“مصدر دبلوماسي”
قدّم رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع اليوم في الاجتماع الذي دعا اليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لرؤساء الكتل النيابية القراءة القواتية حول الخطة الاصلاحية للحكومة اللبنانية، وتضمنت القراءة القواتية ملاحظات جديرة بالتوقف عندها كذلك البنود الاصلاحية المقترحة قواتيا. ينشر موقعنا الورقتين بأكملهما.
ملاحظات حول الخطة الإصلاحية للحكومة اللبنانية
المرجع: قرار مجلس الوزراء رقم ١٣ من المحضر ٢٦ تاريخ ٣٠/٤/٢٠٢٠
عبثاً نبحث عن خطة إنقاذية ما دامت الحكومة لم تقدم على تنفيذ خطوات إصلاحية ملموسة وفي متناول اليد.
لكنّنا، ولضرورات البحث، سنضع بعض الملاحظات الجوهرية على خطة الحكومة الإنقاذية، فقط من باب الإضاءة على ثغر كبيرة موجودة فيها، خصوصاً انّ بعضها يضرب عرض الحائط بأسس نظامنا الاقتصادي الحر الذي قام عليه لبنان منذ الاستقلال، كما ويخالف أحكاماً أساسية من الدستور اللبناني.
- مقدمة
ان الخطة الإصلاحية للحكومة لم تتضمن تحليلا علميا للأزمة واكتفت بسرد للأحداث وبعض الأسباب التي أوصلت البلاد للحالة الراهنة، بالتالي نعتقد أن الحلول المقترحة تفتقر لمنهجية اقتصادية علمية تستند على معطيات وأرقام دقيقة وكافية تمكن من أعدها تقديم مقاربة شاملة للشقين المالي والنقدي.
٢– تمويل الخطة
إنّ عصب أيّ خطة إنقاذية يكمن في تمويلها.
ورد في أماكن عدة من الخطة ذكر المصادر الخارجية للبدء بتمويل الخطة: صندوق النقد الدولي، أصدقاء لبنان، مؤتمر سيدر وغيرها.
ولكن كلّنا يعرف معرفة اليقين أنّ الجهات الخارجية المموّلة لن تعطي لبنان هبات أو قروضاً قبل أن يثبت من جديد أنّه دولة بالمعنى السيادي الكامل للكلمة، تمتلك حكومته بالفعل قرار السلم والحرب، وتسيطر قواه المسلّحة الشرعية على كامل حدوده الدولية، كما على أراضيه كافة.
فأين هي الحكومة من كل ذلك، وما هو طرحها بهذا الخصوص، وما هي خطّتها العملية؟
3– السياسة المالية-تدبير خفض الانفاق
– ترتكز الخطة الحكومية على مبدأي ترشيد الانفاق وإصلاح القطاع العام لتغيير النهج الحكومي وادراج الإصلاحات المالية المنوي تنفيذها بحسب الخطة. فهذين المبدأين اعتاد اللبنانيون على قراءتهم في فذلكة موازنات الدولة والبيانات الوزارية منذ عقود حتى اليوم. فماذا سيتغير اليوم وكيف ولماذا وما هي الضمانات بتحقيقها؟
فالخطة تضمنت تجميد التوظيف والانتظار عبر السنوات القادمة لكي يتناقص حجم القطاع العام بفعل تقاعد نسبة من الموظفين، وهنا لا بد لنا من التوقف عند غياب التزام الحكومة إعادة النظر فورا بحجم القطاع العام لا سيما التوظيفات العشوائية التي حصلت خلال السنوات الماضية خلافا للقوانين (قانوني ٤٥ و ٤٦ / ٢٠١٧ سلسلة الرتب والرواتب وتمويلها) ولقرارات مجلس الوزراء) فهل الأزمة التي يعاني منها لبنان لا تستوجب اصلاحا فعليا للقطاع العام وتنظيفه من عبء المحاصصة والتوظيفات الوهمية التي أدت الى انتفاخ القطاع العام وانعدام انتاجيته؟
– تتضمن الخطة عزم الحكومة على تقديم زيادات مقطوعة للرواتب الاسمية لموظفي القطاع العام. فهل يعقل تنفيذ هكذا اجراء بعد إقرار سلسلة رتب الرواتب والدخول في أزمة اقتصادية خطيرة يعتبر انتفاخ القطاع العام وانتفاخ حجم الرواتب في الموازنة العامة من أهم أسبابها؟
-تتضمن الخطة تحضير قاعدة بيانات شاملة للوظائف من دون تحديد كيف ستتعاطى الحكومة معها حين تجهز وما هي آلية تطبيق الإصلاحات وما هو اطارها الزمني.
