مقالات مختارة- مارلين خليفة:
يبدو ان التعاون الدولي بات عند منعطف حقيقي بعد جائحة كوفيد – 19. هذا التعاون الذي رسخته الديبلوماسية المتعددة الاطراف منذ الحرب العالمية الاولى بعد تأسيس عصبة الامم التي تحولت الى الامم المتحدة، تبدو اسسه اليوم في حاجة الى اعادة تدعيم وخصوصا عبر الكيانات الدولية التي ارساها وفي مقدمها الامم المتحدة وعملياتها والاتحاد الاوروبي
اظهرت جائحة كورونا الكونية انه لا يمكن مواجهتها بحلول محلية او فردية او ان تقوم كل دولة بمكافحتها على حدة، بل يتطلب جبهها حلا شاملا ومتعدد الطرف لان خطرها بات يطاول الجميع من دون استثناء. لذا كان ينبغي على الجميع ان يشاركوا في مواجهة هذه الجائحة. وهذا ما جعل الدبلوماسية المتعددة الاطراف تصبح اكثر الحاحا في هذه الظروف. عززت الامم المتحدة مسعاها في هذا السياق، منطلقة من مقولة ان “لا احد آمنا من هذا المرض الا اذا كان الجميع آمنين منه”.
في رسالة وجهها في مناسبة اليوم الدولي لتعددية الطرف والدبلوماسية، اعترف الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيرس بأن “التعاون الدولي يجب ان يتكيف مع تغير الازمنة”. ولفت قائلا: “نحن في حاجة الى تعددية الاطراف الموصولة شبكيا من اجل تعزيز التنسيق بين جميع المنظمات العالمية المتعددة الطرف في ظل وجود منظمات اقليمية قادرة على تقديم مساهماتها الحيوية، والى تعددية اطراف شاملة تقوم على التفاعل المكثف مع المجتمع المدني والمؤسسات التجارية والسلطات المحلية والاقليمية واصحاب المصلحة الاخرين، يكون فيها صوت الشباب حاسما في تشكيل مستقبلنا”.
اعادت جائحة فيروس – 19 تذكير البشر بمدى ارتباطهم ببعضهم بعضا، خصوصا وان “الفيروس لا يعرف حدودا ويمثل في جوهره تحديا عالميا، ولا بد من اجل التصدي له ان نعمل كأسرة انسانية واحدة”، بحسب غوتيرس. بالتالي، ان هذا الحل الدولي والكوني يتطلب جهودا حثيثة وخصوصا من الامم المتحدة حيث تتلاقى عادة190 دولة، تتناقش وتتحاور في بينها، ولبنان من ضمن هذه الدول وهو يحاول التعاون معها الى اقصى الحدود، ليكون قادرا على ايجاد حلول من جهة ولكي يستفيد من جهة ثانية من الحلول الدولية التي يتم الاعداد لها سواء في ما يخص المساعدات الانسانية او المالية او العينية، فيكون جزءا من اي جهد يتم في الامم المتحدة.
في هذا الاطار، شارك لبنان في قرارات عدة اصدرتها الجمعية العامة للامم المتحدة حول كوفيد – 19، تتعلق في مجملها بالتعاون في مجالات عدة سواء بمواضيع الحق في الصحة ودعم المسنين وحماية الاطفال، ووقّع بيان تضامن مع مدينة نيويورك وآخر داعم لجهود الامين العام حول تأثير كورونا على المسنين وحمايتهم لانهم الاكثر تأثرا بالجائحة. ثمة مشروع بيان يعني لبنان حول “وباء كورونا والديون” لمعرفة كيف يمكن مساعدة الدول ذات نسبة الاستدانة العالية لكي تسدد ديونها، وبالتالي اذا حصل جهد دولي للتخفيف من ديون الدول بسبب الوباء، قد ينعكس الامر ايجابيا على لبنان. لكن هذا الامر لا يزال في اطار المشاريع المنتظرة.
