مقالات مختارة- رضوان عقيل:
مجلة الأمن العام
تناقش الكتل النيابية مندرجات الخطة الاقتصادية التي وضعتها الحكومة قبل بتها مع صندوق النقد الدولي، لاسيما وانه في حال تطبيقها قد يتغير الوجه المالي للبنان. يعد البرلمان خلاصة ملاحظاته عليها، بحيث من المتوقع اقرار 22 قانونا لتأخذ الخطة طريقها الى التطبيق.
لا يتعاطى اصحاب الخطة الاقتصادية الاصلاحية على قاعدة انها منزلة. هذا ما يؤكده رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة حسان دياب، بحيث ان مساحة اجراء التعديلات عليها مفتوحة تحت قبة البرلمان التي تشكل الممر الالزامي لبدء تنفيذها، وقد تلقى صندوق النقد الدولي والجهات الدولية هذه الرسالة.
يضيء رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان لـ”الامن العام” على مسار الخطة التي يجري تشريح حروفها وارقامها واهدافها، وما تضمنته في المطبخ النيابي، حيث شارك في هذا العمل النواب من مختلف الكتل سواء كانوا من الموالاة ام من المعارضة. مع الاشارة الى ان خلاصات ما سيتم التوصل اليها مع صندوق النقد، واقرار الحكومة لها في نهاية المطاف، سينقل الوجهة الاقتصادية والمالية في لبنان من ضفة الى اخرى.
* كيف تعاين رحلة الخطة الاقتصادية في البرلمان؟
– عقدنا اكثر من جلسة لمناقشة رحلة الخطة وكانت كلها “حرزانة”، وذلك من خلال حضور نيابي في الجلسات التي عقدتها لجنة المال والموازنة حيث شارك ما يزيد عن 50 نائبا، في حضور وزيري المال غازي وزني والاقتصاد راوول نعمه، فيما نلمس اهتماما كبيرا من طرف النواب. عقدنا اكثر من جلسة في حضور ممثلين لجمعية المصارف ومصرف لبنان فضلا عن الهيئات الاقتصادية. نعمل على تعويض النقص في الخطة الذي عبّر عنه القطاع الخاص الذي اعتبر انه لم تجر مشاورته، وهذا ما تم نقله الى الكتل النيابية. اركز هنا على المعنيين بالخطة في هذا القطاع، من جمعية المصارف الى رجال الاعمال اضافة الى نقابات المهن الحرة، ان الخطة المطروحة تطاول كل نواحي المجتمع وقطاعاته من المحامين والاساتذة وغيرهم، مع التركيز على النظام التقاعدي والضريبي. تلقينا كتبا من اكثر النقابات تقريبا، تفيد انه لم يتم التحدث معها في موضوع الخطة. وكما هو معلوم، يشكل البرلمان نقطة حوار ونقاش ويستمع الى الجميع. نحن نحرص في اللجان النيابية وقبل اصدارنا قوانين او اي مواقف اخذ آراء جميع الجهات المعنية بهذه الملفات المطروحة، فكيف بالحري امام خطة استثنائية ستغير في النهاية كل الحياة الاقتصادية في البلد، وقد تصل الى تغيير الهوية الاقتصادية اللبنانية من نظام اقتصادي حر الى موجه، بحسب ما يطرح البعض ويعبّر عن قلقه. نحن لا نتبنى اي شيء، لكننا ننقل القلق الذي نسمعه من الكتل والجهات الاقتصادية وغيرها.
