“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
كان يكفي لمن يتابع الشأن الدبلوماسي ولو عرضا بأن يحزر بأن الحملة الاعلامية التي بدأت مساء أمس عبر احدى القنوات التلفزيونية التابعة لما يسمى “خطّ الممانعة” ضد المندوبة الدائمة للبنان في نيويورك السفيرة أمل مدللي هي سياسية اعلامية مفبركة، وقد استكملت اليوم بمقال في صحيفة “ممانعة” أيضا وعبر مقربين من أحد وزراء الخارجية السابقين.
كان يكفي قراءة عنوان واحد لكي يحزر القارئ أن السفيرة التي تألقت العام الماضي دفاعا عن لبنان أمام اعضاء مجلس الامن الدولي في قضية اتهام اسرائيل لحزب الله بحفر انفاق في الجنوب هي عرضة لحملة تقودها ماكينة سياسية واعلامية متكاملة تسعى الى تدمير سمعة لبنان الدبلوماسية وتحركها أهداف سياسية ليس مستبعدا أن تكون تصب في مواجهة “الحريرية” الدارجة حاليا، ومدللي مقربة منها بفعل عملها لأعوام مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
كان يكفي ان تقرأ عن “مشاورات التمديد لـ”اليونيفيل” وأن تقرأ موقفا نسب لـ”دبلوماسي لبناني” (وهذا مستغرب جدّا بأن يتهم دبلوماسي لبناني زميلا له) يتهم السفيرة مدللي بالعمل على تغيير تفويض “اليونيفيل” وقواعد عملها في جنوب لبنان لتدرك أن الحملة مفبركة ولكنها تفتقر الى الذكاء وخصوصا حين يقرر من يقودونها ان التمديد لليونيفيل هو في نهاية الشهر الجاري بينما هو في آب المقبل، وحين يزعمون بأن مدللي حضرت اجتماع مشاورات يتعلق بالقرار 1701 فيما هو اجتماع مغلق لا يحضره إلا أعضاء مجلس الامن الدولي!
راسلت السفيرة مدللي بحسب معلومات موثوقة حصل عليها موقع “مصدر دبلوماسي” من أوساط على دراية بشؤون الدبلوماسية الأممية مجلس الامن الدولي لخمس مرات هذا الشهر اعتراضا على خروق اسرائيل للأجواء اللبنانية وقصفها لسوريا عبر أراضي لبنان. ويدرك العاملون في الشأن الدبلوماسي اللبناني أن بعثة نيويورك لربما تكون من أشد البعثات التصاقا يوميا بالتواصل مع الإدارة المركزية في بيروت نظرا الى شدّة الحساسية التي يحملها ملف لبنان في هذا المحفل الدولي. وقد تبلغت دوائر وزارة الخارجية والمغتربين في بداية أيار مراسلة من مدللي تعلم فيها الادارة المركزية عن مواعيد الاجتماعات ومن بينها انعقاد اجتماعين يخصان لبنان، الأول في 4 أيار الجاري وهو اجتماع دوري للتشاور بقرار مجلس الامن الدولي الرقم 1701، والثاني في 13 الجاري للتشاور في القرار 1559. أرجأت جائحة كوفيد-19 الاجتماع الذي كان مقررا الشهر الماضي حول القرار 1701 بسبب اقفال الامم المتحدة واجراءات انتقال الاجتماعات الى الجلسات الافتراضية وتقرر عقده في 4 أيار.
