“مصدر دبلوماسي”
كتبت رانيا حتّي:
بعد إقرار الخطة الإقتصادية للتعافي، طلبت الحكومة اللبنانية رسمياً من صندوق النقد الدولي مساعدة لبنان لتخطّي الأزمة الإقتصادية الخطرة. تلك الخطوة وصفها رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب بـ”اللحظة المفصلية نحو إنقاذ لبنان من الهوة الإقتصادية”.
قد تكون المساعدة الدولية خطوة إيجابية لجهة إستعادة ثقة المجتمع الدولي وخصوصا بعد تخلف لبنان عن دفع سندات “اليوروبوندز”، لكنّ البعض يرى بأن القروض ستُغرق لبنان أكثر في الهوة بهدف إخضاعه لإملاءات وتوجهات خارجية قد يعجز عن تنفيذها .
ولتقييم الوضع وتبعاته على لبنان والعلاقة التي تربط قروض “صندوق النقد ” بالسياسة يجب العودة إلى آراء بعض الخبراء الإقتصاديين حول سياسة الصندوق المتبعة والإستطلاع عن تجارب بعض الدول التي إقترضت منه.
نظام الحصص: هيمنة أميركية؟
وضع صندوق النقد الدولي بعد إنشائه، نظام إقتصادي دولي جديد من أجل تحقيق التعاون الدولي في مجال النقد. وقام على أساس نظام الحصص الذي يتحّدد وفقاً لمعايير وضع الدولة في الإقتصاد العالمي وحجم التجارة الدولية و حجم الناتج القومي، أي بمقدار ما تمتلك الدولة من أموال في تلك المؤسسة، بمقدار ما تمتلك نسبة أكبر في التصويت.
ومن بين اولئك الأعضاء الذين يمتلكون الحصّة الأكبر من رأسمال الصندوق، الولايات المتحدة الأميركية حيث تمتلك بمفردها 17 في المئة من قوة التصويت وهي نسبة يمكن أن تًعطّل القرارات الحاسمة التي تتطلب أغلبية بنسبة 85 في المئة، الأمر الذي استدعى انتقاداً من المحلل الاقتصادي الاميركي “جوزف ستيغليتز” الذي قال “بأن الصندوق يخضع للسياسة الاميركية لانها تملك”حق الفيتو” داخل مجلس الحكام الذي يتخذ القرارات في المؤسسة، الامر الذي يؤمن سهولة اكبر لوزارة المالية الاميركية بممارسة نفوذها” متهماً الصندوق أيضاً بأنه يخدم فقط “مصالح الاسواق المالية والبلدان الصناعية المتطورة لا سيما الولايات المتحدة بينما لا يتجاوب مع الهموم الحقيقية للدول النامية”. بدوره، “ميشيل تشوسوفوديسكي” (أستاذ الاقتصاد في جامعة أوتاوا الذي عمل كمستشار اقتصادي لعدة حكومات دول نامية) إعتبر بأن “صندوق النقد الدولي قد يترك البلد أكثر فقراً مما كان عليه مع مديونية أكثر وصفوة حاكمة أكثر ثراء”.
القروض والسياسة
إنطلاقاً مما ذكر، يتضح بأن الدول المتعثرة إقتصادياً عليها مسايرة الولايات المتحدة الأميركية من أجل الحصول على قروض كما عليها الإمتثال لأوامرها، ذلك أن شروط الإقراض تهدف للتعامل مع الشركات التي يحددها الصندوق (شراء سلع ومواد أساسية).
إنّ لبنان مثلاً، الرازح تحت كاهل الديون والفوضى الإجتماعية والسياسية قد يتعرّض لإستغلال سياسي وراءه الكثير من الخفايا والتفاصيل الخطرة. إن مطالبة البعض بإسقاط النظام وتعديل القرار 1701 وتنفيذ القرار 1559، إلى جانب استكشاف النفط في بحر لبنان والنزاع الحاصل مع إسرائيل في المنطقة الإقتصادية على البلوك رقم (9) وترسيم الحدود البرية والبحرية بالإضافة إلى ما يحصل في المنطقة الإقليمية عامة من صفقة القرن، قانون قيصر، يُشير بأن البديل عن دفع الديون أو الإقتراض من الصندوق هو الخضوع للسياسة الأميركية. لا شكّ بأن التجربة المصرية التي أفصح عنها السفير المصري السابق في الولايات المتحدة الأميريكية “عبد الرؤوف الريدي” تؤكد الشك باليقين، ففي سنة 1990 بعدما “قررّ الرئيس المصري حسني مبارك، المشاركة في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لتحرير الكويت كما وتأييده الموقف الأميركي دخول العراق، شطب صندوق النقد الدولي ديون مصر التي كانت تساوي حوالي ٢٠ مليار $، كما أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش حينها إعفاء مصر من ديونها العسكرية للولايات المتحدة . ولكن بالمقابل، لا بد من الإشارة، بأن هناك القليل من الدول التي تحررت من صندوق النقد دون إملاءات أميركية مثل تركيا حين إستطاعت سنة 2013 تسديد القروض بعد قيامها بإصلاحات بنيوية. فهل للبنان القدرة في حال إقترض من الصندوق الإستفادة من المساعدة والتغلّب على أعباء الديون كما فعلت تركيا؟ أم سيغرق بالمزيد منها ويخضع لإرادة الدول المقرضة في ظلّ التحديات الخطيرة؟
إذاً، ما بين القروض والسياسة، يبقى على حكومة الرئيس دياب لإنقاذ لبنان تحدٍ و مسؤولية كبيرة للخروج من الهوة الإقتصادية وبالتفكير جدياً بإقتصاد إنتاجي (زراعي – صناعي) للنهوض من العجز والقيام بإصلاحات جذرية خارج الإستعانة بصندوق النقد كي لا يبقى لبنان رهينة أميركية وإقليمية يُجبر الدولة اللبنانية القبول بصفقة القرن أو بإبرام إتفاقية سلام مع إسرائيل أو أن تتحول ثرواته النفطية والغازية في بحره إلى سداد الديون بدل الإستثمار والنهوض من خلالها.
*أكاديمية وباحثة لبنانية
.