“مصدر دبلوماسي”
كتبت رانيا حتّي:
دخل “قانون قيصر” حيّز التنفيذ في ظلّ ما يعانيه لبنان من أزمة إقتصادية خطرة، فضلاً عن إرتفاع سعر الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية. لا شكّ بأن هذا “القانون” سيزيد من تلك الأزمة بشكل كبير على اعتبار أن ما يجري في سوريا غير منفصل عن لبنان والعكس صحيح، فالحدود بين البلدين هي حدود صداقة وتعاون إقتصادي نظراً الى تداخل المصالح المشتركة بينهما.
فما هي تداعيات “قانون سيزر” على لبنان؟
من الناحية القانونية، إنّ ” قانون سيزر” الذي وقّع عليه الرئيس دونالد ترامب بعد إقراره من الكونغرس الأميريكي، ليس له صفة شرعية أممية وبالتالي هو غير ملزم دولياً. بالمختصر، هو قانون أميركي يهدف بالدرجة الأولى الى “حماية المدنيين السوريين” بحسب ما ورد فيه، كما يقتصر على عقوبات أميركية على النظام السوري وعلى الأفراد والشركات كافة: البنك المركزي السوري وتصنيفه ضمن فئة البنوك ” المعنية بتبييض الأموال بصفة أساسية”، الشركات النفطية، شركات التشييد والبناء وعلى البلدان المجاورة التي توفر الدعم الاقتصادي.
أما من الناحية الإقتصادية، فلا شكّ بأن تداعياته ستكون سلبية على لبنان إنطلاقاً من :
- عزل لبنان إقتصادياً من خلال فرض عقوبات على الأفراد اللبنانيين الذين قد يوفّرون دعماً غير مباشر لمشاريع البناء والهندسة الخاصة بالحكومة السورية وهنا نعني بالتحديد إعادة إعمار سوريا.
- قطع العلاقات التجارية والمالية بين الشركات السورية – اللبنانية، فوفق أرقام إدارة الجمارك اللبنانية، كان يبلغ حجم التجارة الخاصة بين لبنان وسوريا في العام 2019 نحو 92 مليون دولار للاستيراد، ونحو 190 مليون دولار للتصدير. أما لجهة التجارة العامة فيبلغ حجم الاستيراد نحو 92 مليون دولار والتصدير 229 مليون دولار. ما يعني أن مجمل نشاط التبادل التجاري بين البلدين تقارب 603 مليون دولار.
- صعوبة القطاع الخاص في لبنان من التخلص من علاقاته مع كبار رجال الأعمال السوريين الذين تقبع حساباتهم المصرفية في مصارف لبنان.
- إقفال المعابر غير الشرعية من الجهة اللبنانية بإيعاز وطلب من صندوق النقد الدولي لوقف التهريب بين البلدين، ما يعني بذلك محاصرة الدولة السورية واللبنانية معاً، وعزل حزب الله عن محيطه بما فيه التواصل مع الجيش السوري هذا بالإضافة إلى وقف تهريب السلاح للحزب .
- قد يؤدي ” قانون قيصر” لتجميد عقود استجرار الطاقة الكهربائية من سوريا، إذ كانت قد وقّعت المؤسسة منذ ثلاثة عقود مع المؤسسة العامة لنقل الكهرباء من سوريا، إضافة إلى عقد تشغيل وصيانة شبكة تغذية وبئر مياه في قرية الطفيل اللبنانية. ما سيؤثر سلباً على الواقع الكهربائي في لبنان وزيادة التقنين.
إذاً، بناء مما تقدم، سيؤدي “قانون قيصر” الأميركي إلى إهتزاز في العلاقات الرسمية بين لبنان وسوريا، بدءاً من وقف التعاملات المالية والإقتصادية والتعاون والتبادل والاستثمارات والإيداعات وغير ذلك، ما سيشكل ضربة قاضية للاقتصاد اللبناني قبل السوري وتقويض لبنان قبل دمشق. بالإضافة إلى عزل لبنان عن سوريا باعتبار الأخيرة تشكل المنفذ البري الوحيد أمام لبنان على الشرق الأوسط والعالم. إنطلاقاً من ذلك، يتضّح بأنّ الهدف الأمييركي يصبّ بإتجاهين، أولاً، حصار لبنان وسوريا بالتزامن مع ما يجري في المنطقة الإقليمية المتعلقة بصفقة القرن وبين ما يحدث على الساحة اللبنانية من محاولة لتعديل القرار 1701 و ارتفاع الأصوات المطالبة بتنفيذ القرار 1559 أي نزع سلاح “حزب الله”. ثانياً، في ظلّ الصعود الروسي – الإيراني والصيني تريد الولايات المتحدة من خلال “قانون قيصر” إستعادة سيطرتها الإقتصادية والسياسية على منطقة الشرق الأوسط، بهدف القضاء نهائياً على محور الممانعة المتمثل بـ”حركة حماس” وتقويض إيران وروسيا والصين لفرض صفقة القرن وإبرام إتفاقية سلام مع إسرائيل.
في النهاية، لن يسمح محور “الممانعة ” الذي انتصر في حربه العسكرية ضدّ “داعش” في سوريا والمنطقة ومن ضمنه روسيا، بالتنازل للأميركي من خلال “قانون سيزر”. فكل ما يتطلب الأمر من الفريق المناهض لصفقة القرن بما فيه لبنان وسوريا التغلّب على تداعيات القرار الأميركي الآحادي بتخطيه للصعوبات الإقتصادية من خلال التحايل عليه بذكاء وبخطط استراتيجية الواقعية السياسية.
*رانيا حتّي أكاديمية وباحثة لبنانية