“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
تصوير جيهان قبلان
صبيحة يوم صاف وقبل بداية “الويك أند” استقبلتنا سفيرة الولايات المتحدة الاميركية في لبنان دوروثي شيا في منزلها في عوكر بأناقة وترحيب ودماثة على غرار معظم الاميركيين.
كانت محاطة بمساعدتين من فريق عملها نظمتا الجلوس وعملية التقاط الصور حفاظا على التباعد الاجتماعي في اول مقابلة تجريها شخصيا. جلسنا في صالونها المتميز بأناقة بسيطة وبديكور سمته الذوق الرفيع، حيث الكنبات الوسيعة والجدران التي تزينها اللوحات، ومنضدات عليها كتب ومجلات واشياء صغيرة وجميلة، وحلّ بيننا “ضيف” لاحظنا انه يحق له التجوال بيننا وفي انحاء المنزل بلا قيود.
إنه “جاز” الهرّ ذي العينين العسليتين اللامعتين والوبر المتعدد الالوان، تقتنيه السفيرة دوروثي منذ زمن خدمتها الدبلوماسية في تونس. أفردت له ركنا صغيرا على شرفتها الخضراء والملونة بالزهور والنباتات، لكن “جاز” الذي يلقى معاملة تفضيلية من الجميع لم يلتزم مكانه.
مرّت قرابة الأربعة أشهر على تعيين السفيرة شيا في بيروت في بدايات آذار الماضي، ومنذ الأيام الأولى تبين أن هذا التعيين لن يكون بداية شهر عسل في بلد “العسل والبخور”: قدمت ولاقاها اغلاق وتعبئة عامة بسبب وباء كوفيد-19، فحرمت من اكتشاف الكثير من معالم البلد ومن الاختلاط بالناس والتجوال في الشوارع متحدثة اليهم كما ترغب.
بالرغم من النشاط الاستثنائي الذي تبديه في لقاءاتها الرسمية المتتالية، فهي كانت تتمنى لو احتفلت بذكرى 4 تموز اي العيد الوطني الاميركي باستقبال موسّع في مقر السفارة كما درجت العادة.
لكن بالرغم من ذلك، تمكنت السفيرة شيا من القيام بقليل من السياحة في لبنان فجالت في غابتي أرز تنورين والباروك حيث مارست رياضة المشي في الغابتين الشاسعتين واستمتعت في غابة ارز الباروك بمنظر الطبيعة الخلابة والاشجار التي تزنرها الاعلام اللبنانية.
لعل الإثارة على الطريقة اللبنانية ستكون رفيقتها في الاعوام الثلاثة المقبلة التي ستبقى فيها في لبنان، وربما ستكون محطتها الاشد اثارة في مسار دبلوماسي غني استمر منذ 29 عاما تقلّبت فيه بمناصب عدة.
باتت السفيرة شيا شهيرة بمداخلات تلفزيونية ذي مضمون سياسي حادّ نقر على الانقسامات اللبنانية العميقة، آخرها على قناة “الحدث” السعودية حيث عبّرت فيها بصراحة عن مكنونات بلادها تجاه “حزب الله”، فوقع عليها الغضب الساطع وكان حكم قضائي (تمّ الغاؤه) يمنع الصحافيين من استصراحها، ما أثار موجة سخط ضدها من جهة وموجة أخرى ترحب بمواقفها… على الطريقة اللبنانية المعهودة! انتهى الامر بسلام وبزيارة دبلوماسية بروتوكولية الى وزارة الخارجية والمغتربين.
لا شك بأن لبنان سيكون محطتها الدبلوماسية الأشد اثارة، وبسبب شخصيتها القوية التي تخفيها بابتسامتها الخجولة غير متخلية عن جدية الدبلوماسي فإنها كما نتوقع ستكون من اكثر الشخصيات الدبلوماسية اثارة للجدل وخصوصا في ظل انقسام عامودي في لبنان حول سياسات الولايات المتحدة الاميركية لا سيما في عهد الرئيس دونالد ترامب الذي اعتمد السفيرة شيا الى بيروت. فبعض اللبنانيين يعتبرون من اشد الخصوم لأميركا بسبب انحيازها لاسرائيل فيما يبدو آخرون من أشد المنبهرين بها… وستضطر السفيرة شيا الى الابحار بين هذين التيارين!