هذا الاجتماع سنوي ودوري ومغلق يضم اعضاء مجلس الامن الدولي وهو يندرج ضمن سياق المشاورات ولا ينعقد حتى في قاعة مجلس الامن الدولي بل في غرفة اجتماعات جانبية ولا يمكن ان يحضره البلد المعني بالمشاروات، وقد حضر الاجتماع الذي انعقد عبر تقنية “الفيديو كونفرانس” وكيل الأمين العام لعمليات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة جان-بيار لاكروا والمنسق الخاص للأمين العام للامم المتحدة في لبنان يان كوبيش. وأشارت اوساط أممية الى ان لبنان تدخل من اجل ضمان دعم دولي للحكومة اللبنانية ولضمان مساعدات انسانية واقتصادية للبنان لمواجهة جائحة كورونا ودفع في هذا الاتجاه. وعلمنا من احد اعضاء مجلس الامن الدولي بأن تدخل لبنان أدى ايضا الى تغيير في عبارات البيان الصحافي ليتضمن ادانة للخروق الجوية والبرية الاسرائيلية بعد أن أصر لبنان على أن البيان غير متوازن في صياغته إذ يذكر الخروق بشكل عام مساويا بين لبنان واسرائيل. فتم تعديله بناء على تذكير لبنان بأنه لا يجوز المساواة بين لبنان واسرائيل التي قامت بطلعات جوية في نيسان الفائت في اجواء لبنان بشكل غير مقبول ما حتّم على بعثة نيويورك ارسال 5 رسائل احتجاج الى مجلس الامن الدولي، وقد رفض لبنان ادراج عبارة
All Violations
في البيان ما ادى الى الغائها، بينما أضيفت فقرة عن استعداد مجلس الامن الدولي لدعم لبنان بسبب جائحة كورونا وهو ما حصل بفعل دول صديقة للبنان ابرزها فرنسا “حاملة القلم”.
ابلغت مدللي الخارجية اللبنانية بكل التفاصيل بحسب ما تروي اوساط عليمة بعمل وزارة الخارجية لموقعنا مشيرة الى أن:” سفير لبنان في الامم المتحدة لا يمكنه البتة اتخاذ قرارات مستقلة ولو كان سيحضر اجتماعا عاديا نظرا لحساسية موقع لبنان”. وتلفت الاوساط الى أن الاجتماع التشاوري “ليس مخصصا البتة للبحث بتعديل ولاية اليونيفيل وهو بالأساس ليس مدرجا في نهاية أيار ومن يتابعون هذا الملف يعرفون بأن هذا الأمر يبتّ في آب من كل سنة”. وتشير هذه الاوساط المطلعة الى أنه من ” الواضح ان من يروجون أقاويل بحق المندوبة الدائمة للبنان ليسوا مطلعين على أساسيات عمل مجلس الامن وملفات لبنان، فالاجتماع في الرابع من الجاري هو تشاوري محض ولم يبحث بتغيير التفويض”. من المعروف أن تبديل تفويض “اليونيفيل” هو محط تصريحات دائمة لمندوبي الولايات المتحدة الاميركية في مجلس الامن الدولي منذ 3 أعوام، وقد واجهه لبنان عبر بعثته بالمفاوضات الشاقة لغاية الآن منعا لتثبيته في النصوص في مواجهة مباشرة مع اسرائيل التي تدفع في اتجاه تخفيض عديد “اليونيفيل” وتوسيع تفويضها في آن.
تشغل مندوبة لبنان الدائمة في الامم المتحدة أمل مدللي منصب نائبة رئيس اللجنة الاولى المتعلقة بنزع السلاح وانتشار الاسلحة النووية وهي نائبة رئيس اللجنة الاعلامية في الامم المتحدة وتقود مدللي مفاوضات دولية بالتعاون مع سفراء حول “الاعلان السياسي العالي المستوى” الذي سيصدر في تموز المقبل، وهي قادت مع زملاء لها ايضا مفاوضات بيئية شاقة تقوم بها المنظمة الدولية وذلك بإسهام غير مألوف من بلد صغير كلبنان.
ربما لا تترك التناحرات السياسية الضيقة مكانا للكفاءة في الداخل اللبناني، فإذا بها تتوسع لتلاحق اللبنانيين الأكفاء حتى الى نيويورك ولا تمانع في تدمير سمعة لبنان في الداخل والخارج، والسؤال: هل ستتحرك وزارة الخارجية والمغتربين ووزيرها ناصيف حتي دفاعا عن سفيرة لبنان؟ وهل ستفتح تحقيقات بحوادث تسريب غريبة تحصل في البعثة في نيويورك منذ مدة؟