“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة
كيف يمكن ضمان الاستمرارية الوظيفية للديبلوماسية الدولية وسط توقف الاجتماعات المباشرة بين كبار المسؤولين، وما هي خطط الديبلوماسيين الامميين والدوليين للمستقبل؟ ما الحلول العتيدة وما المخاطر الامنية، وما هي الحاجات التي يجب تطويرها في البلدان النامية كي لا يتم تهميشها في هذه المرحلة التي انتقلت فيها الديبلوماسية العالمية الى اجتماعات الاونلاين؟
سوغت الازمة التي تسبب بها وباء كوفيد – 19 التعامل عبر المواقع والمنصات الالكترونية في الاجتماعات والندوات الدولية والديبلوماسية الرفيعة المستوى: اجتمع المجلس الاوروبي ومجموعة الدول السبع في مؤتمرات عبر الفيديو المتعارف عليها بالفيديو كونفرانس، وذلك من اجل تأمين الاستمرارية في عملها.
من جهتها، تعكف الامم المتحدة والبرامج الديبلوماسية العالمية على التفتيش عن حلول وظيفية عملية بغية توفير الاستمرارية في هذه الاوقات التجريبية. ويطرح ديبلوماسيون كبار التحديات التي طرحها كوفيد – 19 على الديبلوماسية العالمية عبر مؤتمرات عالمية تتناقلها مؤسسات ديبلوماسية وازنة في دراسات خاصة.
كان المجلس الاوروبي اول من دعا الى قمة للنقاش عبر فيديو كونفرانس حول كيفية تنسيق استجابة اوروبية للازمة الراهنة، وانتقل البرلمان الاوروبي الى عملية التصويت عبر البريد الالكتروني e-mail voting نظرا الى صعوبة انتقال اعضاء البرلمان الاوروبي الى بروكسل. كذلك تداعت مجموعة دول العشرين الى اجتماع فيديو كونفرانس لمناقشة كيفية مواجهة كوفيد – 19 وذلك في قمة دعت اليها المملكة العربية السعودية التي تترأس مجموعة العشرين سنة 2020.
الا ان الاشد اثارة هو التيلي – كونفرانس، او المؤتمر من بعد الذي عقده مجلس الامن. فللمرة الاولى تاريخيا قام اعضاء مجلس الامن الـ15 (بين دائمين وغير دائمين) بتبني 4 قرارات عبر التصويت من خلال البريد الاكتروني. كذلك طرأ تغيير واضح في ديبلوماسية التغير المناخي، التي جاءت عقب قمة المناخ العالمية. فقدم الفريق الخاص بدراسة قضايا التغير المناخي اقتراحا للمفاوضين بأن يحجزوا لهم غرفا في فنادق بلدانهم مع قابلية اتصال جيدة وقوية بالانترنت، وذلك لتجنيبهم مخاطر السفر في الظروف الراهنة.
كذلك حصلت تغيرات عدة في هذه الفترة اثرت بشكل واضح على عملية التفاوض في الاجتماعات التي تقودها الديبلوماسية العالمية. ففي مؤتمر من بعد انعقد اخيرا بمعية الاتحاد الاوروبي، عرض عدد من الخبراء والديبلوماسيين رؤيتهم الخاصة حول كيفية استمرارية عمل الديبلوماسية الدولية.
يقول ايمري كاربوكزي المسؤول عن التحضير للاجتماعات في الجمعية العامة والامم المتحدة بشكل عام في فيديو كونفراس استضافه اخيرا: “كانت لدينا خطط مسبقة كأمم متحدة من اجل التعامل مع اي طارئ، توفر استمرارية العمل. كذلك لدينا ادارتنا الخاصة بالازمات، لكن الظروف الحالية والواقعية مختلفة تماما عما رسمناه من سيناريوهات، وبالتالي، فانه من الصعوبة بمكان ان نكون مستعدين لازمة طويلة الامد كالتي نعيشها”.