لا ترغب السفيرة الاميركية بالعودة الى تفاصيل الاسابيع الفائتة، تعتبر بأنها تبدّد أهمية التعاون الثنائي بين البلدين، وهي أصرّت على عدم التطرق الى السياسة وعناوينها اليومية مفضلة أن يتعرف اللبنانيون على طريقة عملها واسلوب تفكيرها وعلى ما تقدمه بلادها للبنان. لكنها في معرض اجاباتها تشير الى أن الأمر لم يكن مسليا.
تنشرح السفيرة شيا بشكل ملحوظ حين تتحدث عن المطبخ اللبناني، تصفه قائلة: “إن المطبخ اللبناني رائع! مأخذي الوحيد هو أنني أدعى أحيانا لتناول الغداء فيتم تقديم اطباق متعددة تصل احيانا الى 5 اطباق رئيسية ويلح المضيفون دوما على تذوقها جميعها وهذا مستحيل! أنا أحب هذا المطبخ وأقدّر كثيرا كم أن الناس هنا مضيافين”.
تضيف:” أحببت الجانب الصحي من هذا المطبخ، أحب التبولة والفتوش والبابا غنّوج والحمّص، هذه الاطباق موجودة على طاولتي يوميا الآن”. وتستطرد: “أحب كثيرا الطريقة التي تطهون بها الدّجاج وتحديدا الشيش طاووق، هذا لذيذ جدا. اعجبت ايضا بطريقة نقع اللحمة بالصلصة الخاصة بها فتصبح طرية جدا”.
تحاول السفيرة شيا التضامن مع الازمة التي يعيشها اللبنانيون سواء عبر المساعدات الاميركية التي تقدمها واشنطن ووكالة التنمية الاميركية الدولية ولكن أيضا في حياتها اليومية، تقول لموقع “مصدر دبلوماسي”: “لقد تناولت بعض الاسماك اللذيذة جدا واكتشفت انها من المنتجات المحلية، لذا وجهت فريقي طالبة تقديم الاسماك المحلية لا المستوردة حين استضيف غداء كما حصل هذا الاسبوع، هذا الامر وسواه يسهم في ايجاد بديل عن الاستيراد فلا نبذّر الدولار على اسماك تأتي من الخارج وفي الوقت ذاته أبرهن لضيوفي كم أن المنتجات المحلية اللبنانية لذيذة”.
تركز السفيرة شيا على العلاقة المتينة بين لبنان والولايات المتحدة الاميركية، تؤثر الحديث عن المشتركات بين البلدين والشعبين وهي الأساس “وتستحق الاحتفال بها” كما تقول. وتلفت: “يحاول الشعبان اللبناني والاميركي العودة الى ما كانت العلاقة عليه في ثمانينيات القرن الفائت، حيث لدينا الكثير من الأسس التي يمكن البناء عليها، وإحدى أولويات ولايتي تكمن في إعادة بناء هذه الأسس وتصويبها نحو المستقبل”.
تلفت:” بالطبع يمر لبنان بأوقات عصيبة حاليا، والولايات المتحدة الأميركية مدركة لذلك، لذا احاول مع فريق العمل في السفارة ومع اللبنانيين العاملين هنا ضخّ المساعدات التي يحتاج اليها لبنان بشكل كبير وخصوصا في ما يتعلق بوباء كورونا، ولكن ايضا في ظل الحاجة لكي تتوجه الحكومة لتبني اصلاحات ضرورية كانت تعهدت بأن تأخذها على عاتقها. إن الولايات المتحدة الأميركية مع بلدان ثانية من المجتمع الدولي سوف تكون هنا من أجل مدّ يد المساعدة”.
تتكلم السفيرة شيا اللغة العربية الفصحى، لم نعرف مدى اتقانها لها لأنها آثرت الحديث الصحفي بلغتها الأم، أي الانكليزية، وهذا شأن جميع السفراء الاجانب، لكنها تقول بأنها تفهم العربية بشكل ممتاز وهي تعلمتها بين واشنطن وتونس.
