“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
لم يترك الفاتيكان لبنان يوما. منذ دعمه الاستثنائي لقيام لبنان الكبير في العام 1920، مرورا باستقلال لبنان في العام 1943، الى المحاولات الحثيثة لاحتواء تداعيات ثورة العام 1958، انخراط الفاتيكان بصمت في مبادرات كثيرة لتفادي حرب 1975 ومحاولات تراكميّة لوقفها، وصولا الى دورٍ استراتيجي لعبه في “اتفاق الطائف” ووقف الحرب فديناميّة انتفاضة صامتة في زمن الوصاية السوريّة كرّسها السينودس الخاص من اجل لبنان والذي صدرت عنه خارطة طريق “رجاء جديد للبنان” (1997)، فشِعار القديس البابا يوحنا بولس الثاني “لبنان أكثر من وطن، لبنان رسالة”.
كلّ هذه المسيرة الأخلاقيّة الإيمانيّة بنموذج “العيش معاً”، من ضمن مواطنة حاضنة للتنوّع، “ويبدو أنّ ديبلوماسيّة الفاتيكان في حركيّة لافتة لاستنهاض الديناميَات العربيّة والدوليّة لإنقاذ لبنان وحمايته” بحسب ما يقول لموقعنا الخبير في السياسات العامة الدكتور زياد الصائغ الذي أشار في حديث الى موقع “مصدر دبلوماسي” الى “الفاتيكان يعلم بالعمق البُعد الروحي والحضاري للبنان، بما هو مؤتمن على تقديم نموذج سليم في احتضان التنوّع وفي إدارة التعدّدية، والفاتيكان يعي ميزة النظام السياسي التشاركيّ اللبناني، لكنّه يعلم أيضاً كم أمعنت المنظومة السياسيّة في تدمير هذا النموذج. لذا، ومن استشعار الخطر على الكيان اللبناني بما يمثِّل من قيمة، من الواضح ولو بصَمت أن الديبلوماسيّة الفاتيكانيّة أدارت محرّكات إنقاذيّة دوليّة مع تقاطعاتٍ عربيّة حتماً”. واستطرد الصائغ: “ديبلوماسيّة الفاتيكان بوصلة في القِيَم النبيلة وبعيدة من مكيافيلليّة المصالح الخبيثة”.
وعن الاندفاعة البطريركيّة المارونيّة باتجاه وضع تحييد لبنان على نارٍ ساخنة اعتبر الصائغ أنَّ “ثوابت بكركي وبطاركتها بعيدة عن المربّعات الرماديّة وغير معنيّة باختلال موازين القِوى أو الاستزلام ورافِضة لسياسة المحاور بعباءات طموحات سلطويّة. من هنا يجب فَهم أن إعطاء فرصة للعهد والحكومة والمنظومة السياسيّة، لم يكن يعني أبداً قبولا بالأمر الواقع. وها هو الموقف اليوم بعد محاولات تحذير وتشجيع ينتصر للشرعيّة وللأمن القومي اللبنانيّ واضح المعالم في رفض الحصار على الاولى ومنع تدمير الثاني”.
وفي ما يعنى بالتقاطع بين ديبلوماسيّة الفاتيكان ومواقف بكركي، استذكر الصائغ لقاء جمعه بالبطريرك مار نصرالله بطرس صفير في العام 2012 بعد استقالته عبَّر فيه البطريرك صفير بدقّة عن مساره: “هنّي بيشتغلوا سياسة لمصالحن. ونحنا ما منشتغل إلّا للبنان وكرامة الإنسان وفيه دور رسوليّ لهالوطن”، وهذا “موقف شديد الوهج في كيف تعمل الديبلوماسيّة الكنسيّة”. بحسب الصائغ الذي استكمل: “أمّا في لقاءٍ مع البابا فرنسيس في أيلول الفائت فقد لفتني توقّفه، وفي معرِض نقاش عن الكنيسة والمجال العام، عند عبارة من السياسة الى السياسات العامة، مع تأكيد على حاجة العالم للبنان، ويبدو هنا بوضوح ربطٌ بين المستوى الديونتولوجي والمستوى السياسي، وهذا ما نفتقده في هذه المرحلة”.
وختم الصائغ بتنبُّه الى أنّ “ديناميّة قيام جبهة مدنيّة وطنيّة هي مؤسِّسة في أيّ تقاطع داخليّ مع روحيّة ديبلوماسيّة الفاتيكان، مع موجِب وعيٍ أننا سنكون أمام مخاطر شتّى في المرحلة المقبِلة، إذ ثمّة من سيسعى لإجهاض خيارات مئويّة ثانية بعد أن حاول كثيرون من الداخل والخارج إجهاض خيارات المئويّة الأولى”.