“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
يشبه “مثول” سفيرة الولايات المتحدة الأميركية دوروثي شيا بعد ظهر اليوم الاثنين في “قصر بسترس” في حضرة وزير الخارجية والمغتربين ناصيف حتّي الذي استدعاها على خلفية مقابلة أجرتها يوم الجمعة الفائت عبر قناة “الحدث” السعودية هاجمت فيها “حزب الله” وحمّلته وزر الأزمة الاقتصادية ما شكّل خرقا للبند الـ41 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، مسرحية تراجيدية من العيار الثقيل.
ولعلّ البيان الصادر عن وزارة الخارجية والمغتربين يغني عن أيّ تفسير، فهو لم يتطرق لا من قر يب ولا من بعيد الى “خرق” الأعراف الدبلوماسية الذي اقترفته شيا. قال البيان بأن الوزير ناصيف حتّي “تطرق مع السفيرة الى القرار القضائي الذي صدر أخيرا”.
وهذا يشير بوضوح الى قرار القاضي محمد المازح يوم الأحد الذي منع بموجبه وسائل الاعلام من استصراح شيا كون الأخيرة محصّنة بشكل ناجز باتفاقية فيينا التي تمنحها حصانة قضائية تامة، فاستدار القاضي المذكور نحو وسائل الاعلام لتقييد عملها وتحديد اجندتها في سابقة غير مأنوسة في لبنان.
أضاف بيان وزارة الخارجية والمغتربين بأن الوزير حتّي شدد خلال اللقاء على “حرية الاعلام والتعبير وهما مقدسان” وأضاف البيان:” وكان نقاش صريح في المستجدات الحالية على الساحة المحلية”. لتكون الخاتمة:“جرى خلال اللقاء التطرق الى العلاقات الثنائية التي تجمع البلدين والشعبين اللبناني والأميركي وشددا على اهمية التعاون بين الحكومتين في المجالات كافة وذلك دعما للبنان للخروج من الازمة الاقتصادية التي يعاني منها”.
لم يتطرق البيان الى أية رسالة وجهها الوزير حتي لشيا، ولم يشر الى أنه ذكرها بتعاميم وزارة الخارجية والمغتربين السابقة للبعثات الدبلوماسية العاملة في لبنان والتي تطلب الالتزام باتفاقية فيينا، ولم نعرف إن أخبرها بأن “حزب الله” هو مكوّن لبناني ولا يحق لها مهاجمته عبر المنابر الاعلامية بل الاكتفاء بالتعبير عن موقف بلدها عبر القنوات الدبلوماسية، ولم نعرف إن ذكّرها بالمادة 41 من اتفاقية فيينا أو بالمروسم الاشتراعي الرقم 111 الصادر عام 1959 والذي يحدد كيفية تعاطي البعثات الاجنبية مع وزارة الخارجية، ولم يشر أحد الى تذكير الوزير حتّي لها بأـنها سفيرة معتمدة أي أنها تشكّل جسر تواصل بين بلدها ولبنان ولا يسعها انتقاد الشؤون الداخلية في البلد.
كل ذلك لم نعرف إن دار في حوار ال35 دقيقة في مكتب الوزير حتي حيث حضر اللقاء مدير مكتبه المستشار هادي الهاشم، حتى السفيرة شيا فإنها اكتفت بتصريح موجز للاعلاميين جاء فيه:
” لقد كان لقائي مع الوزير حتي ايجابيا حيث شددنا على ضرورة تقوية العلاقات الثنائية، والمسألة الابرز التي بحثناها كانت القرار القضائي، وقد طوينا الصفحة على القرار المؤسف الذي ارى فيه تحييدا للانظار عن الازمة الحقيقية المتمثلة بتدهور الوضع الاقتصادي في لبنان.
واضافت: الولايات المتحدة مستعدة وستواصل مساعدة لبنان طالما تتخذ الحكومة الخطوات اللازمة لمعالجة اسباب الازمة”.
ولفتت الى ان بلادها تقدر التعاون لتعزيز مصالحنا المشتركة العديدة واهدافنا المتبادلة في هذه الاوقات العصيبة بشكل خاص”. واضافت: ا”ؤكد لكم ان علاقتنا الثنائية قوية وسنواصل تقديم كل ما يعود بالنفع على شعبي بلدينا”.
