“لو أرّخت النهضة العربية والحركة الاستقلالية، لو أرّخ استقلال لبنان وأرخت الأسس التي قامت عليها هذه السيادة التي نتمسك بها، لقيل بإنصاف أن الصحافة اللبنانية هي التي كانت في المنطلق وفي الأساس”.
غسان تويني
“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة
“إعرف الحق والحق يحررك”، عبارة من الانجيل المقدس، استشهد بها عميد الصحافة الراحل غسان تويني في مقالته التي حملت عنوان “الصحافة الرسولية” (1965)، ليقول بأ ” الرسل كانوا صحافيين من طراز رفيع، قلما بلغ انسان مرتبتهم”. بهذه القدسية قارب ارباب الصحافة اللبنانية مهنتنا الرسولية، إنها مهنة تروي الحق حتى الشهادة وتبشر بالمستور. لا أجد كلاما أبلغ من كلام غسان تويني الذي تتلمذنا في مدرسته لأعبر به في خضمّ هذه الفترة السوداء التي يعيشها الاعلام اللبناني الذي بدا يواجه اعصارا مخيفا لكبت صوته تحت ستار التنظيم.
محاولة أتمنى أن تكون فاشلة يقوم بها الاركان الفاسدون بالدولة( ولا أقول جميعهم) عبر واجهة وزارة الاعلام ونقابة المحررين لإسكات صوت الاعلام الحرّ. وقد علمنا ومن مصادرنا الخاصة والموثوقة بأن الهدف من هذا “التكميم” التدريجي الذي كشفت جزءا منه وزيرة الاعلام منال عبد الصمد بتصاريحها أمس واليوم، إذ تحدثت عن السجن أمس وتراجعت، ليتبين لنا من خلال زملاء متابعين بأنه يتم الاعداد في الكواليس والعتمة لاعطاء نقابة المحررين صلاحيات استثنائية بعد تنظيمها وادخال جميع العاملين في الاعلام اليها ، (قد يتغير اسمها لنقابة الاعلام) صلاحيات لمجلس تأديبي سيكون سيفا مسلطا فوق كل قلم مشاكس أو رافض أو مصوّب، بحجة تنظيم الاعلام، عوض التفتيش عن سبل تطوير الاعلام اللبناني الى مصاف الصناعة الاعلامية التي سبقتنا اليها الكثير من الدول العربية.
عبارات تتلفظ بها عبد الصمد من دون ان تدرك خطورتها على ما أعتقد، لكننا نعرف ذلك لأننا ابناء المهنة التي استشهد فيها جبران تويني وسمير قصير وقبلهم الكثير الكثير حفاظا على حرية التعبير غير المقيدة وحق الرأي العام بالمعرف. تتحدث السيدة الوزيرة عن ” عدم التسبب بالإساءة للأمن القومي”، وما أدراك ما هو الأمن القومي وعند أية جهة سياسية او حزبية يمكث؟ تتحدث عن منصة موحدة للإعلام العام، ماذا يعني ذلك؟ غموض غير بناء، والأخطر تحدثت اليوم الى إحدى الاذاعات عن ضرورة وجود جهازللرقابة على الاعلام العام والخاص ايضا وجهاز تنظيمي للقطاع لديه سلطات تنفيذية وتقريرية.
كارثة حقيقية تنتظر البيئة الاعلامية في لبنان إن صمتت عن هذا المسار الآخذ في التصاعد والذي تمثل عبد الصمد واجهته ليس أكثر والتي تتقاطع فيه مصالح داخلية ضيقة مع أخرى خارجية تريد تغيير هوية لبنان على الصعد كافة.
وعلم موقع “مصدر دبلوماسي” من احدى الشخصيات التي هي على دراية واسعة بفلسفة “التكميم” التي تهيّأ ” المرحلة القادمة تتطلب ضبط الاعلام اللبناني وتوجيهه لكي يتم الزام الناس بأية مقررات مالية أو اقتصادية غير شعبية، والتخفيف من ردود الفعل”. وقالت الشخصية التي حضرت اجتماعات عدة في هذا الاطار” بأن المصلحة العليا للبلاد قد تستوجب ذلك، إذ سيصعب اقناع الناس بكل المقررات” وأشارت الى أن “فرض الحلول هو عنوان المرحلة القادمة”.
بكل الاحوال، هذا فهم خاطئ جدا لدور الصحافة، ولن أطيل أكثر بل أعود الى ما كتبه غسان تويني الذي قال: ” في البلد الصغير قبل الكبير، لا قيام لدولة ولا قيام لمجتمع حيث لا تكون الحرية، ولا صحافة من دون حرية، ولكن لا حرية أيضا من دون صحافة. ذلك أن الحريات كلها إنما تتجسد في حرية التعبير”.
وانا أقول على الجسم الاعلامي ان يبقى متأهبا، “تيبقى مين يخبّر”.