– شمل تدبير خفض النفقات خطة لدمج ٧٣ هيئة عامة وتنفيذها عندما يكون ذلك ممكنا. فمتى وكيف يكون ذلك ممكنا؟ حتى الحكومة السابقة قد سبق وتقدمت قبل استقالتها بنيتها تخفيض موازنات الكثير من هذه الهيئات بنسبة ٨٠٪ بينما لم نرى التزاما واضحا من الحكومة الحالية حتى لناحية تخفيض بعض من موازناتها. فالوعود من دون الالتزام الواضح بالتطبيق ومن دون تحديد الآليات التنفيذية لا يمكن أخذها على محمل الجد.
4- السياسة المالية-تدبير تعزيز الايرادات
– تتضمن الخطة مبدأ توسيع القاعدة الضريبية وتحسين معدل الامتثال وذلك عبر زيادة التدقيق الضريبي. انه أمر هام جدا ويعتبر شرطا أساسيا للإصلاح المالي في الدولة ولكن الخطة لم تشمل آليات تنفيذه ولم توضح أسباب غيابه في السنوات السابقة ولم توضح من سيقوم بهذا التدقيق. فهل الإدارة الحكومية نفسها التي لم تقم بعملها خلال السنوات الماضية هي من ستقوم به الآن؟ كيف ولماذا؟ لماذا لم يتم الوقوف عند آراء كبار المدققين (Big four) لتحديد آلية تفعيل الجباية والنظر بإمكانية التنسيق مع القطاع الخاص للتدقيق بحسابات المالية العامة تماما كما اقترحت الحكومة التدقيق بحسابات المصرف المركزي؟
– ان الزيادات الضريبية المقترحة (على الأرباح من ١٧ الى ٢٠٪ وعلى الأجور من شطر ٢٥ ال ٣٠٪) ليست مدروسة ولن تفي بغرضها تماما كما حصل مع البنود الضريبية التي أقرت لتمويل سلسلة الرتب والرواتب. من جهة اخرى، إنّ مكلفي القطاع الخاص منهم من يقوم بواجباته ويدفع ضرائبه ومنهم من يتهرب من الضرائب. مع الأزمة الحالية تفاقمت الأمور وأصبح من المستحيل على المكلفين الذين يدفعون ضرائبهم أن يستمروا بأعمالهم فكيف إذا تم إقرار زيادة بالضرائب عليهم؟ هذه التدابير الضريبية ستودي بغالبيتهم الى الافلاس والبطالة وستؤدي الى أزمة اجتماعية لا تحمد عقباها ان لم تعمل الحكومة على توسيع فعلي لجباياتها وتأمين العدالة أمام القانون لكافة مواطنيها من خلال آليات تنفيذية لم نقرأها بخطة الحكومة.
– تضمنت هذه الفقرة زيادة بالضرائب على فوائد الودائع المصرفية الكبيرة (ما يزيد عن مليون دولار) من ١٠ الى ٢٠٪. فهنا لا بد انتظار إقرار مقاربة شاملة وموضوعية حول كيفية إعادة هيكلة القطاع المصرفي قبل إقرار هكذا تدابير لا سيما مع نية الحكومة اقتطاع كبرى الودائع بشكل عمليات (bail in).
– زيادة القيمة المضافة على الكماليات، فما هي هذه الكماليات وهل ستبقى متوفرة في السوق بفعل الأزمة الحالية والارتفاع بسعر الدولار وعدم إمكانية استيراد قسما كبيرا منها.