* يفهم من كلامك انهم يعبّرون عن قلق كبير ويعارضون مضمون هذه الخطة؟
– عبّرت هذه الجهات عن قلقها في العلن وثمة بيانات تصدر في هذا الخصوص. من هذا المنطلق، ما قمنا به هو اننا استمعنا الى الوزراء وطرح النواب اسئلتهم وهواجسهم. نحن نقوم بتحليل الارقام المطروحة، وتم التوقف عند دستورية وقانونية بعض النواحي الواردة في الخطة مثل الملكية الخاصة التي وردت في الفقرة (و) من الدستور والتي لا تسمح بالمس بها وهي مقدسة. ثمة نقاط في الخطة تمس هذه الملكية في مكان ما، اي بمعنى هناك دخول على الودائع في المصارف من خلال محاور: سعر صرف الليرة الذي تم حسبانه في الخطة اي بمساواة الدولار بـ 3500 ليرة. فاذا تم تطبيق هذا الامر وجرى تعميمه يشكل “هيركات” مباشر وخصوصا مع تبدل قيمة هذه الاموال، مواكبة الصندوق السيادي وفق الشكل المطروح به لاعطاء المودعين حصصا في هذا الصندوق. المطروح في هذا المشروع ان تتم تغذيته من استعادة الاموال المنهوبة وهي ليست في اليد حتى اليوم. ثمة احتمالات في استعادة مبالغ من هذه الاموال او لا يحصل هذا الامر. في دول العالم التي تابعت هذا الموضوع، وبحسب دراسة اعدتها الامم المتحدة، لم يتم استرجاع اكثر من 45 في المئة من الارقام المطروحة، وقد عرضت هذه الدراسة علينا في اثناء مناقشتنا قانون استرجاع الاموال المنهوبة. هناك ايضا عملية طرح بعض النقاط التي تناولتها الخطة والمتعلقة بالخسائر والتي قدمتها، حيث تقول ان هذه الخسائر التي تبلغ 241 الف مليار ليرة هي خسائر غير محققة بعد. نسأل هنا كيف تم البناء على هذه الحصيلة، ولماذا تم اخذ 73 الف مليار من الدين العام مع اعتبار انه سيتم اقفاله اضافة الى اخذ 66 الف مليار من مصرف لبنان و40 الف مليار من المصارف على اساس انها توظيفات في القطاع الخاص. ثمة من يقول من المعترضين على الخطة، ان هذه الارقام ليست خسائر ونحن لا نقوم بعملية تصفية هنا. لماذا يتم تكبير الحجر على انفسنا لندخل الى المصارف والودائع. قد يؤدي هذا الامر الى افلاس اقتصاد كامل وتوقفه، وسيكون الانعكاس سلبيا على “موتور” الاقتصاد في البلد.
* اين وجدتم النقاط الايجابية في الخطة؟
– من النقاط الايجابية فيها انه اصبح هناك اطار يمكننا النقاش حوله او رؤية يمكن ان نساهم في اصلاحها. ما لمسته في الاجتماعات التي عقدها بعيدا من الاعلام مع الرئيس نبيه بري الذي كان من اول المشوار وقبل طرح الخطة، وشدد على حفظ الودائع واحترام الملكية الخاصة ووضعها في مرتبة الخط الاحمر. تشاركت معه في هذه النقطة ولا رجوع فيها الى الوراء. تلقينا من رئيس المجلس موقفا داعما لما نقوم به في هذه اللجنة وقد رحب بالنقاش الجدي المطروح من خلال وضعنا تصورا مشتركا يؤدي الى انقاذ البلد. التقيت ايضا رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة حسان دياب واكدا لي ان هذه الخطة ليست منزلة، وهما في النهاية لا يعارضان وضع تعديلات عليها.
* الم تلاحظ ان همّ الخطة كان مخاطبة صندوق النقد الدولي والحصول على رضاه؟
– لاحظنا ان صندوق النقد مذكور في كل صفحة، بحيث ان الرسالة التي تشتمها منها ان من دونه لن يتحقق اي انقاذ. لقد طرحنا كنواب الخطة (ب) لانه في حال، ولسبب ما، لم يوافق صندوق النقد على تقديم هذه القروض او اذا لم ير لبنان مصلحته في الشروط التي ستطرح عليه، تبقى كل الاحتمالات واردة. علينا التفتيش هنا عن حلول اخرى، وان لم تكن في حجم الحل الاول اي الذهاب الى الصندوق.
* ثمة 22 قانونا تحضر لها الحكومة لمواكبة عمل الخطة كيف سيواكبها المجلس؟
– من الواضح انه اذا لم يحصل تعديل في الخطة بمعنى الاخذ في الاعتبار او محاكاة الهواجس المطروحة وتخرج من الواقع الذي وضعت حالها فيه لن تكون الاجواء ايجابية، علما ان الكتل تطالب باحداث تعديلات على عدد من بنودها. في المقابل، لا يجب ان نذهب الى السلبية وقد لمسنا من الحكومة انها على استعداد لاجراء تعديلات في الخطة على اعتبار ان لا شيء منزلا. سمعت هذا الكلام من الرئيس دياب الذي قال انه مستعد للمناقشة ولم يتشبث بطروحاته. لا يستطيع احد ان يكون مقفلا امام مجلس النواب. هناك عدد من المواضيع تحتاج الى قوانين وهي تصل الى 22 قانونا سيقرها المجلس لاطلاق الخطة، واذا لم يمش المجلس بها لا يمكن تطبيقها. لن نتدخل في عمل الحكومة، لكن اذا فضلت طرح مسودة قوانينها اولا من باب التعاون لا مانع لدينا ولا مشكلة، واذا عملت عكس ذلك لا مشكلة ايضا من باب تطبيق فصل السلطات. في النهاية لن تقر هذه القوانين او تعدل او يتم ردها الا في المجلس، ووصلت الرسالة الى كل الجهات المحلية والدولية ان الممر الالزامي لأي خطة اصلاحية يستوجب هذا الكم من التعديلات القانونية الاساسية التي تعيد هيكلة القطاع المصرفي والدين العام وعقد اتفاقات على تمويل يتخطى مليارات الدولارات مع الصندوق النقد، اضافة الى تعديل القوانين الضريبية وغيرها. علما ان هذه الامور لا تولد بقرار.
