“مصدر دبلوماسي”
كتبت رانيا حتّي
لم تأت ثورة السابع عشر من تشرين الأول من فراغ. إنما لدق ناقوس الخطر الفعلي في وجه المنظومة العميقة كما أسماها الرئيس حسان دياب بأنه “فعليا ليس لدينا ما يسمى بدولة عميقة انما هناك منظومة عميقة بكل مكوناتها حتى ولو تغيرت وجوه الحاضرين”.
فمن يقصد الرئيس دياب بتلك الوجوه ؟ وهل هي من تعرقل خطة التعافي الإقتصادية التي أقرتها الحكومة الحالية؟ أم أن هناك من تسوية جديدة تلوح في الأفق للإطاحة بالرئيس دياب وحكومته؟
اليوم وبعد مرور حوالي ستة أشهر على ترؤس دياب السلطة التنفيذية وبعد نجاح الحكومة بتخطي أزمة فيروس”كورونا” وتأييد الشعب اللبناني لها. بدأت تلك القوى السياسية والأحزاب تشعر بخطر وجودها وإهتزاز كيانها وأدواتها.
فبدأت بعرقلة عمل الحكومة وخصوصا بعد إقرارها لخطة إقتصادية للتعافي وصفها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون “بالتاريخية” بعدما كاد عدم التخطيط وعدم استشراف المستقبل أن يصل بالوضع الى الخراب”. عندما دعا الرئيس عون ورئيس الحكومة حسان دياب إلى دعم الخطة المقترحة لإنقاذ الاقتصاد عبر طلب دعم صندوق النقد الدولي، وعدم تصفية الحسابات السياسية لتجنيب لبنان أوضاعا أكثر خطورة كان بهدف القول أن المسؤولية ليست مسؤولية جهة سياسية واحدة بل هي من مسؤولية الجميع، فانتفضت المنظومة العميقة بأركانها متناسية ما إقترفت أياديها من معاصي بحق الشعب اللبناني والوطن.
اليوم، وبعد تعثّر الخطة الإنقاذية تُرمى التهم جزافاً على رئيس الحكومة حسان دياب ويتهم بالتقصير. ولكن هل رئيس الحكومة هو صاحب القرار وحده لإتخاذ القرارات في مجلس الورزاء لتحميله وزر الأزمات الإقتصادية – المالية . بحسب الدستور أناطت المادة 65 السلطة الإجرائية بمجلس الورزاء مجتمعاً وليس برئيسها حصرا. أماّ الوزراء الذين عُينوا كوزراء تكنوقراط ومستقلين فهم بالحقيقة معيّنون من قبل بعض الأحزاب، في هذا السياق، نجد أن البعض منهم ينفّذ السياسة العامة للدولة في جمیع المجالات ووضع مشاریع القوانین و المراسیم التنظیمیة واتخاذ القرارات اللازمة لتطبیقها (المادة 65) وفق أهواء حزبه لا وفق سياسة مجلس الوزراء “التكنوقراطي” أو وفقاً لمصالحه مع جهة ما .
بعض الأمثلة على ذلك، ينتهي عقد تزويد لبنان بالطاقة الكهربائية من سوريا منذ 4\3\2020، وفي تقرير أعدّه موقع “مصدر دبلوماسي” ونشر اليوم أن الكميات التي يمكن لسوريا أن تزود لبنان بها تصل الى 280 ميغاوات، كل ما يحتاجه الامر انعقاد اجتماع تنسيقي يرفضه الجانب اللبناني في حين انعقد آخر اجتماع عمل بين الجانبين في لجنة الكهرباء المشتركة في 5\3\ 2019. فيما طلب الجانب السوري تحديد موعد لإجتماع وذلك عبر طلب رسمي من وزارة الطاقة اللبنانية لكن الأخيرة لم تتجاوب لغاية ىاليوم، بينما لبنان غارق في العتمة الدامسة التي تزداد يوما بعد يوم بفعل مشكلة الكهرباء وقلة الفيول. تدعي وزارة الطاقة أن هذا الاستجرار يخالف قانون قيصر للعقوبات ضد سوريا، لكن توقف الاجتماعات وانتهاء مدة العقد حصل في آذار الماضي، وقانون قيصر بدأ العمل به في 17 حزيران الفائت، من جهة ثانية تقول أوساط دبلوماسية واسعة الاطلاع بأن “قانون قيصر لا يشمل استجرار الطاقة بل يحظر المساعدة في تطوير معامل الكهرباء في سوريا.
