“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
نجح كوفيد – 19 في تبديل السمة الاساسية للتعليم المتمثلة بتلقي التلامذة للعلم على مقاعد الدراسة، ليحولها افتراضية عبر الشبكة العنكبوتية. يواكب مكتب الاونيسكو الاقليمي للتربية في الدول العربية هذا التحول المفاجئ عبر تشكيله تحالفا عالميا يسهل نشر المعارف، ويمتص الفجوة المتأتية من التفاوت الاجتماعي التي ظهّرها بوضوح اغلاق المدارس والجامعات
على الرغم من تعدد وسائل الاتصال وتطورها، الا ان كوفيد – 19 احدث اثرا عميقا على طرق التعليم، وفرض عملية محو غير سهلة للامية الرقمية لاجيال اعتادت الرقمنة والتكنولوجيا التفاعيلة الاجتماعية وليس التعليمية. يبدو ان وطأة التحول السريع واضحة في لبنان والمنطقة العربية، وهو تحول اتاح التفكير في التعليم من منظور جديد، بحسب ما يقول مدير مكتب الاونيسكو الاقليمي للتربية في الدول العربية الدكتور حمد بن سيف الهمامي الذي يقود مع المنظمة الاممية تحالفا عالميا لمواكبة التعلم عن بعد. شكل المكتب ومقره بيروت فريق عمل اقليميا لوضع خطة استجابة للازمة على صعيد المنطقة العربية.
يقول الدكتور الهمامي ان الاطفال والطلاب هم اكبر الخاسرين في الحروب والازمات في المنطقة العربية، مشيرا الى ان تعزيز الوصول الى التكنولوجيا والاتصال الجيد بشبكة الانترنت من العقبات التي تحول دون استمرار التعلم لاسيما بالنسبة الى الطلاب المنتمين الى عائلات محرومة او الطلاب اللاجئين.
* دشنت الاونيسكو تحالفا عالميا للاسراع في تعميم حلول التعليم من بعد، ماذا عن تفاصيله؟
– تفاعلت منظمة الاونيسكو فورا مع الزيادة الكبيرة التي طرأت على عدد المدارس المغلقة بسبب فيروس كورونا المستجد، وشكلت فريق عمل خاصا معنيا بمرض كوفيد – 19، وناطت به مسؤولية اسداء المشورة وتوفير الدعم التقني للحكومات في سياق جهودها الرامية الى توفير التعليم للطلبة المنقطعين عن المدارس. فضلا عن ذلك، تنظم الاونيسكو اجتماعات دورية عبر الانترنت مع وزراء التربية والتعليم لتبادل الخبرات وتقييم الحاجات ذات الاولوية. تضع الازمة الراهنة الدول امام تحد كبير يتمثل في ضمان استمرارية التعلم لجميع الاطفال والشباب على نحو منصف. لذلك، في اطار استجابتها هذه الازمة، قامت منظمتنا بتأسيس تحالف عالمي للاسراع في تعميم حلول التعليم من بعد وذلك بمشاركة عدد من الشركاء المتعددي الطرف والقطاع الخاص، ومن بينهم شركة مايكروسوفت والنظام العالمي لاتصالات الهاتف المحمول. لن تقتصر مهمات التحالف على ضمان تلبية الحاجات العاجلة فحسب، بل ستتيح ايضا الفرصة للتفكير في التعليم من منظور جديد وتوسيع نطاق عملية التعلم من بعد، وتعزيز قدرة النظم التعليمية على التأقلم مع جميع الظروف وجعلها اكثر انفتاحا وابتكارا. اما بالنسبة الى مكتب بيروت، وهو مكتب اقليمي للتربية في الدول العربية، فنعمل بدورنا على الاستجابة الفعالة لازمة الكورونا. شكلنا فريق عمل اقليميا لوضع خطة استجابة للازمة على صعيد المنطقة العربية. نحن على تواصل مع وزارات التربية في الدول العربية لتقديم الدعم التقني والمساعدة على وضع وتنفيذ استراتيجيا التصدي للازمة على صعيد قطاع التعليم. كما ان مكتبنا اصدر مجموعة من الكتيبات والكراسات (بروشورات) تقدم للاهل والمعلمين نصائح حول طرق دعم التلامذة خلال فترة التعلم من بعد وانقطاعهم عن المدرسة. كذلك نعد ورقة تفاهم حول كيفية التعامل مع المناهج الدراسية بحيث يتناسب حذف الدروس مع النمو الذهني للدارس من دون ان يتأثر بحذف الدروس اللاحقة.