* الا تتوقعون حصول معارضة شديدة للخطة من الكتل غير الممثلة في الحكومة؟
– تشارك كل الكتل في لجنة المال، واكثر الحاضرين كانوا من الكتل المعارضة حتى من الجهات التي قاطعت لقاء بعبدا فعبّرت عن ارتياحها الى اجواء النقاشات التي تتناول الخطة. منذ اليوم الاول، توصلنا الى جملة من النقاط المشتركة بين الكتل، ولم ار من كتل المستقبل والتنمية والتحرير والوفاء للمقاومة والقوات اللبنانية والكتل الاخرى الا تقاطعات حيال اكثر من نقطة، مثل الحفاظ على الملكية الخاصة. عندما ناقشنا الخسائر المطروحة وانعكاساتها على الاقتصاد وطريقة احتسابها، حصل ايضا تقاطع كبير. لم اشعر لحظة ان النقاش مسيس، بل كان خارج اطار الاصطفاف السياسي اليوم بين المعارضة والموالاة. لا احد يحاسب الحكومة من المعارضة على خلفية المعارضة.
* كيف سيواجه المجلس اذا قررت الحكومة رفع الدعم عن الطحين والمحروقات بناء على طلب صندوق النقد؟
– هذا الموضوع سيمر في المجلس قبل ان يصل الى الصندوق، فيما نناقش حاليا الخطوط العريضة للخطة، وبالتالي فان الحكومة ستكون حكيمة بما ستطرحه على الصندوق كي لا تقع في المحظور ومن اجل ان لا تلتزم امرا لا تستطيع تطبيقه.
* ماذا لمستم من صندوق النقد؟
– التقيت مع زميلي ياسين جابر مندوبين لصندوق النقد عند تقديمهم المشورة التقنية في اثناء جولاتهم على عدد من المسؤولين. في كل سنة عندما يحضر فريق صندوق النقد، يقوم بجولة على الجهات المعنية بالعملية المالية. التشريع المالي في البرلمان والاصلاحات المالية التي طرحتها لجنة المال كانت متقدمة جدا خلال السنوات الاخيرة، ولو تم تطبيقها لما وصلنا الى هذا الواقع.
* هل وقفتم في موضوع الخطة امام رأي حاكم مصرف لبنان رياض سلامة؟
– لا مانع من حصول هذا الامر. لا يجب طرح الموضوع من باب وجود مشكلات بين هذا الفريق او ذاك بل يجب تطبيق ما تنص عليه المؤسسات الدستورية على الرغم من وجود خلافات بين الكتل النيابية. لذلك المطلوب ان تناقش في المجلس وهذا هو الامر الذي يحصل. هذا هو الموقع الاساس الذي تطبخ فيه السياسات والتشريعات المالية.
* خلاصة ما تناقشونه في المجلس في مقاربة الخطة هل ستضعونه في تقرير ويتم رفعه الى رئيسي المجلس والحكومة؟
– بالتأكيد. هذا الجهد الاستثنائي القائم على اداء ممتاز من طرفي الوزراء والنواب، يتبلور في هذه الخلاصة التي ستتضمن اقتراحات عملية. مشاركة سائر الاطراف في هذه النقاشات تحت قبة البرلمان هو تحد للبنان وديموقراطيته. هذا الامر يعبّر عن رقي المؤسسات الدستورية وخصوصا في البرلمان. سنرفع هذه الخلاصة بعد انتهاء المطابخ الشغالة لها الى رئيس المجلس، وربما سيطرحها في جلسة عامة او سيتم الاعلان عنها كي تصبح ملك الرأي العام.
*نشرت هذه المقابلة في العدد 81 من مجلة الامن العام الصادرة في حزيران 2020