“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة
ليس من جديد استثنائي في اللهجة الحادة التي حملها أمس تقرير الامين العام للامم المتحدة أنطونيو غوتيرس حول القرار 1559 الصادر في 2 أيلول 2020 في نسخته الحادية والثلاثون. يمكن قراءة المضمون ذاته، مع تغييرات تقتصر على سرد الحوادث السياسية في تقريري 2019 و2018، لكن هذا المضمون “الكلاسيكي” اذا صح التعبير يتم توظيفه سياسيا واعلاميا بشكل استثنائي في لحظة احتدام اقليمية خطرة جدا، ووسط ضغوط دولية شديدة تقودها الولايات المتحدة الاميركية وحلفاؤها في المنطقة ضد “حزب الله” لمنعه من التسلح واغلاق الابواب الحدودية بوجهه. فاستحضار القرار 1680 المتعلق بترسيم الحدود مع سوريا ليس ضيفا جديدا على القرار وكذلك القرار 1701 بطبيعة الحال في شقه المتعلق بنزع سلاح الميليشيات.
وتؤكد اوساط دبلوماسية على دراية بهذه المواضيع لموقعنا بأن” اجتماع الامس لاعضاء مجلس الامن الدولي كان مغلقا ولم يتحدث فيه الامين العام للامم المتحدة بل تكلمت ممثلته روز ماري دي كارلو مستندة الى المواد الواردة في التقرير نفسه، وقد ورد في ملاحظاته حرفيا نقلا عن الامين العام:” وأواصل حث الحكومة والجيش في لبنان على اتخاذ جميع التدابير اللازمة لمنع حزب الله والجماعات المسلحة الاخرى من الحصول على الاسلحة وبناء قدرات شبه عسكرية خارج نطاق سلطة الدولة، في انتهاك للقرارين 1559 و1701″. وهذه العبارة وردت في التقارير السابقة وليست جديدة.
كان يجب ان يصدر التقرير في 20 نيسان الفائت وتأخر بسبب ظروف الاجتماعات المعقدة في الأمم المتحدة بسبب كورونا.
لكن في الإعادة افادة كما يقول المثل، إلا أن دبلوماسيين عارفين يستغربون “كل هذا الاستنفار اللبناني حول التقرير الدوري لقرار عمره 15 عاما وكلماته مكررة كما في كل سنة”.
في التفاصيل، لخصت مساعدة الامين العام للشؤون السياسية وعمليات حفظ السلام روز ماري دي كارلو التقرير الجديد لأعضاء مجلس الامن الدولي وهو يغطي التطورات المستجدة حتى 7 نيسان 2020. ولفت بند التنفيذ الى احراز لبنان ” تقدم محدود في تنفيذ القرار 1559 (2004) منذ ان اتخذه مجلس الامن الدولي في 2 أيلول 2004، فعدد من احكامه لم ينفذ بعد، بما في ذلك ما يتعلق منها بوجود الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وانشطتها”.
وتالف البيان من عدة فقرات:
ألف: سيادة لبنان وسلامته الاقليمية ووحدته واستقلاله السياسي مذكرا بتعهد لبنان وحكوماته بسياسة النأي بالنفس واتفاق الطائف وبمتابعة مسار المحكمة الخاصة بلبنان. وذكر بأن الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة حسان دياب:” جددت تعهدها كما في بيانها السابق بمواصلة تعزيز الحوار اللبناني الفلسطيني لتجنيب المخيمات ما يحصل فيها من توترات وهو ما لا يقبله اللبنانيون، استنادا الى وثيقة “الرؤية اللبنانية الموحدة”.
ولفت الى أن الحكومة التي اكدت على “حق المواطنين اللبنانيين في المقاومة للاحتلال الاسرائيلي واسترجاع الاراضي المحتلة” وكما الحال عند تشكيل حكومة السيد الحريري في عام 2019 لم تشر الحكومة الى التزامها السابق بوضع استراتيجية دفاعية وطنية، وآخر إشارة في بيان وزاري الى استراتيجية دفاعية وطنية كانت في عام 2016″.
وذكر البند 30 بأن مجلس الامن الدولي :” شجع حكومة الجمهورية العربية السورية بقوة في قراره 1680 (2006) على الاستجابة للطلب الذي قدمته حكومة لبنان لترسيم الحدود بينهما، ويظل تحقيق ذلك أمرا بالغ الاهمية من اجل اتاحة المراقبة والادارة السليمتين للحدود، بما يشمل تنقل الاشخاص والعمليات المحتملة لنقل الاسلحة”. وفي البند 21:” لا يزال ترسيم حدود لبنان وتعليمها امرا اساسيا وضروريا لضمان السيادة الوطنية والسلامة الاقليمية، ورغم ان ترسيم الحدود مسألة تعني طرفيها، يبقى احراز التقدم بشأن هذه المسألة التزاما منوطا بلبنان والجمهورية العربية السورية وفقا للقرار 1680 (2006).