– استرداد الأصول المسروقة على قاعدة التحليل القانوني وقد ذكرت الخطة مبلغا يقارب ال ١٠ مليار دولار خلال السنوات الخمس القادمة. فكيف تأكدت من إمكانية تحقيق هذا الرقم وكيف يمكن تحقيقه ان قامت الإدارة المالية نفسها بتدقيق الحسابات. ان آليات تنفيذ هذه الفقرة تتطلب خطة واضحة توضع بالتنسيق مع الهيئات الرقابية (ديوان المحاسبة وهيئة التفتيش وغيرها) وبدعم من القطاع الخاص (شركات تدقيق عالمية) كي لا تبقى وعودا اعتدنا على قراءتها وسماعها مرارا وتكرار في السنوات الماضية.
5-إعادة هيكلة مصرف لبنان والمصارف
ان إعادة هيكلة مصرف لبنان والمصارف التجارية الخاصة لا يمكن أن تأتي عبر خطة حكومية تم إقرارها من دون التشاور مع الأطراف المعنية ومن دون الحصول على موافقة واضحة وتصور عملي وشفاف تتقدم به الجهات نفسها. فالودائع المصرفية هي ملكية خاصة بأصحابها وليست ملكا عاما. وان الملكية الخاصة هي مبدأ اقتصادي كفله الدستور اللبناني، ونظامنا الحر لا يسمح للحكومة وضع يدها على الملكيات الخاصة. اننا نتفهم تماما خطورة الأزمة ووجوب إقرار بعض التدابير الموجعة الا أنها لا يمكن أن تكون بشكل الزامي يترجم نظرة البعض من دون التوقف عند رأي أصحاب الشأن والسلطة النقدية المؤتمنة على هذا القطاع. ومهما كانت الأسباب والأخطاء التي ارتكبت في الماضي، فهذا لا برر اقدام الحكومة على إقرار خطة تنوى تنفيذها بالقوة ومن دون التوافق مع الأطراف المعنية بها. هكذا أمر من شأنه أن يغير طبيعة لبنان ونظامه الاقتصادي والسياسي الحر والديمقراطي. ويتوجب على الحكومة الحفاظ على القطاع المصرفي لكي يستعيد عافيته لان من دونه لن ننهض ولن نخرج من أزمتنا وسنعرض بلدنا ومقدراتنا لأشد المخاطر المالية والنقدية التي لن يمكن الرجوع عنها في المستقبل.
ان المساس بودائع الناس رغما عنهم أمر غير مقبول ولا يمكن تنفيذه بشكل اختياري كما ذكر بالخطة ان لم تفتح أبواب الحوار الجدي والفعلي مع كافة المعنيين بهذا القطاع. فعمليات ال bail in ان أتت اختيارية كما أدرجت بالخطة ستكون مرفوضة من غالبية المودعين. كما وان الإعفاءات ان طالت فقط الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وبعض صناديق النقابات المقوننة بتشريعات ستؤدي الى كارثة اجتماعية كبرى. فالكثير من المهن والمؤسسات تملك ودائع بشكل صناديق تعاضدية وتعويضات للمستخدمين الذين يعملون لصالحها. فان لم تعفى هذه الحسابات من عمليات التحويلات والاقتطاع سنشهد انهيارات للكثير من القطاعات لا سيما الجامعات والمدارس الخاصة في لبنان.
6- بيئة الاعمال والإصلاحات الهيكلية الأخرى
– لقد افتقدت الخطة الى خارطة طريق واضحة للنهوض بالقطاعات الانتاجية لا سيما الزراعة والصناعة، فلماذا لم تقدم الحكومة على تحضير واقرار خارطة طريق للنهوض الفعلي بهذه القطاعات مع يترتب عليها من موارد وخطط وإطار زمني للتنفيذ؟
7- خاتمة
المطلوب اليوم هو إقرار خطة للدولة اللبنانية (وليس فقط للحكومة) بفعل تشاركي من كافة الأطراف المعنية تحاكي الواقعين المالي والنقدي وتقدم حلول علمية وواقعية، والمطلوب التضحية من كافة أطراف المجتمع، فلا يمكن تحميل وزر الأزمة لفئة معينة من المجتمع (قطاع خاص، مودعين، مكلفين يدفعون ضرائبهم) بل يتوجب إيجاد حلول تراعي مبدأ العدالة الاجتماعية كي لا تقضي التدابير المالية والنقدية على ما تبقى من العقد الاجتماعي الذي يجمع اللبنانيين بدولتهم ومؤسساتهم.
