“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
يقوم العراق بمبادرة تجاه لبنان في خضمّ الأزمة التي يتعرّض لها وتنعكس في الوقت ذاته فائدة على العراق الذي يتعرض أيضا لعقوبات أميركية وآخرها “قانون قيصر”. ويبدو بأن الوفد الوزاري العراقي الذي يزور لبنان حاليا ويضم وزراء النفط والتجارة والزراعة يعيد الى الذاكرة قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 986 الذي عرف ببرامج “النفط مقابل الغذاء” والذي بدأ العمل فيه في العام 1996، وهو سمح للعراق باستيراد الغذاء والدواء في مقابل النفط إثر كوارث انسانية وأزمات اقتصادية اجتاحته عقب غزو الكويت.
يضم الوفد العراقي الذي يزور لبنان وزير النفط احسان عبد الجبار ووزير الصناعة والمعادن منهل عزيز ووزير التجارة علاء الجبوري، واشارت مصادر متابعة الى ان الوفد بحث مع رئيس الحكومة اللبنانية تصدير النفط العراقي إلى لبنان مقابل منتجات زراعية وصناعية.
وحضر اللقاء مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم الذي زار العراق أخيرا والتقى رئيس وزرائها مصطفى الكاظمي ناقلا اليه رسالة من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بغية دعم توثيق العلاقات الثنائية واعادة تنشيط التبادل بين البلدين. وعمل اللواء ابراهيم اثناء زيارته لبغداد الشهر الفائت على تفاصيل الزيارة الحالية للوفد العراقي ترجمة لتوجهات الحكومة اللبنانية وذلك في مبادرة عمل اللواء ابراهيم على تفاصيلها وتهدف الى انقاذ ما يمكن انقاذه من الوضع المتدهور في لبنان في شكل غير مسبوق.
من جهته، أكد القائم بأعمال السفارة العراقية في بيروت أمين النصراوي في تصريح خاص لـوكالة الانباء العراقية (واع) أن”زيارة الوفد تأتي للتأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين البلدين ولتوطيد العلاقات العراقية اللبنانية، بالإضافة إلى بحث القضايا ذات الاهتمام المشترك بما ينعكس بالإيجاب على الشعبين الشقيقين”، لافتاً إلى أن”موضوع استيراد النفط العراقي من الجانب اللبناني مقابل منتجات زراعية وصناعية متروك للقاءات الرسمية بين الجانبين”.
يرتبط العراق ولبنان بعلاقات تبادل تاريخية لكنها تحتاج الى تفعيل بدءا من المنتجات الزراعية اللبنانية التي يحتاجها العراق والتي تدخله بكلفة مرتفعة بسبب تكاليف الشحن فتفقد على الطريق التي تسلكها قدرتها التنافسية، يطاول هذا الأمر المنتجات اللبنانية الغذائية مثل الفاكهة كالتفاح والدراق والموز والحمضيات التي لا تستيطع أن تنافس المنتجات التركية أو الايرانية. وتشير أوساط متابعة لزيارة الوفد العراقي الى بيروت الى أن ” هبوط الليرة في لبنان قد تعطيه قدرة تنافسية مع المنتجات الأخرى بشرط تخفيض كلفة النقل فيتمكن البراد من الوصول من بيروت الى بغداد في غضون 10 ساعات وبكلفة لا تتجاوز الألفي دولار أميركي”.
تضيف الأوساط: ” إن مرور هذا البراد عبر العبارة في مرسين (في تركيا) يجعله يصل بكلفة 5 آلاف دولار وبالتالي فإن المنتجات اللبنانية المطلوبة في الاسواق العراقية التي تحتاج فعليا الى الموز والحمضيات وسواها تصل مرتفعة الثمن، في حين ان كيلو الحامض في العراق يبلغ سعره دولار ونصف الدولار أي من 1500 الى ألفي دينار”.
بالإضافة الى المنتجات الزراعية، يصدّر لبنان الى العراق المولّدات الكهربائية على انواعها وصناعات الكترونية، (على سبيل المثال لا الحصر فإن براد كونكورد مثلا مطلوب في السوق العراقية بشكل كبير ولديه وكلاء) فضلا عن الصناعات التجميعية ومستحضرات التجميل وبعض المواد المرتبطة بالصناعات السياحية.