في الفقرة باء حول بسط سيطرة حكومة لبنان على جميع الاراضي اللبنانية تطرق التقرير الى الاجراءات التي اتخذتها الحكومة اللبنانية لمكافحة كوفيد-19، وتوقفت عند اسهام الاحزاب اللبنانية، لكنها اختارت ما قاله امين عام حزب الله (كما درجت العادة في التقارير السابقة) فورد في البند 35 :” (…) في كلمة القاها في 21 آذار قال بأن العاملين الصحيين والطبيين وكوادره وممرضيه ومتطوعيه وفرقه للدفاع المدني مستعدون للخدمة في جميع المناطق. وأضاف بأن عدد عاملي الحزب يتجاوز الـ20 ألفا، ويقتصر نشاطهم على المناطق حيث هناك وجود للحزب. وأوضح بأن الحزب لم يوسع وجوده ليصل الى اماكن اخرى لتجنب ردود الفعل السلبية، ولكنه مستعد لتقديم خدماته، الى كامل الاراضي اللبنانية، والى مخيمات اللاجئين حيث وجدت”.
في الفقرة جيم تناول التقرير: حل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها.
في الفقرة 37: دعا مجلس الامن في قراره 1559 (2004) الى حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها، وهذا حكم رئيسي في القرار لا يزال يتعين تنفيذه، ويجسد هذا الحكم ويؤكد قرارا التزم به جميع اللبنانيين في اتفاق الطائف.
38- ولا تزال الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية داخل البلد تعمل خارج سلطة الحكومة، في انتهاك للقرار 1559 (2004)، وتملك عدة جماعات من مختلف الانتماءات السياسية في لبنان اسلحة خارج سلطة الحكومة، لكن حزب الله عو أكثر الميليشيات تسلحا في البلد.
39- ولم يحرز اي تقدم ملموس نحو حل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها على نحو ما دعي اليه في اتفاق الطائف والقرار 1559، (2004). فمنذ اتخاذ هذا القرار، لم تتخذ خطوات محددة لمعالجة هذه المسال الحيوية التي تمس صميم سيادة لبنان واستقلاله السياسي. ولا تزال عدة اصوات في لبنان تندد باحتفاظ حزب الله بترسانة عسكرية خارج اي اطار قانوني وبتدخله في الجمهورية العربية السورية، وتعتبر هاتين المسألتين عاملين يزعزعان الاستقرار في البلد ويقوضان الديموقراطية. وشدد السيد الحريري في كلمة القاها في 19 شباط\فبراير على “ضرورة اطلاق الدعوة الى طاولة حوار لبحث الاستراتيجية الدفاعية واعادةو قرار الحرب والسلم الى الدولة اللبنانية”. ويرى الكثير من اللبنانيين في استمرار وجود هذه الاسلحة خارج نطاق سلطة الدولة تهديدا ضمنيا بامكانية استخدامها داخل لبنان لاسباب سياسية”.
وذكر البيان بكلام لأمين عام حزب الله قاله عقب اغتيال الجنرال قاسم سليماني، القائد في حرس الثورة الاسلامية الايرانية اذا قال السيد نصر الله:” ان اغتيال قاسم سليماني ليس قضية ايرانية فقط، بل هو قضية تعني محور المقاومة بكامله. وقال ايضا :” اننا نحن قوى المقاومة يجب ان نذهب جميعا الى القصاص العادل”. موضحا ان هذا القصاص هو:” اخراج القوات الامريكية من منطقة الشرق الاوسط” مضيفا:” عندما تخرج امريكا من المنطقة سيجمع هؤلاء الصهاينة ثيابهم في حقائبهم ويرحلون. قد لا نحتاج الى معركة مع اسرائيل لتحرير فلسطين”. وأضاف:” “أتمنى ان يكون هناك وضوح شديد، لا نعني الشعب الامريكي ليس المقصود المس بالمواطنين الامريكيين صحفيين او عاملين طبيين بل انا اقول لكم المس بالمدنيين والمواطنين الامريكيين في اي مكان هو يخدم سياسة ترامب”.
وذكر البيان في المادة 41: احتفاظ حزب الله وجماعات اخرى بالسلاح، وهو ما يعترف به الحزب نفسه وهذه الجماعات الاخرى، وتعزيز حزب الله لترسانته حسب ما يزعم يطرحان عقبة شديدة امام الدولة على ممارسة سيادتها وبسط سلطتها بشكل كامل على اراضيها. وفي كلمة القاها السيد نصر الله في 11 تشرين الثاني \نوفمبر، نفى ان يكون حزب الله بحاجة الى استخدام معبر البوكمال بين العراق والجمهورية العربية السورية لنقل الاسلحة الى لبنان، مضيفا :” لدينا صواريخ اكثر مما نحتاج اليه ومحتارون اين نضعها لوفرتها”.