* هل سيتأثر مستوى التعليم بسبب انتشار جائحة كوفيد – 19؟
– ان التأثير الابرز لجائحة كوفيد – 19 على قطاع التعليم يكمن في تفاقم حالات اللامساواة. اجمالا، تعمل المدارس على تحقيق التوازن في المجتمعات، وان على نحو جزئي، لذلك سيؤدي اغلاقها الى تفاقم حالات عدم المساواة. من هذا المنطلق، ستحرص الاونيسكو على تنظيم حلقات دراسية شبكية واجتماعات منتظمة عبر الانترنت، تتيح لممثلي الدول فرصة تبادل المعلومات في شأن فعالية المناهج المتبعة في سياقات متنوعة، والتباحث في سبل ضمان التعليم الجيد والشامل للجميع والتصدي للازمة الحالية.
* ماذا عن التعاون مع الجامعات في لبنان وخصوصا الجامعة اللبنانية؟
– نحن نعتز بشراكتنا وتعاوننا مع وزارة التربية والتعليم العالي وكذلك مع جميع مؤسسات التعليم العالي في لبنان، لاسيما مع الجامعات البحثية ومن ضمنها الجامعة اللبنانية. مجالات تعاوننا مع الجامعات في لبنان والجامعة اللبنانية تحديدا، متعددة وتشمل الآتي: وضع الاطار الوطني للمؤهلات، وضع الارشادات الوطنية لبناء قاعدة وطنية للبحث العلمي، مراجعة الاستراتيجيا الوطنية للبحث العلمي، تفعيل دور الجامعات في تحقيق اهداف التنمية المستدامة. اما في اطار هذه الازمة، فنحن على استعداد لتقديم المشورة والمساعدة التقنية الى الجامعات عند الطلب، خصوصا في التعليم من بعد وكيفية تقييم الطلبة.
* كيف ستؤثر العزلة الاجتماعية على الصغار والكبار وهل الانترنت هو حل ام له مشاكل اخرى، وكيف ستواكبها الاونيسكو؟
– تعطل عملية التعلم بسبب اغلاق المدارس واللجوء الى التعليم من بعد عبر الانترنت قد يؤديان الى تفاقم الفجوة الاجتماعية وحالات اللامساواة، اذ يبرز تفاوت بين الفئات الاجتماعية في فرص الوصول الى منصات التعلم الرقمية. يعد تعذر الوصول الى التكنولوجيا او الاتصال الجيد بشبكة الانترنت من العقبات التي تحول دون استمرارية التعلم، لاسيما بالنسبة الى الطلاب المنتمين الى عائلات محرومة او الطلاب اللاجئين. من هنا، يسعى تحالف التعليم العالمي الذي اطلقته الاونيسكو الى تسهيل فرص التعلم الشامل للاطفال والشباب خلال هذه الفترة من الاضطراب التعليمي المفاجئ وغير المسبوق. من شأن الاستثمار في التعليم من بعد، ان يخفف الاضطراب المباشر الناجم عن كوفيد – 19 وان يحضر الارضية لتطوير مناهج وانظمة تعليمية اكثر انفتاحا وشمولية ومرونة في المستقبل.
