقد اجتماع مرئي من بعد بين الملحقين الاقتصاديين وقطاع الشركات الناشئة في لبنان لاقتراح حلول لدعم هذه الشركات وربطها بالزبائن والمستثمرين في الخارج، تحرير البضائع اللبنانية العالقة على الحدود السعودية والاردنية، التعاون مع جمعية الصناعيين لعقد سلسلة لقاءات عن بعد مع قطاعات صناعية، اطلاق التعاون مع مؤسسة ايدال بشكل مثمر وفعال تنفيذا لمذكرة التفاهم بين الوزارة وبينها.
تشير المعلومات الى ان هذا المشروع قد اثبت جدواه وتأكدت فعاليته لاسيما في تخطي بعض العقبات في العلاقة مع بعض البلدان العربية خلال الازمة الاخيرة التي يشهدها لبنان. وتفيد اوساط ديبلوماسية معنية لـ”الامن العام” ان “مهمات عدة قام بها الملحقون الديبلوماسيون سهلت التبادل التجاري كما حصل في اثناء تسهيل عملية مرور الشاحنات المحملة بالموز والتفاح الى الاردن، فتدخل الملحقون الاقتصاديون المعنيون وقاموا بحل المشكلة. كذلك تدخلوا في اثناء تفتيش شاحنات الخضروات عند الحدود السعودية وهي كادت ان تفسد لو طالت مدة توقفها واستمر امد بقاء البضاعة في الشاحنات، وقد نجحوا في ذلك وساهموا في فك اسر الشاحنات، مبرهنين تاليا ان عملهم يومي ومتعدد الوجه”.
ثمة مشاريع لتسويق المنتجات الزراعية اللبنانية في اكثر من بلد، ابرزها مع الصين. فالميزان التجاري بين لبنان والصين غير متوازن وثمة فوارق بين الصادرات والواردات بحيث لا تتعدى الصادرات اللبنانية الواحد في المئة بالنسبة الى الواردات من الصين. ففي العام 2019 بلغت قيمة مجمل الواردات من الصين 1627 مليون دولار اميركي، بينما بلغت قيمة الصادرات الى الصين 14 مليون دولار اميركي. اما ابرز المنتجات المنوي فتح اسواق لها، فهي تلك التي تلائم النظام الغذائي الصيني والمعايير والمواصفات المطلوبة في الصين. كذلك ثمة اوراق عمل لتسويق المنتجات الزراعية بين لبنان واوستراليا ونيوزيلندا لتصدير الكرز والمشمش العجمي والحمضيات والخضروات، وذلك عبر التواصل مع اشخاص من الجالية اللبنانية هناك بما انه لا يوجد ملحقون اقتصاديون في هذين البلدين، بالاضافة الى ورقة عمل لتسويق المنتجات الزراعية اللبنانية في الولايات المتحدة الاميركية، فيما سيتم العمل على تدريب المصدرين على المطلوب منهم لكي يتمكنوا من الدخول الى الاسواق الاميركية.
ابرز المنتجات التي يتم تسويقها في الخارج: الصناعات الغذائية في الدرجة الاولى، النبيذ، صناعة تصميم الازياء، بعض الخدمات التي تتعلق بالبرمجيات والتصاميم الهندسية، بعض المواد الصناعية مثل تصدير المولدات، وايضا تسهيل تصدير بعض المواد مثل عملية تصدير العسل اللبناني الى اوروبا حيث ثمة قرار اوروبي بمنعه بسبب وجود مواصفات صحية معينة تختلف بين بلد اوروبي وآخر، خصوصا في تصنيف العسل العضوي.
تكمن الاولويات في المرحلة الحالية في بناء شبكة البيانات الخاصة بلبنان ومعرفة من هي الجهات التي يمكن ان تستورد منه، ومن هم اللبنانيون الذين يهتمون بالتجارة في المواد الصناعية الغذائية وسواها من الصناعات المهمة للبنان من اجل وجود المقاربة المطلوبة، وكذلك تنظيم المعارض وموضوع تسويق سياحة لبنان التي تراجعت بسبب فيروس الكورونا.
هل اثرت كورونا سلبا على حركة الملحقين؟
تشير الاوساط الديبلوماسية المعنية الى ان فيروس كورونا اثر سلبا على حركة الملحقين من خلال تقليص قدرتهم على انجاز دراسة السوق، واثرت ايضا لناحية ان الذوق المحلي حيث يتواجدون تغير تماما، وكذلك نتيجة الازمات الاقتصادية وتراجع القوة الشرائية للشعوب في الخارج. فالصعتر اللبناني مثلا صار من الكماليات بالنسبة الى عدد كبير من الناس الذين يفضلون المواد الاساسية والمحلية الصنع. كما اثر بطبيعة الحال على التسويق السياحي الذي تغيرت اولوياته.
لن يؤثر قانون قيصر الاميركي على عمل الملحقين الاقتصاديين في دول الجوار بشكل مباشر، لكنه سيؤثر حتما على علاقات لبنان التجارية مع سوريا وخصوصا في النواحي التي لا شان لها بالمواد المتعلقة بالشؤون الانسانية والغذائية والطبية. سيتأثر مثلا التبادل التكنولوجي، والمشاركة في مناقصات حكومية للشركات اللبنانية مع نظيراتها السورية.
صحيح ان لا دور للملحقين في هذه المواضيع، لكن قد يقوم الملحق الاقتصادي اللبناني في واشنطن مثلا بمتابعة بعض التفاصيل مع وزارة المال هناك، بتوجيه من سفير بلاده.
*نشر هذا التقرير في العدد 82 من مجلة الامن العام الصادر في تموز 2020.