يضيف كاربوكزي متحدثا من نيويورك: “ان عمليات ادارة الازمات ترغمنا على النظر في اتجاه الاستخدام التام والكامل للتكنولوجيات المتقدمة، خصوصا في ما يخص الاجتماعات المستدامة وتلك المتعلقة بالشؤون البيئية وامكان ان يكون لدى المشاركين وصول كامل Full access. نحن كأمم متحدة اعتمدنا حلولا من بعد، لكن الامر ليس بهذه السهولة”.
ويتحدث عن عاملين رئيسيين يتعلقان بالتوثيق والخدمات التي تقدم في اثناء الاجتماعات كالوثائق والترجمة الفورية، وهما تأثرا بهذا التغيير الانتقالي السريع نحو الاونلاين.
عملية التوثيق اسهل من حيث الادارة، وكانت الامم المتحدة مهيأة لتجهيز الوثائق وارسالها من بعد. من جهة ثانية، ان الاجتماعات مع ترجمة فورية هو امر لا يمكن ان تقدمه المؤسسة الدولية في هذه المرحلة بحسب كاربوكزي الذي يضيف: “نحن نفتش لنعثر على حلول في هذا المجال ونحاول التواصل مع منصات عدة من بينها منصة زوم، ونقوم بفحص التكنولوجيات المعروضة علينا، لكن لا يوجد بعد اي شيء نهائي ويمكن البدء به فورا”.
ثمة اجتماعات عدة تم الغاؤها مثل استعراض مواضيع الانتشار النووي في نيويورك واخرى في لشبونة واليابان وبيجينغ وسواها ارجئت، فيما تبحث الامم المتحدة عن موعد عقدها مجددا في العام المقبل. كذلك تم تأجيل الذكرى السنوية الـ76 لتأسيس الامم المتحدة الى ايلول المقبل.
ان الافرقاء الذين يتولون التفاوض حول معاهدات واتفاقات رئيسية في مجلس الامن الدولي والجمعية العمومية واجتماعات المجلس الاقتصادي والاجتماعي يعقدون اجتماعات افتراضية، وهي تنعقد فقط باللغة الانكليزية.
في الوقت الراهن، يقول كاربوكزي “تم تبني اجراءات تصويت جديدة، كما في الكتابة وسواها من التقنيات، لكن الجميع يشعرون بالضغط الذي تعاني منه الديبلوماسية العالمية. لا يمكننا انتاج الوثائق التي اعتدنا انتاجها في الاجتماعات والتي تكون عادة بست لغات، وهذا مصدر القلق الرئيسي في الوقت الراهن”.
ويشير الى ان “ما نتوقعه هو ما ستكون عليه الانظمة التي ستطلقها الامم المتحدة مع بداية شهر ايار في ما يختص بعمليات المودم او الاتصال عبر البرمجيات، وحتى ذلك الحين فان الاتصالات التي نجريها تكون كلها وفق الانظمة المرعية الاجراء في كل بلد. لكن من الضروري القيام بعملية استباقية لكل هذه الميزات والخصائص الجديدة التي تساعدنا على تخطي هذه الازمة. الى حين عودة الحياة الطبيعية، فان الاجتماعات الافتراضية ستأخذ حيزا واسعا جدا في المستقبل القريب وعلى المدى البعيد ايضا، وهذا امر مؤكد”.
اذن، تنعقد الاجتماعات غير الرسمية او التحضيرية راهنا في الامم المتحدة باللغة الانكليزية فحسب، لكن جميع هذه الاجتماعات الرسمية المتعلقة بها كان تتم ترجمتها كلها. ما يحصل انها تتم اليوم عبر الموقع Onsite فتنقل عبر الفيديو عبر روابط ، ويكون المقدم عبر رابط الفيديو الذي لا يمكنه ان يستحصل على ترجمة. لغاية الان، ان الامم المتحدة يمكن ان تتخطى هذه المرحلة – بحسب كاربوكزي – الذي يضيف: “نحن لدينا سيناريو بأن المساعدين التقنيين من المترجمين او من معدي الوثائق او من المساعدين الذين يجلسون قرب من يتولى ادارة الجلسات، يمكنهم العمل من منزلهم عبر الفيديو هذا هو احد السيناريوهات المحتملة التي يتم العمل عليها الان في الامم المتحدة، وهو ما سيمكننا من الوصول الى الخدمات عن بعد او Remote services. من جهته، يصف سفير ايطاليا في بلغاريا ستيفانو بالديني ما يحصل بأنه تحد جديد للديبلوماسية الدولية، وما يجري في عالم العمل الديبلوماسي بانه “ابتكار تفرضه حالة طوارئ” Emergency driven innovation.