نشأت دوروثي شيا في عائلة كبيرة وهي الاصغر بين 6 اشقاء وشقيقات، تعتزّ بوالدها براندن الذي خدم بلاده ابان الحرب العالمية الثانية في جنوب افريقيا، ولحسن حظها انها عينت دبلوماسية شابة في هذا البلد ابان المرحلة الانتقالية بين الفصل العنصري والديموقراطية.
*سعادة السفيرة أخبرينا عن عائلتك واين نشأت، دراساتك وهواياتك وطموحاتك العملية؟
– إنها فعلا فرصة لطيفة بالنسبة اليّ لكي أحاول التعريف بنفسي لأن الظروف الموجودة منذ قدومي في بدايات آذار الفائت وخصوصا مسألة الوباء أعاقتني من لقاء اللبنانيين والعمل على تعريفهم بي. وبالتالي أنا أحب التحدث قليلا عن نفسي، وخصوصا وانني كنت حاضرة في وسائل الاعلام بكثرة في الأسابيع الفائتة حيث تمّت تغطية أنشطتي وأقوالي وتحركاتي بشكل واسع، لكن أفضل ان يتعرف الناس الى شخصي أيضا. بالنسبة الى عائلتي فهي أساسية بالنسبة إلي، فأنا الصغرى في عائلة مؤلفة من 6 أولاد، وفي عائلتي تقليد في العمل في الشأن العام، وأنا اشعر بالاعتزاز بأنني أكملت هذا التقليد.
*ماذا عن والدك؟
-لقد خدم والدي براندن شيا في الحرب العالمية الثانية وكان مركزه في شمالي افريقيا، ثمّ خدم في باريس بعد الحرب كجزء من تطبيق خطة مارشال. ترعرعت وكبرت وأنا أصغي الى هذه القصص وخصوصا عن خدمته في الحرب. تأثرت حين كنت في الـ12 أو الـ13 من العمر بحدث أملته والدتي حين قرّرت مع إحدى صديقاتها باستضافة طالبتين يابانيتين ضمن برنامج للتبادل الطلابي، وهما أمضيتا معنا قرابة الـ 4 اسابيع في الصيف. فتح هذا الحدث أمامي الكثير الأبواب الكونية، صرت أرى الأمور بطريقة مختلفة جدّا، كانتا لا تتقنان الانكليزية. وهمّا علماني كيفية العمل بتقينة “الأوريغامي” (فنّ قصّ الورق وتشكيله)، وأنا علّمتهم بعض العبارات الأساسية لغويا.
علّمتني هذه التجربة أن هنالك امور أبعد واشد اختلافا من البيئة التي أعيش فيها. كذلك نشأت على سماع القصص من اهلي حول اسفارهم. لذا قررت دراسة العلاقات الدولية وفي نيّتي فهم العالم بشكل أفضل.
*أين تابعت دراستك الجامعية؟
-درست في جامعة فيرجينيا حيث تخرجت، وعملت عاما واحدا في غرفة التجارة الأميركية بعد التخرج، وكنت تعلمت اللغة الفرنسية فعملت في القسم الأجنبي، ثم قررت العودة مجددا الى الجامعة حيث درست في جامعة جورجتاون وحظيت بفرصة تدرّج وكنت مهتمة بالعمل في الشأن الخارجي، فعملت كباحثة مساعدة، وانتقلت الى الكابيتول هيل حيث عملت في لجنة تتعلق بمكافحة الجوع. ثم دخلت في برنامج تدريبي في وزارة الخارجية الأميركية.
*أعتقد أنك كنت تلميذة لامعة؟
-كنت أدرس بكدّ لكنني لم أكن الالمع في صفي، لكن يمكنني القول أنني عملت بكدّ.
*كيف انضممت لاحقا الى العمل الدبلوماسي في وزارة الخارجية ولماذا اخترت هذا المجال؟
–أسهمت هذه التجارب التي شاركت فيها في هذا الخيار، وحين درست العلاقات الخارجية ركزت على افريقيا كمنطقة أحببت أن اتعرف اليها اكثر. وكانت لدي الفرصة لنيل تدريب في الجامعة الأميركية في داكار، السنغال، في فصل الصيف، وعملت في السفارة كدبلوماسية شابة
وكنت أساعدهم في التقارير الاقتصادية. خضعت لامتحان الشؤون الخارجية وهو كان صعبا، وكانت المرّة الأولى التي أرسب فيها بإمتحان، ولكن الأمر كان بديهيا ويحصل مرارا مع كثر من الاشخاص الذين لا ينجحون في اجتياز الامتحان الأول. تابعت الدراسة والعمل ونجحت في المرة الثانية التي قدّمت فيها الامتحان. كنت سعيدة جدا بالانضمام الى العمل الدبلوماسي وذلك في العام 1991 أي منذ قرابة الـ29 عاما.
