“مصدر دبلوماسي”
أعلن رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب عصر اليوم الأحد إعادة فتح لبنان صباح غد الاثنين استنادا الى الخطة المرحلية، مع اعتماد سياسة العزل الصحي للمناطق او الاحياء التي تسجّل فيها نسبة اصابات عالية. وقال في كلمة له بثتها وسائل الاعلام: “نحن بحاجة لأن نكون يقظين، وأن نحافظ على البعد الاجتماعي والالتزام بارشادات الوقاية والحماية، من اجل الحفاظ على مجتمعنا وعدم اضاعة تضحياتنا”. وقال دياب:” ارجو من جميع اللبنانيين ان يتعاملوا مع اعادة فتح البلد بعناية شديدة، وأن يكونوا شركاء في تحمّل المسؤولية وأو يواكبوا الدولة في حماية مجتمعنا من الانهيار”.
هنا النص الكامل لخطاب رئيس الحكومة:
أيها اللبنانيات، أيها اللبنانيون
أعلم جيداً أنكم جميعاً ترغبون بالعودة إلى حياتنا الطبيعية، نمارس أعمالنا كما كنا، نزور بعضنا كما كنا، نستأنف العام الدراسي، نحتفل بمناسباتنا الاجتماعية، نتعانق مع الأهل والأصدقاء الذين اشتقنا إليهم.
لقد ألغى وباء كورونا كل يومياتنا، وعطل أعمالنا، وجمد علاقاتنا الاجتماعية.
لا يمكن الاقتناع بسهولة أن مجرد فيروس لا يرى بالعين المجردة، يتحكم بالعالم اليوم. لكن هذه هي الحقيقة. نعم. فيروس غير مرئي، يفرض إيقاعاً مختلفا لحياة الناس على الكرة الأرضية.
القضية تبدو أقرب إلى قصص وأفلام الخيال العلمي… لكنها حقيقة.
منذ 21 شباط، أي قبل أقل من ثلاثة أشهر بأيام، والقلق يربكنا: كيف يمكننا الحفاظ على حياة اللبنانيين من دون خسائر في مختلف نواحي الحياة؟
ولأن أولويتنا هي حماية أرواح الناس، كان خيارنا القفز فوق كل الحسابات.
حياة آبائنا وأمهاتنا، وإخوتنا وأخواتنا، وأبنائنا، وأهلنا وأحبائنا، هي أغلى بكثير من التربية والتعليم والاقتصاد والتجارة…
إنسانيتنا تنتصر على الماديات. هكذا كان اللبنانيون دائماً، وهكذا انتصروا في الماضي على المخاطر المصيرية.
نحن شعب حيوي يحب الحياة. صحيح. لكن لا يمكن أن يكون عشقنا لصخب الحياة على حساب أرواحنا وأرواح من نحب.
لقد عبرنا قطوعاً كبيراً بأقل قدر من الخسائر. وقبل أسبوع كدنا أن نقع في المحظور نتيجة عدم التزام بعض المناطق.
بكل أسف هناك من يغامر بروحه ويستخف بأرواح الناس.
عندما أطلقنا خطة إعادة فتح البلد في 24 نيسان الماضي، حذرت من مخاطر رفع الحظر ونتائجه الكارثية على بلدنا، خوفاً من تفشي موجة ثانية من وباء كورونا.
لقد حذرنا مرارا وتكرارا من أننا سنفقد نجاحنا في احتواء انتشار الفيروس covid 19 إذا لم نلتزم بتدابير الوقاية، وأننا سنضطر للانتقال من إغلاق إلى آخر.
إن مخاطر رفع الحظر يمكن أن تعيدنا الى المراحل الأولى لتفشي الوباء.
في أواخر الأسبوع الماضي، بدأنا نلاحظ ارتفاع عدد المصابين بوباء كورونا، وظهور بؤر (clusters) جديدة متشّعبة في مختلف أنحاء البلد. وعلى مدى عشرة أيام تضاعف عدد الحالات الداخلية الجديدة بنسبة خمس مرات تقريباً مقارنة بعشرة أيام سابقة. وقد ارتفع المعدل اليومي للإصابات عما كان عليه قبل إعادة الفتح. وفقاً لذلك قررنا العودة إلى الإغلاق الكامل لمدة 4 أيام.
وخلال هذه الفترة، قامت فرق وزارة الصحة بإجراء اختبارات مكثفة وتتبّع وعزل لجميع الحالات.
لقد نجح لبنان في البقاء في مرحلة احتواء تفشي الفيروس منذ بداية الجائحة، وهدفنا هو البقاء في هذه المرحلة، بينما انتقلت العديد من البلدان من مرحلة العجز عن الاحتواء (containment) الى مرحلة الاستيعاب (Mitigation)، بسبب عدم تمكنهم من السيطرة على تفشي الوباء والارتفاع الكبير بعدد الاصابات، وعلى الرغم من ذلك ما زالوا حذرين للغاية ويقظين في رفع حظرهم.