تعاني كل هذه المواد من كلفة النقل الباهظة الثمن مما يفقدها قدرتها التنافسية. جاءت هذه الزيارة، برغبة لبنانية عراقية مشتركة خصوصا مع وصول رئيس وزراء جديد الى العراق هو مصطفى الكاظمي الذي يرتبط بصداقات مع العديد من اللبنانيين ويرغب فعليا بإعادة ضخّ الفاعلية في القنوات الاقتصادية بين البلدين. وكان سفير لبنان في العراق علي حبحاب قد اجتمع منذ قرابة الشهر مع الرئيس الكاظمي وبحث معه في تفعيل العلاقات بين البلدين وبالأخص إعادة احياء خط النفط الى طرابلس، تفعيل خط الترانزيت عبر مرفأ بيروت، أي إعادة احياء الحوض العراقي في مرفأ بيروت او استخدام المنطقة الاقتصادية في طرابلس، موضوع المنتجات الزراعية على انواعها (موز تفاح زيت زيتون لإدخالها بتكلفة زهيدة الى السوق العراقية)، وتناول البحث القطاعات الاقتصادية الموجودة في الداخل العراقي وتأمين الحماية بالدعم لاستمراريتها لجذب المزيد من الاستثمارات. عبّر الرئيس الكاظمي حينها عن اهتمامه بمشاركة الشركات اللبنانية وخصوصا تلك التي لها حضور عالمي بعملية اعادة اعمار العراق وبالأخص في المناطق التي تعرّضت للدمار في الحرب ضد الارهاب. ويذكر الرئيس الكاظمي دوما بأنه يرتبط بالكثير من الصداقات مع الكثير من اللبنانيين ومن المفترض أن تستثمر كل هذه الصداقات بما فيه خدمة مصالح الشعبين الشقيقين، وفي البعد الأمني عبر الرئيس الكاظمي للسفير حبحاب عن ضرورة استمرار التنسيق والتعاون بين البلدين.
هذا التعاون مع العراق لا يؤت ثماره بلا المرور عبر سوريا واعادة الوصل معها لا سيما فيما يخص تخفيض الرسوم على الشاحنات التي تنقل المنتجات اللبنانية الى العراق. إن عدم التنسيق مع سوريا يجعل المواد تصل بأسعار باهظة ويفقدها قدرتها التنافسية، المولد الكهربائي مثلا يزيد سعره بين الألفي والثلاثة آلاف دولار عن ذاك المستورد من الصين أو من الخليج.
ولعله من المفيد التذكير بأنه كان للعراق قرابة الـ48 رحلة أسبوعيا الى لبنان، والطبقة التي تقصد لبنان هي ثرية، وتحجز غالبا في فنادق الواجهة البحرية لبيروت وترتاد المطاعم الفخمة وتحب السهر في لبنان، كثر من العراقيين اليوم ينتظرون بفارغ الصبر اعادة فتح المطارات العراقية المقفلة بفعل جائحة كورونا لزيارة لبنان.
للعراق علاقة وثيقة جدا مع القطاع المصرفي اللبناني، وثمة 10 مصارف لبنانية موجودة في العراق وبالتالي فإن استثمارات القطاع المصرفي العراقي موجودة في لبنان وخصوصا في القطاع العقاري.
تستقطب المصارف اللبنانية إيداعات الكثير من العراقيين وهي تتعرض للمنافسة والحروب من بعض المؤسسات المصرفية العراقية الخاصة التي تخوض غمار السوق حديثا. وقد أثار سفير لبنان علي حبحاب هذا الموضوع مع حاكم المصرف المركزي العراقي السيد علي علاق، وصدر تصريح من أحد المدراء في البنك المركزي العراقي وحكى بوضوح بأن المصارف اللبنانية في العراق تعمل وفق سياسة المصرف المركزي العراقي بغض النظر عمّا يحصل في لبنان من مشاكل مع بعض المصارف، وأشار التصريح الى ان وضع المصارف اللبانية في العراق سليم وآمن ولا مشاكل لديها.