*من هي الشخصية القدوة بالنسبة اليك في العمل السياسي والدبلوماسي؟
-لدي الكثير من الاشخاص المثاليين، ثمة أشخاص علموني وآخرون خدموا قبلي في العمل الخارجي، ولدي أيضا نماذج أعتبرها ايقونات، تعرفت الى احداها في اول عمل دبلوماسي لي في جنوب افريقيا اثناء الفترة الانتقالية من نظام الفصل العنصري (الأبارتيد) الى الديموقراطية،
وسنحت لي فرصة لقاء نيلسون مانديلا، وكان الأمر مهما بالنسبة اليّ كدبلوماسية شابة، وهو كان مثالا ليس لشعب افريقيا الجنوبية فحسب، أو لأولئك الذين كانوا شهود عيان على التاريخ بل هو مثال للعالم ايضا وذلك بقيادته والتزامه ورؤيته حيث تحلّى بتلك الصلابة لبناء علاقات دولية للضغط على نظام الأبارتيد، فنجح في تحويل رؤيته الى واقع. يبقى مانديلا قدوة حقيقية بالنسبة الي. تسنى لي العمل لاحقا أثناء مهنتي مع السيناتور ريتشارد لوغر، وهو توفي، كان رجل دولة بحق، ومثال أعلى لمن يضع مصلحة بلاده فوق كل اعتبار، وكان منخرطا في تخفيض السلاح النووي في العالم، ولديه إرث في هذا المجال.
كان لي الحظ بالتقدم في عملي أيضا في وزارة الخارجية والتعلم على يد أشخاص تلقنت منهم الكثير سواء رسميا أو بشكل غير رسمي، وهذا ما جعلني أصقل سلوكي سواء في مهنتي أو في عملي الفردي. كانوا وطنيين ويهتمون كثيرا بفريق عملهم، وأنا اتخذت من الكثير منهم قدوة صالحة.
*سعادة السفيرة، جئت الى بيروت في آذار الفائت ما هو انطباعك عن هذا البلد؟ وهل وجدته صعبا؟
-لا يمكنني القول بأن الأمر كان سهلا بشكل دائم، يمر هذا البلد بوقت فيه الكثير من التحدي، وواجهت الاغلاق بعد وصولي بوقت قصير بسبب وباء كورونا، وبالتالي لم تكن طريقة ميمونة للدخول الى بلد للمرة الاولى كسفيرة. لحسن الحظ لدي فريق رائع في السفارة وشبكة من الناس الذين يدعموننا، وايضا وزارة الخارجية في واشنطن كذلك البيت الابيض ووكالات اخرى. هذا الامر ساعدني بشكل كبير، وكان علينا الابحار وسط التحديات القائمة هنا، وكان عليّ مواجهة بعض سوء الفهم حول ما تقوم به الولايات المتحدة الأميركية وما امثله، وهذا لم يكن أمرا مسليا دوما، ولكن بما أنه لدي ارادة التزام متينة جدا فأنا في نهاية المطاف مسرورة بوجودي هنا. أريد أن الاسهام في الحلول المطلوبة وسط مرور هذا البلد بظروف صعبة، وبالتالي على العديد منا ان ينخرطوا في الاسهام في جمع القطع المفككة ومساعدة هذا البلد على العودة الى الطريق الصحيح. لا جدال بأن هذا هو عمل الشعب اللبناني والقادة المنتخبين، ولكن بوضعي كممثلة لرئيس الولايات المتحدة الأميركية وللشعب الأميركي فإنه سيعتبر شرف كبير إذا استطعت ان العب دورا في هذا المضمار.