* ماذا عن الشراكة مع وزارة الثقافة التي كانت من ثمارها الزيارة الافتراضية للمتاحف بسبب تفشي فيروس كورونا؟
– التعاون بين مكتب الاونيسكو في بيروت ووزارة الثقافة يعود الى عشرات السنين. لدينا تعاون وثيق في ما يخص المواقع المدرجة في لائحة التراث العالمي وهي خمسة: بعلبك، صور، عنجر، جبيل، ووادي قاديشا. مكتبنا يقدم الدعم التقني للمديرية العامة للاثار وذلك من خلال خبراء عالميين، علما اننا نتابع اعمال الترميم في كل هذه المواقع. الجدير ذكره، ان مكتبنا اطلق العام الماضي بالتعاون مع الوزارة، حملة توعية حول مكافحة تهريب الاثار بعنوان “الحضارة مش للتجارة”، ولا تزال هذه الحملة قائمة على مواقع التواصل الاجتماعي. اما في اطار ازمة الكورونا، فقمنا بالتعاون مع وزارة الثقافة بالقيام بزيارة افتراضية الى مجموعة من المتاحف والمواقع الاثرية في لبنان لاتاحة الفرصة للناس، كذلك المواقع المدرجة في لائحة التراث العالمي، مع تقديم معلومات تاريخية عن كل موقع. تسعى هذه المبادرة الى مساعدة اللبنانيين على الاستفادة من وقتهم خلال فترة التباعد الاجتماعي.
* هل من تعاون بين الاونيسكو ومنظمات دولية اخرى عاملة في لبنان ومع المجتمع المدني؟
– تنسق الاونيسكو عملها مع جميع منظمات الامم المتحدة العاملة في لبنان، وذلك في اطار ما يسمى بفريق الامم المتحدة القطري. كما ان لدينا مجموعة كبيرة من الشركاء في المجتمع المدني ننسق معهم عملنا ومشاريعنا للاستجابة بشكل فعال لحاجات لبنان. نحن مطالبون بالعمل سويا كمنظمة واحدة.
* ماذا عن وضع التعليم في البلدان التي تعاني من حروب: سوريا، العراق، اليمن، ليبيا وفلسطين؟
– يشير التقرير العالمي لرصد التعليم الى حقيقة مؤلمة، وهي ان الاطفال والطلاب هم اكبر الخاسرين من الحروب والازمات في المنطقة العربية. تتسبب النزاعات المسلحة في المنطقة العربية بوضع مأساوي لالاف الطلاب الذين شردوا من مناطقهم وانقطعوا عن الدراسة او ما زالوا يكملونها في ظروف صعبة. للاستجابة لهذا الواقع، بلورت منظمة الاونيسكو اطار العمل الاستراتيجي للاونيسكو للتعليم في حالات الطوارئ في المنطقة العربية (2018-2021) لتقديم المساعدة التقنية للدول العربية في مجال التعليم وفق سياق كل دولة، ومساعدتها على تحقيق الهدف الرابع من اهداف التنمية المستدامة الذي ينص على ضمان التعليم الجيد والمنصف والشامل، وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع.
* تعرضت الاونيسكو للتضليل من حيث ارسال رسائل بانها ستدفع مبالغ شهرية في اطار برنامج مساعدات. بماذا تنصحون لمواجهة حملات التضليل الاعلامي؟ وكيف تتعاونون مع وزارة الاعلام في لبنان في هذا الشأن وكان لك لقاء مع الوزيرة منال عبد الصمد؟
– قطاع الاتصال والمعلومات في منظمة الاونيسكو، وفي مكتبنا تحديدا، يسعى الى التصدي للتضليل الاعلامي وموجة الاخبار المزورة عبر بناء وتعزيز قدرات الاعلاميين والصحافيين. نقوم بالعديد من ورش العمل التدريبية التي ترفع مستوى وعي الصحافيين، وتبني قدراتهم في مجال محاربة التضليل وتغطية الاخبار بموضوعية وشفافية. في اطار ازمة الكورونا، نحن نخطط لاطلاق مجموعة من ورش العمل من بعد (عبر الانترنت) الموجهة الى الصحافيين، والتي تهدف الى تدريبهم وبناء قدراتهم حول كيفية تغطية اخبار فيروس الكورونا في وسائل الاعلام، ومكافحة التضليل عبر الاختيار الصحيح لمصادر المعلومات، وكيفية تبني نهج ايجابي في التغطية الاعلامية.
