“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
يدور الهمس في الاروقة والصالونات حول تبدل في الصيغة اللبنانية وتتمحور الاسئلة حول: أي لبنان يتشكل في المرحلة المقبلة على المستويين السياسي والاقتصادي؟ مع تسجيل النخّب تصدّعا هيكليا في المعطى السيادي.
في موازاة ذلك، يبدو لبنان خارج دائرة اهتمام العالم العربي وهو امتداده الاستراتيجي والثقاقي والعروبي تاريخيا، ناهيك عن لامبالاة المجتمع الدولي بالرغم من بيانات “مجموعة الدعم الدولية” والدول والمنظمات المانحة في مؤتمر “سيدر”.
لا شك بأن جائحة كورونا أعادت كل طرف الى بيته الداخلي، لكنّ اليأس من إمكانية انقاذ لبنان فعل بدوره فعل الجائحة.
في هذا السياق، تحدث موقع “مصدر دبلوماسي” الى الخبير في السياسات العامة زياد الصائغ، الذي اعتبر بأن “السلطة السياسية بأطيافها كافة متواطئة في انهاء الهوية المبدعة في الحكم التشاركي للبنان، ما يعني الدفع غير المباشر لإنهاء الصيغة التي قام عليها لبنان في العام 1920، وكأننا أمام تمهيد لمئوية ثانية مختلفة كلّيا”.
يشير الصائغ في قراءته:” لم تكمن الاشكالية يوما في الصيغة التعددية، بل في سوء حوكمتها، عدا عن التداعيات الكارثية لنكبة فلسطين في العام 1948، وما تلا ذلك من ارتجاجات إقليمية ودولية مدمّرة تلقّفها اللبنانيون بتورّط مأزقي أنهوا فيه الميثاق بعد أن فشلوا في إدارة سليمة للصيغة”.
وهل من امكانية لانقاذ الصيغة والميثاق، يقول الصائغ:” إذا استمرت ثورة 17 تشرين في محاذرة مقاربة الخلل السيادي، والاغراق في تشخيص مكامن الخلل المالي-الاقتصادي- الاجتماعي حصرا، فإن لبنان سيكون مقبلا على انهيار كياني أكثر منه مجتمعي، ولست أكيدا أنه بعد وقوع الانهيار ثمة امكانية متاحة للبنان أفضل، فالصراع الذي نعيشه قائم على هوية لبنان نموذجا حضاريا ودوره في المنطقة والعالم بما هو عضو مؤسس في الامم المتحدة كما في جامعة الدول العربية، وكل كلام آخر في الازمات التي نواجهها تفصيل”.
ويؤكد الصائغ بأن “الديماغوجيا والشعبوية والارتجال سمات احترفتها السلطة في لبنان، ووقع اللبنانيون ضحيتها، وهذه السمات مستمرة وتمكنت من عزل لبنان عن العالم، وكرّست في مرحلة نسقا مركنتيليا استجدائيا في علاقة لبنان مع العالم، وكأنه متسوّل او منعدم الامكانات، وهذا غير صحيح، بل على العكس، فلبنان قادر حتى في هذه الازمة، وبدينامية داخلية ان يستعيد عافيته شرط ان تتنحى السلطة السياسية وأزلامها عن مربّع الشأن العام الذي حوّلوه مربّعا انتفاعيا خاصا، لكن المهم أن تقدّم ثورة 17 تشرين الأول قيادة وبرنامج حكم”.
وفي تصويب عن “المشرقية الصاعدة” قال الصائغ:” أوهام بائدة، وأحلاف أقلّوية مهجوسة بسلطوية قاتمة مع ايديولوجيا عتيقة، ولا علاقة لطرح مماثل باللامركزية الادارية الموسّعة، التي هي نهج حكم عصري بتجارب نموذجية دوليا”.
ويختم الصائغ مقاربته بقوله:” من أفشل النظام المركزي لا يمكن أن ينجح اللامركزي، ولبنان لا يمكن أن يحيا سوى في محيطه العربي، ملتزما قضاياه، كما في محيطه الدولي حيث يمكن ان يؤدي دورا أساسيا في بناء المواطنة الحاضنة للتنوّع كمثال في زمن الفوبياويات والكزينوفوبيا”.