*هل تعتقدين بأنه قد أسيء فهمك؟
-توجد حالات تمت فيها اساءة فهمي على الصعيد الشخصي من قبل البعض، وكان احيانا سوء فهم الفهم لسياسة الولايات المتحدة الاميركية، كانت هنالك تفسيرات غير دقيقة ومضللة سواء بالنسبة الي او للسياسات التي امثلها، وبالتالي حاولت تصحيح ذلك، وكما يعلم الجميع فإن الولايات المتحدة الأميركية هي شريك للشعب اللبناني ونحن لا نقوم بحرمان الشعب اللبناني لا من الدولارات ولا من المساعدات، ونحن لا نحاصر لبنان، كما سبق وقلت نحن نريد ان نكون جزءا من الحل، ونحن نقوم بتشجيع الحكومة للقيام بالإصلاحات الضرورية، واحيانا يقع هذا الامر بطريقة سلبية وهذا مؤسف، وكما سبق وقلت في شكل علني أن هذا الأمر يتحول الى الهاء. لا اريد العودة الى هذه القصة، بل اريد التركيز على ما بوسعنا فعله لمساعدة لبنان.
*ما هي القضايا التي تناصرينها في ما يتعلق بالنساء؟
-هذا موضوع عزيز على قلبي، يتعلق بتمكين النساء، توجد دراسات تظهر بأنه حين تقوى النساء تزدهر عائلاتهن ومجتمعاتهن. منذ عقود، تقوم الولايات المتحدة الأميركية وخصوصا وكالة التنمية الاميركية عبر برامج خارجية باستهداف النساء من اجل مساعدتهن على النجاح لأننا ندرك بأن الارتدادات ستكون عظيمة، ولدينا هدف في السفارة يتعلق بالتنمية الاقتصادية الشاملة، وهذا يتضمن تحقيق انضواء النساء في اماكن العمل وفي اتخاذ القرارات المالية، وانا أحب كثيرا التوجيه والارشاد بين النساء، وبقدر ما تنجح النساء بقدر ما تشعر بأنهن جزء من هذه السلسلة وتقدّمن يد المساعدة للاجيال المقبلة والنساء اللواتي سوف تأتين بعدهن.
*ما هي البرامج التي تدعم الشركات الناشئة الخاصة بالنساء، وكيف السبيل للتعرف اليها؟
-شكرا لطرح هذا السؤال لأننا فعلا فخورين بما نقوم به لدعم الشركات الناشئة، عندما ندعم هذه الشركات فنحن لا نقوم بدعم شخص واحد، ما يحصل هو دعم شخص واحد لديه فكرة واحدة ونحن نساعده بكيفية نقل هذه الفكرة الى السوق ومع الوقت يستطيع هذا الشخص الواحد توظيف عدة أشخاص قد يصلون الى العشرات. إن وكالة التنمية الاميركية لديها مبادرات استثمارية في هذا الاطار بقيمة 38 مليون دولار للبنان فحسب. وعبر هذه الوكالة ندعم العديد من النساء اللواتي أسسن شبكة “أنجل” للاستثمار المخصص للنساء، كذلك لدينا برنامج مميز لتعليم الانكليزية للنساء، ونحن نساعد النساء غير المتمكّنات ليس في بيروت والمدن الكبرى فحسب، بل في المناطق النائية لأنه بحسب خبرتنا يمكن أن تكون اللغة الانكليزية ثغرة للوصول الى الدعم الاقتصادي. كذلك لدينا برنامج “ستيم” ويتعلق بالعلوم التكنولوجية والهندسية والرياضيات، ونحن نستهدف النساء والفتيات من خلال هذا البرنامج، في الواقع في “الويك أند” الأول الذي جئت فيه الى لبنان في بدايات آذار الفائت، كنا نحيي اليوم العالمي للمرأة في 8 آذار، ودعونا مجموعة من المتخرجات من برامج “ستيم”، وبعضهن لاقين نجاحا باهرا وهنّ تعملن في ميادين هي تقليديا محجوزة لسواهم ولدينا نساء تعملن على سبيل المثال في البناء والهندسة وتعملن بمبيع العقارات بمليارات الدولارات، تلك النساء هن بالنسبة الينا عائد مهم للاستثمار، نحن ساعدناهم في البداية وهنّ قطعن أميالا وأميالا، ونحن نسعد برؤية نساء منطلقات على هذا النحو.