* ما جديد مشروع انشاء اكاديميا للتدريب الاعلامي للاعلاميين في لبنان خلال الشهرين المقبلين؟
– من مجالات عمل منظمة الاونيسكو، الاتصال والمعلومات. يعمل قطاع الاتصال والمعلومات على تعزيز امكان الحصول المتساوي على المعرفة والمعلومات خصوصا في الحقل العام، كما يعمل على تعزيز حرية التعبير وتعزيز قدرات الصحافيين والحفاظ على سلامتهم. في هذا الاطار، اطلقنا اخيرا مع وزارة الاعلام مشروع انشاء اكاديميا للتدريب الاعلامي للاعلاميين في لبنان. قمنا بتحضير هيكلية واضحة لهذه الاكاديميا، كما خصصت الوزارة احد مبانيها لاستضافتها. بعد الحصول على موافقة مجلس الوزراء، سننتقل الى مرحلة التنفيذ حيث سنتبنى نهجا تشاركيا يشمل شركاء متعددي الطرف، بالاضافة الى اعلاميين من جميع المناطق اللبنانية. نحن نسعى من خلال هذه الاكاديميا الى دعم قدرات الصحافيين والاستجابة لحاجاتهم، وتبني احدث الاتجاهات والمناهج الاعلامية من اجل ان يكون لتدخلنا ودعمنا التأثير الصحيح.
* ما هي المشاريع التي كانت مزمعة في لبنان والمنطقة والتي تعثرت بسبب وباء كورونا؟
– في قطاع التعليم، لدينا مشاريع عدة في لبنان والبلدان العربية (اليمن، سوريا) توقفت حاليا بسبب ازمة كوفيد – 19. على سبيل المثال، دعم مشروعنا في لبنان التعليم الفرنكوفوني للطلاب اللبنانيين وغير اللبنانيين الذي ننفذه بالشراكة مع الجامعة اليسوعية والمعهد الفرنسي شبه المتوقف بسبب اغلاق المدارس والجامعات. كما ان اعمال ونشاطات برنامج التعليم والتدريب الفني والمهني المعجل للشباب والشابات الاكثر حاجة، الذي ننفذه مع مؤسسة الصفدي، معلقة ايضا بسبب اقفال المعاهد. الا اننا سنواصل جهودنا لنساعد لبنان والمنطقة العربية على تخطي هذه الازمة وسنستمر في تنفيذ مشاريعنا وبرامجنا.
* ماذا عن مشروع التحول الرقمي في الاقتصاد اللبناني؟
– تسعى الاونيسكو الى دعم التحول الرقمي لتعزيز مجتمعات المعرفة. في لبنان، قمنا بالشراكة مع وزارة الدولة لشؤون التنمية الادارية بتنظيم مجموعة لقاءات ومحاضرات في جميع المناطق اللبنانية حول الحق في الوصول الى المعلومات، توجت بمؤتمر بعنوان افاق تطبيق قانون الحق في الوصول الى المعلومات وتحدياته، بمناسبة اليوم العالمي للحق في الوصول الى المعلومات، عقد في ايلول الماضي. كذلك دعمنا الخطة الوطنية للتحول الرقمي التي بلورتها الوزارة.
الاونيسكو ولبنان:
شراكة 59 عاما
بلغ مكتب الاونيسكو الاقليمي للتربية في الدول العربية، الذي تأسس في بيروت عام 1961، سن الـ59 عاما ولم يزل يعمل بزخم، وهو ارسى منذ ذلك الحين شراكة طويلة الامد مع لبنان والمنطقة العربية في سبيل خدمة 19 دولة منضوية فيه.
اكتسب المكتب عام 2002 دورا جديدا، اذ اصبح مكتبا شبه اقليمي في الشرق الاوسط لكل من لبنان وسوريا والاردن والعراق والاراضي الفلسطينية.
تكمن مهمة مكتب الاونيسكو الاقليمي للتربية في الدول العربية – بيروت في المساهمة في تحقيق اجندة التنمية المستدامة التي اقرتها الامم المتحدة، وذلك عبر تنفيذ برامج ومشاريع تندرج ضمن مجالات عمل منظمة الاونيسكو: التربية والعلوم الطبيعية والاجتماعية والثقافة والاتصال والمعلومات.
*نشر هذا الحوار في العدد 80 من مجلة “الامن العام” الصادر في أيار 2020