ومن البيانات المهمة التي شارك فيها لبنان بيان حول ضمان الوصول الى الادوية واللقاحات والمعدات الطبية لمعالجة كورونا، لأن الحديث يدور في العالم على ان اي لقاح عتيد قد لا يكون متاحا للجميع، وفيما تبذل الامم المتحدة جهودا لكي يصل اي لقاح الى الدول قاطبة، بصرف النظر عن احوالها المادية او اذا كانت دول نامية او متطورة. اذا تحولت مشاريع القرارات الى قرارات بفعل الديبلوماسية المتعددة الطرف ووافقت عليها الجمعية العامة للامم المتحدة، تلتزمها الدول وتعمل على تطبيقها، عندها يستفيد منها لبنان.
ماذا عن قوات حفظ السلام في العالم؟
يزيد دور الامم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمنظمات الاقليمية مثل الاتحاد الافريقي، وهي ذات اهمية استثنائية راهنا، وكذلك قوات حفظ السلام في العالم المطالبة بتنفيذ تفويضاتها بشكل ادق، وخصوصا مع تفشي الجائحة في الكثير من البلدان الموجودة فيها، وسط وجود بنية طبية قوية لدى هذه القوات وشبكات امداد وتموين، فهل ستستمر في عملها السابق؟
في رسالة مشتركة حملت عنوان: “مواصلة حفظة سلام الامم المتحدة لدورهم حتى النهاية هو امر محتوم الان”، كتب نائب الامين العام للامم المتحدة المنوط بعمليات الدعم الميداني اتول خير ونائب الامين العام للامم المتحدة لعمليات حفظ السلام جان بيير لاكروا في 4 ايار الفائت، ما يلي: “ان عمليات الامم المتحدة لحفظ السلام تعمل على تعزيز الاستقرار والامن في عدد من اخطر الاماكن في العالم واكثرها هشاشة. وقبل ان تلقي جائحة كوفيد – 19 بظلالها على هذه القوات، كان حفظة سلام الامم المتحدة من مدنيين وعسكريين وشرطيين يمثلون خطا ازرقا رفيعا يساعد على حماية المدنيين، ويدعم اتفاقات السلام المبرمة بين الاطراف المتنازعين، ويعمل على احتواء الصراعات في المناطق الساخنة ومناطق الحروب في جميع انحاء المعمورة”.
اضاف الديبلوماسيان الدوليان: “في حال انتشار فيروس كوفيد-19 او على الارجح عندما ينتشر انتشارا اوسع في البلدان التي اضعفتها الحرب وانهكها الفقر، فانه لن يهدد حياة الالاف من الناس فحسب، بل يمكنه ايضا ان يرجح كفة الميزان لصالح العودة الى الصراع واليأس عوضا عن حالة السلام الهش. فغالبا ما تعيش المجتمعات التي تتعافى من النزاع عند خط البقاء على قيد الحياة، حيث تواجه يوميا الفقر المدقع والنقص في الخدمات الصحية الاساسية. بالنسبة الى هذه المجتمعات، لا يمكن ان تكون المخاطر اكبر، ولم تكن اهمية المساعدات التي تقدمها الامم المتحدة في هذه الاونة اكبر من الان، في اي وقت مضى”.
وتعهد الدبلوماسيان قيام قوات حفظ السلام بالاتي:
* دعم الجهود المحلية لمكافحة انتشار فيروس كورونا المستجد.
* الحفاظ على سلامة موظفي الامم المتحدة وضمان حصولهم على افضل رعاية متاحة من خلال تعزيز الاختبارات الطبية وقدرات العلاج.
* التأكد على ان حفظة السلام قادرون على مواصلة عملهم من دون ان يصبحوا ناقلين للعدوى، وذلك من خلال ممارسة التباعد الاجتماعي وتدابير التخفيف الاخرى.