*ماذا عن دعمكم للنساء في السياسية؟
-نعم لقد دعمنا النساء لخوض غمار العمل السياسي، ونحن نسعد برؤية نساء مرشحات واعرف أنه توجد عدد من السيدات اللواتي نجحن في الدخول الى البرلمان، ولكن أيضا على مستويات القواعد الشعبية هنالك نساء تقمن بلوبي في حكوماتهم حول الخدمات الأساسية الضرورية التي تحتاجها النساء، ويمكن للنساء أن تكنّ فاعلات جدا في أدوارهن.
*ماذا عن الحريات الاعلامية في لبنان؟ هل من قلق أميركي تجاه الحريات في لبنان؟
-كما تعلمين فإن لبنان معروف جدا بإعلامه الحيوي، ونحن نشجع هذا الالتزام وهو في صلب دستوركم. هذا أمر تتمسك به الولايات المتحدة الاميركية وشعبها بشكل عميق، لكن وقع أخيرا بعض القلق في بعض الاحيان بما يتعلق بما حدث معي شخصيا منذ بضعة اسابيع، حيث حصلت محاولة للحد من حرية الاعلام، وانا تحدثت بصوت عال ضد هذا الامر، ولم اكن الصوت الوحيد بل أعتقد أنه كان يوجد كورس رنّان لأشخاص ألحوا على أن يكون لديهم اعلام حر وهذا في صلب الديموقراطية.
يتعرض الاعلام الحر احيانا لبعض الانزلاق وهذا لا ينحصر بلبنان فحسب، فقد قرأت مقالات عدة تتعلق بي أنا شخصيا او باجتماعات عقدتها وهي كانت شبيهة بما يمكن تسميته الاختراعات، وبما أنني ملتزمة بعمق بحرية الاعلام فأنا أشجع الصحافيين لأن يكونوا مسؤولين وأن يتمسكوا بالممارسات المهنية الفضلى في صناعتهم. وبالنسبة الينا كمستهلكين للاخبار، علينا أن نستخدم دوما حسّ النقد لدينا، لدى كل منا دور يلعبه في ما يخص حرية الاعلام.
*نحن في وسط أزمة ضخمة وأود طرح السؤال عن مجال الاعمال والاستثمارات، هل الشركات الاميركية مهتمة بالاستثمار في لبنان؟ وما الدور الذي تلعبينه في اجتذاب شركات الاعمال؟ وما هو المطلوب لكي تأتي الشركات الاميركية للاستثمار في لبنان؟
-توجد 300 شركة أميركية ممثلة في لبنان، وهذا يشكّل اساسا جيدا، وما يمثلهم هو غرفة التجارة الاميركية في لبنان، وقد بدأت العمل مع هذه المنظمة، وبالتالي نحن نود رؤية روابط تجارية واستثمارية بين بلدينا، وحين اتحدث عن بناء الجسور، فإن الاعمال هي إحدى الطرق المفتاحية من اجل بناء الروابط، وهي يمكن ان تكون على قاعدة الربح المشترك، وهذا ما يجب أن يكون. بالنسبة الى امكانية اجتذاب المزيد من الاعمال، اعتقد بأن هذه الشركات تتفرج جانبا بسبب مرور الاقتصاد بوضع صعب في لبنان، وبالتالي أعتقد أن الكثير من رجال الاعمال الاميركيين يراقبون وينتظرون رؤية الى اي مدى ترغب الحكومة بالذهاب قدما واتمام هذه الاصلاحات التي سبق وتحدثنا عنها. إن هذه الاصلاحات ستكون حاسمة من اجل خلق مناخ للاعمال يمكن أن يجتذب الشركات.