وقال التقرير في البند 43 :” لا يزال حزب الله واطراف لبنانية اخرى يخرقون سياسة النأي بالنفس ومبادئ اعلان بعبدا بمشاركتهم في النزاع الدائم في الجمهورية العربية السورية”. (…) وتطرق القرار في البند 44 الى السلا ح الفلسطيني فورد:” واستمر وجود الجماعات المسلحة الفلسطينية خارج المخيمات. فرغم القرار المتخذ في اطار الحوار الوطني في عام 2006 الذي جرى تأكيده في جلسات الحوار الوطني اللاحقة والذي ينص على نزع سلاح الميليشيات الفلسطينية خارج المخيمات في غضون فترة ستة اشهر، لم يحرز اي تقدم خلال الفترة المشمولة بالتقرير في ما يتعلق بتفكيك القواعد العسكرية الموجودة في البلد والتابعة لكل من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة وتنظيم فتح الانتفاضة”.
وفي الملاحظات: دعا الى:
-ضرورة مضي حكومة لبنان في برنامج البلد الاصلاحي وان تلبي الاحتياجات الملحة لشعبها وان يضع القادة في البلد الخطط الاصلاحية اللازمة وان ينفذوها. ودعا وسط جائحة كوفيد 19 الى مواكبة تدابير الوقاية بتقديم الدعم المالي والغذائي الى اضعف الفئات السكانية التي تعاني من الفقر المدقع والتي تتزايد اعدادها بسرعة.
وقال ان على الدولة ان تنفرد وحدها بسلطة حيازة الاسلحة واستخدام القوة في جميع انحاء اراضيها، وأضاف:” واواصل حث الحكومة والجيش في لبنان على اتخاذ جميع التدابير اللازمة لمنع حزب الله والجماعات المسلحة الاخرى من الحصول على الاسلحة وبناء قدرات شبه عسكرية خارج نطاق سلطة الدولة، في انتهاك للقرارين 1559 و1701″.
ودعا التقرير حزب الله الى وقف المشاركة في الحرب السورية “كما انه دليل على عدم تقيد حزب الله بنزع سلاحه ورفضه الخضوع للمساءلة امام مؤسسات الدولة نفسها التي يتوخى تعزيزها بتنفيذ القرار 1559″. وابدى قلقه من مشاركة حزب الله وعناصر لبنانية اخرى في القتال الدائر في اماكن اخرى في المنطقة وقال:” أهيب بالبلدان التي تربطها بحزب الله علاقات وثيقة ان تشجع على تحوله الى حزب سياسي مدني صرف، وعلى نزع سلاحه، وفقا لأحكام اتفاق الطائف والقرار 1559 (…)
وقال ان “اعتراف حزب الله مجددا بامتلاكه صواريخ يثير القلق ايضا. وأحيط علما باستمرار زعماء سياسيين في المناداة بوضع استراتيجية دفاعية وطنية من خلال عملية يتولى لبنان قيادتها ويمسك بزمامها، بما يتماشى مع التزاماته الدولية، وكما ذكرت في العديد من تقاريري السابقة، من المهم ان يتناول الحوار في هذا السياق ضرورة ان تصبح الدولة منفردة بسلطة حيازة الاسلحة واستخدامها واستخدام القوة، فهذه مسألة حيوية تمس صميم سيادة لبنان واستقلاله السياسي”.
كذلك ادان الخروق الاسرائلية للسيادة اللبنانية، واشاد بتعهد الحكومة اللبنانية بالحوار الفلسطيني اللبناني وتعهد الحكومة بتنفيذ خطة العمل الوطنية لتطبيق قرار مجلس الامن 1325، والى المحكمة الدولية وضرورة المحاسبة وعدم الافلات من العقاب. وقال بأن “الجهات المانحة مجددا تدعم مؤسسات الدولة في لبنان بما في ذلك الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي لانها في موقع الصدارة في الحفاظ على الامن الوطني لهذا البلد”. وحث الجهات المانحة على تزويد الاونروا بالتمويل وختم في البند 56 قائلا:” وإنني أعول على استمرار حكومة لبنان بتعهداتها الدولية، وأهيب بجميع الاطراف والجهات الفاعلة التقيد بالقرارات 1559 (2004)، 1680 (2006)، و1701 (2006)، وستواصل الامم المتحدة بذل مساعيها من اجل تنفيذ تلك القرارات المتعلقة بلبنان تنفيذا تاما”.