نحن اليوم ما زلنا قلقين من ارتفاع عدد الاصابات لعدة أسباب، من بينها:
أولاً، أننا تجاوزنا الذروة الأولى بعد تعبٍ مضنٍ لشهرين من العزلة الاجتماعية.
ثانياً، أن الوضع الاقتصادي والمالي الناتج عن الاغلاق، يتفاقم.
كل هذا يؤدي الى التراخي في تطبيق الاجراءات المطلوبة، مثل التباعد الاجتماعي وأساليب الوقاية، في الوقت الذي مطلوب فيه الاستمرار بتوخي الحذر لننتصر على الوباء.
بالإضافة إلى ذلك، انطلقت المرحلة الثالثة لإعادة المغتربين. وبعد تقييم المرحلة الثانية، اعتمدنا إجراءات أكثر صرامة لخفض نسبة الحالات الإيجابية من الوافدين، عبر فرض فحص PCR في بعض الدول، وتكثيف متابعة الوافدين داخلياً، وإعادة فحص الـ PCR في اليوم الرابع عشر من وصولهم.
نحن في مرحلة خطرة وحساسة جدا، لأن أزمة كورونا ستمتد الى فترة طويلة، وهي تُهدد بحصد أرواح أحبائنا، ويمكن أن تكون الموجة الثانية أسوأ من ذروة المرحلة الأولى.
ندرك أن الاستمرار بإغلاق البلد تنتج عنه تداعيات اقتصادية واجتماعية خطيرة. ونحن نحاول قدر الإمكان تخفيف تلك التداعيات.
لذلك، أعلن اليوم أننا سنعيد فتح البلد غداً مرة أخرى، استناداً إلى الخطة المرحلية، وسيتطلب ذلك منا تضحيات أكثر والتزاماً أكبر، على أن نلجأ إلى اعتماد سياسة العزل الصحي للمناطق أو الأحياء التي تسجّل فيها نسبة إصابات عالية.
نحن بحاجة إلى أن نكون يقظين، وأن نحافظ على البعد الاجتماعي (social distancing)، والالتزام بإرشادات الوقاية والحماية، من أجل الحفاظ على مجتمعنا وعدم إضاعة تضحياتنا.
أرجو من جميع اللبنانيين أن يتعاملوا مع إعادة فتح البلد بعناية شديدة، وأن يكونوا شركاء في تحمّل المسؤولية، وأن يواكبوا الدولة في حماية مجتمعنا من الانهيار.
لا نريد أن تتحول هذه المرحلة إلى كابوس، ولن نقبل أن يدفع اللبنانيون جميعاً ثمن عدم مسؤولية ولا مبالاة البعض.
أناشد اللبنانيين اعتماد الرقابة الذاتية، وتحمّل المسؤولية، وعدم المغامرة بأرواحهم وأرواح عائلاتهم وأرواح الناس.
إن هذا الالتزام سيؤدي حتماً إلى الانتصار على الـفيروس، وبالتالي إلى الاستمرار بخطة إعادة فتح البلد في المراحل التالية. لا تتهاونوا في تقدير الخطر، حتى لا نندم جميعاً ساعة لا ينفع الندم.
غداً نعيد فتح البلد جزئياً، وسيعلن معالي وزير الداخلية والبلديات اليوم التفاصيل المتعلّقة بهذه الخطوة. كما سيعلن معالي وزير التربية التدابير المتعلّقة بالعام الدراسي.
فلنتعاون جميعاً، وليكن الجميع شريكاً في حماية البلد: الأجهزة العسكرية والأمنية، البلديات، أصحاب المؤسسات التجارية، المواطنون… فليتحمل كلنا مسؤولية نفسه، ولنعبر المرحلة الثالثة بنجاح.
أنا على ثقة أننا سنتمكن من الفوز بحماية أهلنا والبلد، على الرغم من الهموم الكبرى الثقيلة التي نتعامل معها.
العالم يثق بنا وبقدراتنا، ويتحدّث عن الإنجاز الذي حقّقناه في مواجهة كورونا، ويستشهد بتجربتنا كنموذج للدول الكبرى، كما فعلت صحيفة الـ”واشنطن بوست” حين قالت في مقال صدر اليوم:
عندما نتحدّث عن الاستجابة لوباء كورونا، فإن الدول العظمى قد تحتاج إلى دراسة تجربة الدول الصغرى، كالدولة اللبنانية.
وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير للبنان واللبنانيين.
عشتم وعاش لبنان.