ما بالنسبة لوزير الإقتصاد الذي قرر رفع سعر ربطة الخبز إلى 2000 ليرة تشير مصادر اعلامية بأن رئيس الحكومة طلب من وزير الإقتصاد العودة عن قراره ولكن الأخير أصرّ على ذلك. فيما المعضلة الأخطر بحسب ما ذكرت مصادر وزارية قريبة من بعبدا لإحدى الصحف بأنه “عندما سئل وزير المال داخل مجلس الوزراء عما اذا كانوا معترضين على “كرول” اما على مبدأ التدقيق المالي المركز الجنائي الـ forensic audit أجاب وزير المال حرفيا ان الجهة السياسية التي امثل لا تريد تدقيقا مركزا تشريحيا بل تكتفي بالتدقيق المالي المحاسبي فقط او ما يعرف بالـaccounting audit فقد كانت هي الحجة لرفض هذا التدقيق التشريحي الذي يعرف بأنه ارفع تدقيق يساهم وفق ما اكد رئيس الجمهورية خلال الجلسة في معرفة كيفية انفاق المال ما يسهل في كشف مواقع الفساد ومكامن الخسائر معلنا ان اليهود موجودون في كل شركات التدقيق المالية وهناك لبنانيون يهود ومشكلتنا مع اسرائيل وليس مع الطائفة اليهودية .
إذاً لا شك بأن تلك النماذج الوزارية تُعرقل الرئيس دياب لا بل تُهدد بالإستقالة من الحكومة، ما يتضّح للعيان، بأن الوزراء ليسوا مستقلين عمّن عيّنهم لا بل أنهم مرتهنين لتلك الأوامر، وهذا ما دفع الرئيس دياب الى طرح سؤال أساسي على كل وزير بشخصه قائلاً “هل كان أحد يعتقد أن دخوله إلى الحكومة هو “برستيج”، وأنه لم يتوقّع مواجهة تحديات صعبة ؟ مؤكداً من جهة أخرى بأنه على يقين أن كل واحد منهم كان يدرك إلى أين أتى، ويعلم ما ينتظره”.
أما بالنسبة للمنظومة العميقة التي تكمن في المصارف والبنوك الخاصة إلى جانب المصرف المركزي فهم المعرقل الأساسي للخطة الإقتصادية . ما قاله “مارتن سيريزولا” ممثل صندوق النقد المكلف بالتفاوض مع لبنان لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ونقلته صحف لبنانية هو دليل إضافي على العرقلة متهماً إيّاه بأنه يُشعل السوق السوداء لسعر الصرف. ما دفع دياب اليوم للتهجّم على تلك المنظومة بأنهم “يلعبون لعبة رفع سعر الدولار الأميركي، والمضاربة على الليرة اللبنانية، ويحاولون تعطيل إجراءات الحكومة لمعالجة ارتفاع سعر الدولار بحيث أصبحت لعبة الدولار مكشوفة ومفضوحة. كما رفع الصوت عالياً قائلاً بأنهم “يطالبوننا بإجراءات مالية، ويهرّبون الأموال إلى الخارج ويمنعون التحويلات إلى البلد ويعطلون فتح الاعتمادات للفيول والمازوت والدواء والطحين، ليقطعوا الكهرباء عن اللبنانيين ويُجوّعونهم ويتركونهم يموتون من دون أدوية. بالإضافة الى ذلك، يتحدّثون عن حرصهم على لبنان ومساعدة الشعب اللبناني” . أما فيما يخص تقرير “لجنة تقصّي الحقائق” التي قدمها النائب إبراهيم كنعان إلى رئيس مجلس النواب نبيه برّي ينسف كلّ ما ورد في خطة “التعافي المالي” الحكومية، مُتبنّياً أرقام المصارف ومصرف لبنان لا أرقام الحكومة، رغم أنّ كنعان أكّد مراراً أنه ليس طرفاً.
إذاً، بعدما جرى وما يجري من تصاعد للأحداث وانحدار إقتصادي مالي، وفي ظلّ التطورات الإقليمية والدولية المتأزمة، يبدو أن الرئيس دياب الآتي من وجع الشعب، المنتفض على المنظومة العميقة يحاولون إخراجه من السرايا بشتّى الطرق لما يُدركه من فضائح لأركان وأدوات تلك المنظومة التي لا تزال متجذّرة في مؤسسات الدولة كافة. ولعلّ ما أطلقه اليوم من صرخة، تكفي لتبيان حقيقة ما يجري من خفايا داخلية وتدخلات خارجية. مع ذلك، يقول بأننا سنكمل الطريق وسنخوض هذه التحديات، ونحاول التخفيف من سرعة الانهيار وحجم الصدمة والأضرار التي ستصيب البلد. انطلاقاً مما ذكر، ثمّة بوادر لتسوية تلوح في الأفق وهذا ما أشار إليه رئيس حزب التوحيد وئام وهاب” بأن هناك مفاوضات تدور في المجالس المغلقة لتشكيل حكومة والخلاف على بعض التفاصيل”. لعلّ رئيس الحكومة حسان دياب الذي أتى نتيجة إستفحال تلك المنظومة بمؤسسات الدولة المؤسساتية ومنها السلطة التنفيذية والتشريعية لن يخضع لأية منظومة لأنه ليس منها ولن يكون. فهي التي أذلّت المواطنين بفسادها ومحاصصتها للحكم، فكانت حين تتفق تأكل الشعب وحين تختلف تُدمر الوطن. فهل من الممكن بعد أن يقبلها الشعب اللبناني “العظيم” بعدما أطيح بأمواله وتمّ إفقاره؟
*رانيا حتّي: أكاديمية وباحثة لبنانية