حرب بالسلاح الأبيض بين اميركا وإيران في لبنان
لقد وصل الصراع الأميركي الايراني حدّ استخدام السلاح الأبيض، من غير اقامة وزن لما يحدث في الساحة التي يدور فيها القتال، وليس مجديا بالأصل أن يذكّر حتي شيا بواجباتها كسفيرة فهي دبلوماسية مخضرمة عيّنت من قبل الرئيس دونالد ترامب في شباط الفائت، ويكفي الاطلاع على سيرتها الدبلوماسية للتأكد بأنها تعرف اتفاقية فيينا جيدا، لكن وعلى غرار الرئيس ترامب تضع هذه الاتفاقية ومثيلاتها على الهامش حين يتعلق الأمر بالتعبير عن موقف بلادها ولو من على المنابر الاعلامية وهو أمر محظور في العمل الدبلوماسي. بأي حال من المجدي إعادة قراءة سيرة السفيرة شيا لأنها تؤكد أن ما تصرّح به ليس عفويا ولا خطأ مهنيا ولا كلاما سقط سهوا بل هي رسائل مخطط لها وتستجلب ردود فعل كان ابرزها الحكم القضائي الذي شابته الكثير من الشوائب الى درجة أنه لا يطبق. ماذا في سيرة شيا بحسب الموقع الرسمي للسفارة الاميركية في بيروت؟
من هي دوروثي شيا؟
دوروثي ك. شيا، موظفة في الكادر العالي في السلك الدبلوماسي مع خبرة ثمانية وعشرين عاما. تمت تسميتها من قبل الرئيس دونالد ترامب كسفيرة لدى الجمهورية اللبنانية في 14 شباط، 2020 . عملت السيدة شيا، سابقا، كنائب لرئيس البعثة في السفارة الأميركية في القاهرة. كما عملت ايضا ما بين عامي 2014 و 2017 كنائب للمسؤول الرئيسي في القنصلية الأميركية العامة في القدس. وقبل ذلك، عملت، ما بين عامي 2011 و 2014 كمديرة لدائرة آسيا والشرق الأدنى في “مكتب وزارة الخارجية الأميركية لشؤون السكان واللاجئين والهجرة”. درست السيدة شيا في الكلية الحربية الوطنية National War College، حيث حصلت على درجة ماجستير في استراتيجية الأمن القومي.
بين عامي 2009 و 2010 شغلت منصب كبير الموظفين في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، حيث غطت قضايا الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ما بين عامي 2006 و 2009، شغلت منصب مستشارة الشؤون السياسية والاقتصادية في السفارة الأميركية في تونس.
كما أن مناصبها السابقة في الخارج، شملت مركز المسؤول السياسي في السفارة الأميركية في تل أبيب، حيث عملت على موضوع “عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية” ؛ وقد كان أول منصب لها في الخارج في جوهانسبرغ، جنوب إفريقيا، أثناء انتقال ذلك البلد من نظام الفصل العنصري إلى الديمقراطية.
عملت السيدة شيا أيضًا في العديد من المناصب في وزارة الخارجية، منها: المسؤولة عن مكتب نيجيريا، وموظف مراقب، ومساعد لموظفي “تخطيط السياسات” ، ومساعد خاص في مكتب “قضايا جرائم الحرب”. وبين عامي 2000 و 2001 عملت مع مجلس الأمن القومي كمديرة لحقوق الإنسان. وفي العام 1998 كانت لديها فرصة الحصول على منصب في مركز ابحاث “مجلس العلاقات الخارجية” Council on Foreign Relations ، حيث حاضرت خلالها في جامعة ويتواترسراند Witwatersrand في جوهانسبرغ، جنوب إفريقيا، وألّفت كتابًا حول موضوع “لجنة الحقيقة والمصالحة” في جنوب إفريقيا.
حصلت السيدة شيا على العديد من جوائز الشرف والأوسمة الرفيعة في مجرى حياتها المهنية. كما أنها، بالإضافة إلى شهادتها من الكلية الحربية الوطنية، حصلت على شهادات من جامعة فرجينيا وجامعة جورج تاون، وهي تتكلم اللغتين الفرنسية والعربية.