*هل من اصلاحات محددة تعلق عليها الولايات المتحدة الأميركية اهمية أكثر من سواها؟
-إن المجتمع الدولي برمته –وليس الولايات المتحدة فحسب- متفق بشكل وثيق على افكار منها ضرورة الاصلاح الجذري مثلا في قطاع الكهرباء، وهنالك اصلاحات ضرورية في الجمارك، هنالك تخسر الحكومة مليارات الدولارات من العائدات على مدى اعوام، وهنالك اصلاحات تتعلق بمجال الاتصالات والقطاع المصرفي، هنالك قطاعات مختلفة لديها مشاكل منها الفساد او سوء الادارة. ان الوصفة الافضل لاجتذاب شركات الاعمال هي الشفافية. في كل عام يعدّ البنك الدولي دراسة حول كيفية القيام بالأعمال بطريقة سهلة وهو يصنّف الدول بحسب قدرتها على العمل ببيئة اعمال سهلة، وهذا يقدم خارطة طريق ممتازة للسلطات في لبنان، إذا اردتم اجتذاب الاعمال اتبعوا هذه التوجيهات واخلقوا البيئة المناسبة حيث لا يمكن القلق من الفساد وحيث ستكون للشركات ثقة بأنها قادرة على العمل بشكل سهل. حين تتم هذه الاصلاحات، سيكون عملي حينها أسهل من اجل اجتذاب هذه الاعمال، وأنا أتوق للقيام بذلك.
*ما هي وجهة نظرك في ما يخص الدور الذي يلعبه الجيش اللبناني والاجهزة الامنية اللبنانية؟
– أرى أن الجيش اللبناني هو دعامة أساسية حين أنظر كم استثمرت الولايات المتحدة الاميركية في لبنان على مدى عقود، لقد وفّرنا منذ العام 2005 ما يزيد عن ملياري دولار للجيش اللبناني ولقوى الأمن الداخلي، بالاضافة الى عناصر امنية اخرى تعمل تحت ادارة وزارة الداخلية. هذا استثمار هائل ونحن نعتزّ به، نحن نعتبر هؤلاء شركاء اقوياء جدا لأنهم يركزون على حماية أمن لبنان واستقراره وسيادته، وهذا أمر مهم جدا للبنان نظرا الى حراجته، وخصوصا في الوقت الراهن حيث يمر البلد في اوقات مضطربة.
نحن نتوقع بأن يستمر هذا الدعم وكانت لدينا زيارة مهمة الاسبوع الماضي لقائد القيادة المركزية الوسطى الجنرال كينيث ماكينزي، وهل من طريقة أفضل لإبراز التزامنا بأن نستقبل هذا القائد في قيادة الجيش الذي يغطي هذا الجزء من العالم وهو عقد اجتماعات مع كبار المسؤولين في بلدكم، وتحدث في مواضيع تشكل هما مشتركا بين البلدين، وتطرق تحديدا الى كيفية رفع الدعم للجيش اللبناني الى المستوى الاعلى.
*اعلم انك تفضلين التطرق فقط الى العلاقات الثنائية، لكن هل بإمكانك تقييم التعاون بين الجيش اللبناني وقوات “اليونيفيل” في جنوب لبنان وهو منطقة صعبة جدا؟ وخصوصا وأننا على أعتاب التجديد لهذه القوات في آب المقبل؟
-نعم بالطبع، تنفذ قوات “اليونيفيل” مهمة حرجة، وهي تقوم بذلك منذ عقود، لكنها تحتاج الى تعاون مع الجيش اللبناني، لكن للجيش موارد محدودة مقارنة بمهامه الكبيرة والواسعة. لكن، توجد مسألة تتعلق بالإرادة السياسية، لأن لـ”اليونيفيل” تفويض محدد بشكل واضح في قرار مجلس الامن الدولي، وبالتالي فإن تقييمنا في الولايات المتحدة الأميركية بأنهم لم يقوموا بإنجاز هذا التفويض بأكمله. وبالتالي هذا موضوع نحتاج الى معالجته، وإن الجيش اللبناني هو جزء من ذلك، لكن الأهم من ذلك يتعلق بالإرادة السياسية من قبل الحكومة.
*التجديد لقوات “اليونيفيل” هو في آب المقبل، هل ستعالجون ذلك في هذا التجديد بالذات أم بعده؟
-أعتقد بأن الأمر ستتم معالجته بين اليوم والفترة الفاصلة لتجديد التفويض.