* مراجعة وتنقيح التفويضات الصعبة المكلفين انجازها لدعم السلام واحتواء الصراع حتى ابان انتشار كوفيد – .19
وتطرق الدبلوماسيان الى لبنان فعبّرا عن الالتزام بـ: “ضمان ان تقوم عمليات السلام التابعة للامم المتحدة بكل ما في وسعها لتكون جزءا لا يتجزأ من حلول مكافحة هذه الجائحة. فمن جمهورية افريقيا الوسطى الى لبنان، ومن الصومال الى مالي، يواصل افرادنا جاهدين انجاز ما اوكل اليهم من اعمال. انهم يفعلون ذلك بشجاعة وتفان ويبقون في الخطوط الامامية حتى عندما يقلقون بشأن اسرهم البعيدة عنهم في اوطانهم، وحتى عند اضطراب الحركة الجوية وخطوط الامداد المُثقلة بسبب الاستجابة العالمية لكوفيد – 19 بل حتى مع ظهور حالات اصابة في البلدان المضيفة”.
لكن، ما هي الاثار المترتبة على السياسات الدولية جراء ازمة كورونا؟
يقول مدير المعهد الالماني للشؤون الدولية والامنية فولكر بيرتس في تقرير له نشره في الفترة الاخيرة:
“من السابق لاوانه الادلاء ببيانات نهائية. غالبا ما تكون عبارة “لا شيء سيظل كما كان مرة اخرى” خاطئة دوما، فمن المنطقي ان نسأل ما الذي يمكن ان يتغير في السياسة الدولية بعد كورونا”.
يضيف: “في هذه المرحلة تبقى اية اجابات بطبيعتها موقتة، فمن المحتمل ان تؤدي ازمة كورونا الى مضاعفة جهود الولايات المتحدة من اجل فصل الصين، وبالتالي تعزيز الاتجاهات نحو نزع العولمة القطاعية. في بعض المناطق يمكن ان تظهر عولمة جديدة. من غير المحتمل ان ينتج التأثير الجيوسياسي الاوسع – على النظام الدولي والتنافس بين الدول والصراع والتعاون – صورة شاملة موحدة. يظل شكل العالم بعد الوباء خاضعا للارادة السياسية والقيادة وقدرة الجهات الفاعلة الدولية على التعاون”.
وسأل الديبلوماسي: “هل سيحد الوباء كما يوحي بعض المعلقين من التعاون المتعدد الطرف، ويضعف تاليا النظام الدولي القائم على القواعد؟”.
يقول: “ردت معظم الدول بشكل مبدئي من جانب واحد على الازمة، وقد تستمر في القيام بذلك. كما ابرزت الازمة الحاجة الى تعاون عالمي فعال، لذا من المرجح حصول تطورات غير متناسقة ومتناقضة، حتى ان القادة يقبلون اهمية منظمة الصحة العالمية واهمية التعاون في تبادل المعلومات وبحوث اللقاحات. من الممكن ان تولي الامم المتحدة والمنظمات الاقليمية اهتماما اكبر للانظمة الصحية والصحة العامة، وان هذا سيصحبه تعزيز منظمة الصحة العالمية وقواعد اكثر الزاما وموارد اكثر. بعد كل شيء، تشكل الانظمة الصحية الضعيفة في بعض البلدان تهديدا واضحا للاخرين”.
ويشير: “لا يجب ان نتوقع اي مبادرات مهمة لتعزيز التعاون المتعدد الطرف من قبل مجموعتيG7 او G20 في ظل رئاستهم الحالية. لكن قد يصبح من الاسهل وضع الصحة العامة على جدول اعمال مجلس الامن حتى من دون ربطها بقضايا الامن الكلاسيكية. لا ينبغي ان يكون هناك شك في ان الصحة العالمية ترتبط مباشرة بالسلام والامن الدوليين”.
*نشر هذا التقرير في العدد 81 من مجلة الأمن العام في عددها الصادر في حزيران 2020.