ويلفت الى عناصر عدة يجب التنبه اليها قائلا: “من الطبيعي ان يركز الديبلوماسيون اليوم على طبيعة الاجتماعات التي تحولت الى افتراضية، وهذا يؤثر على الديبلوماسية المتعددة الطرف. لكن ثمة عناصر يجب اخذها في الاعتبار تتعلق بالديبلوماسية الثنائية وتؤثر على عمل الديبلوماسيين وخصوصا العمل القنصلي”.
ويذكر السفير بالديني 3 متغيرات تؤثر على طريقة تغيير الديبلوماسيين لاسلوب تفكيرهم وطريقة عملهم:
- ما هو نوع الاتصال الذي يمكن الحصول عليه من خلال مهمتك وتفويضك كديبلوماسي عبر وزارتك؟
- ما هو مستوى الرقمنة الذي وصل اليه الديبلوماسي؟ يقول: “بطبيعة الحال ان منظمة الامم المتحدة هي الاكثر تقدما في هذا المضمار من منظمات اخرى او وزارات”.
- اما العامل الثالث الذي يغفله البعض فيتعلق بمهارات فريق العمل. يضيف: “انت تعمل مع اشخاص يضطرون الى الانتقال بسرعة الى طريقة عمل جديدة، وهذا الانتقال يتعلق بمدى جهوزيتهم للانتقال من العمل الورقي العمل الكامل من بعد وانا لا اقول الرقمنة بل العمل من بعد. هنا تظهر جليا حاجات التدريب الذي كان يجب ان يحصل سابقا على هذه الامور، وهذا ما يجب التفكير به مستقبلا”.
وتطرق بالديني الى القدرة على الاتصال Connectivity والتي لا تعني الاتصال عبر الانترنت فحسب، “بل امكان الاحتفاظ واستخدام المنصات التي يستخدمها الديبلوماسي في المكتب، وهل في الامكان نقل هذه المنصات الى المنزل؟ ليس هذا الامر بديهيا لاسباب امنية بحيث توجد الكثير من التطبيقات او المنصات التي يمكن استخدامها من المكتب بسبب وجود الـVPN الشبكة الخاصة الافتراضية، او بعض السوفتوير اي البرمجيات الخاصة بالعمل، لكن لا يمكن استخدامها في المنزل. لذا فان العمل من المنزل قد لا يسمح للديبلوماسي بالوصول الى ما يريده لكي يتمم عمله سواء الاداري، او ارسال الرسائل والتقارير الخاصة والسرية، وهذا سيؤثر على قدراتنا لتوفير انتقال سلس في عملنا الديبلوماسي”.
من جهته، يشدد مختار ييدالي وهو من لجنة الاعلام في الاتحاد الافريقي ويعيش في اديس ابابا، على وجود مشكلتين رئيسيتين في البلدان الافريقية، ابرزها القدرة على الاتصال بالانترنت، وتوافر التيار الكهربائي الذي قد ينقطع بشكل مفاجىء، ما يؤثر على حضور الديبلوماسي لاجتماع دولي مهم.
وتطرق الى امن الاتصالات ومسألة اللغة، حيث تنعقد معظم الاجتماعات الديبلوماسية حاليا عبر فيديو كونفرانس باللغة الانكليزية، وهذا ما يسبب تهميشا للدبلوماسيين الذين لا يتقنون اللغة الانكليزية بشكل ممتاز ويجعلهم معزولين بسبب عدم توافر الترجمة الفورية.