*هل ترين مستقبلا لـ”لبنان الكبير” وذلك في الذكرى المئوية الأولى لتأسيسه في أيلول 1920؟
-إنها ذكرى مهمة ستأتي هذه السنة، وهذا مؤشر واضح الى أي مدى وصل لبنان في اعوامه المئة الاخيرة، لقد مرت على البلد أوقات صعبة في الماضي، وهو يمر اليوم بفترة عصيبة، لكن في كل هذا المشهد أظهر الشعب اللبناني صمودا خارقا، وأنا أتطلع للاحتفال مع الشعب اللبناني بهذه المئوية المهمة، وأتمنى ان تسمح الظروف لنوع من التجمعات لأننا لا نزال اليوم نحترم التباعد الاجتماعي، ولست متأكدة ما سيكون متاحا لنا، لكن من المهم القيام بشيء يشير الى هذا الحدث المهم في تاريخ البلد.
*نتمنى كلبنانيين أن يبقى بلدنا موحّدا كما نشأ…
-نعم، بالطبع، إن لبنان هو بلد موحّد ويمثل هذا التنوع الموجود، والشعب هنا –لست أدري إن كنتم تقدّرون ذلك كما نفعل نحن من الخارج- نحن نعتبركم نموذج تعايش في العالم، توجد هنا العديد من الخلفيات الدينية والمذهبية وهي تعيش سويا ونأمل أن تزدهر في بلد واحد، ونحن نجهد لدعم هذا النموذج.
*أدى وباء كوفيد-19 الى الكثير من المآسي، وقدمت الولايات المتحدة الأميركية الكثير من المساعدات للبنان، هل بإمكانك إعطاءنا لمحة عن ذلك؟ وكيف تتابعين كسفيرة هذه الجهود؟
-لقد سبّب هذا الوباء العديد من التحديات ليس للبنان فحسب بل للمنطقة برمتها وللعالم ولبلدي بالذات، وهو يعاني فعليا الآن. لكن في خلال الاشهر الاخيرة، تمكنت سفارة الولايات المتحدة الاميركية من ان تستقدم من واشنطن 28،3 مليون دولار كأموال جديدة، من أجل القيام بالمواجهة الفعالة لوباء كوفيد-19 والاحتياجات التي يفرضها. نحن نعتز بقدرتنا على القيام بذلك، لكن الواقع بأن هذه المساعدة كانت قابلة للاستيعاب وللاستخدام بشكل فعّال عبر قوة المستجيبين باكرا في الايام الاولى للازمة، لأنه لدينا أسس للدعم وهي تعمل هنا منذ عقود، وحين اتحدث عنها اتحدث عن
4،9 مليار دولار من المساعدات في العقدين الماضيين. و187 مليون دولار اضافية هي لقطاع المساعدات، إن الكثير هذه المساعدات ذهبت للجيش اللبناني، وهؤلاء استفادوا منها على الجبهات الامامية في الايام الاولى للوباء. وبالتالي إن المساعدات التي وفرناها تاريخيا هي فعلا تكافلية ونحن تمكنا من ايصالها على قاعدة سريعة وطارئة. قمنا ايضا بالمساعدة عبر برامج الوكالة الاميركية للتنمية الدولية، لجعلهم اكثر استجابة للاحتياجات الموجودة على الارض وفي الوقت المطلوب، وبالتالي كنا نساعد الشركات لتبقى عائمة وذات اكتفاء ذاتي، بطريقة أخرى كانت ستصل الى الافلاس. لقد وفّرنا تمويلا لتنظيم تدريبات ليتمكن الناس من تمكين اعمالهم الصغيرة لكي يتمكنوا من الاستجابة لاحتياجات تتعلق مثلا بالعناية الصحية المنزلية، ووفرنا أموالا ايضا لمستشفى الجامعة الاميركية ولمستشفى الجامعة اللبنانية الاميركية من أجل مساعدتهما على التموضع بأفضل طريقة للاستجابة لهذا الوباء. لم تقتصر المساعدة على هذين المستشفيين بل تم توزيع مساعدات عبر برامج بقيمة 2،5 مليون دولار اخذتها على عاتقها مستشفى الجامعة الاميركية، كذلك تمت مساعدة 10 مستشفيات اخرى في انحاء البلد في الشمال والبقاع ليكونوا أكثر استعداد للاستجابة لهذا الوباء. وبالتالي إن ذلك كلّه كما آمل، يجب فهمه بأنه اظهار لمدى صدق التزامنا مع الشعب اللبناني وخصوصا في أوقات الحاجة هذه.