يبقى انّ الخطوة الأولى والأساس في اي خطة إنقاذية للبلاد هي القيام بمجموعة خطوات إصلاحية ملموسة تؤشّر من خلالها الحكومة الى اننا ننتقل فعلاً لا قولاً من دولة الفساد وسوء الإدارة والفلتان، الى دولة الإصلاح المنشودة، ماذا وإلاّ عبثاً تطرح الخطط وعبثاً نحلم بالإنقاذ.
بنود إصلاحية عملية
إنّ أيّ خطة إنقاذية للبلاد تستوجب قبل كل شيء مجموعة خطوات إصلاحية عملية، وليس مجرّد إعلان نوايا، تكون مدخلاً لسدّ جزء من مكامن الهدر في الدولة، ومن جهة ثانية مدخلاً لزيادة مداخيلها، من دون فرض اي ضرائب جديدة.
والأهمّ من ذلك كلّه، لن تستطيع الحكومة الحالية، أو اي حكومة أخرى، استعادة ثقة الداخل او الخارج – هذه الثقة المهمّة جداً جداً لأي خطة إنقاذية- من دون خطوات عملية ملموسة بعد سنوات وسنوات من الوعود العرقوبية الكاذبة والتي لم تؤدِّ سوى الى هلاك البلاد.
هنا بعض الخطوات الإصلاحية التي يمكن المباشرة بتنفيذها فوراً، على سبيل المثال لا الحصر:
- إلغاء الـ5300 عقد عمل التي أُبرمت بشكل غير قانوني بعد صدور قانون سلسلة الرتب والرواتب لمصالح انتخابية وتعيينات سياسية. إنّ لحجم العمالة في القطاع العام تأثير سلبي على المالية العامة وساهم في أزمة الديون، وبالتالي، فإن أي إجراء يحدّ من الفائض في الإدارة العامة سيسهم في تحسين الوضع المالي. لا شكّ في أنّ الـ5300 حالة الموثّقة هي غيضٌ من فيضٍ؛ فمزيد من البحث يكشف عن ارقام تصل الى عشرات الآلاف.
- إغلاق جميع المعابر غير الشرعية بين لبنان وسوريا إذ أنها تتسبّب في هدر مئات الملايين من أموال الجمارك والضرائب بالإضافة إلى الإغراق التجاري للأسواق المحلية بالسلع المهربة وضرب الصناعة والزراعة اللبنانيتين بالإضافة الى تعطيل التجارة الشرعية.
- تحسين التحصيل الجمركي حيث الفساد المنتشر على نطاق واسع هو مصدر خسارة كبيرة في المداخيل وتلزم معالجته على الفور من خلال التغيير في إدارة الجمارك. يؤدي غياب الرقابة الصارمة والافتقار إلى التنفيذ الكامل للقوانين الحالية إلى فقدان مئات الملايين من الدولارات الأمريكية سنويًا.
- إصلاح قطاع الكهرباء، حيث يكلّف دعم الكهرباء الخزينة حوالي ملياري دولار أمريكي سنوياً. بقي هذا الملف من دون حل على مدى سنوات عديدة بسبب رفض الطرف الذي سيطر على وزارة الطاقة والمياه تطبيق الحلول المناسبة. لم يتم تشكيل الهيئة الناظمة، ولم تُنفّذ القوانين المعمول بها، وتم اعتماد نهج ملتوٍ لإدارة القطاع، مما أدى إلى الفشل في توفير خدمات الكهرباء على النحو المطلوب، واستمرار الخسائر الكارثية المتكررة، مما ألحق أضراراً جسيمة بالمالية العامة تمثّل بحوالي 45 بالمئة من الدين العام المتراكم في السنوات العشر الماضية فقط. في حين توجد حلول سريعة وفعالة، يصرّ الطرف المسؤول عن هذا القطاع على استبعادها للحفاظ على النهج الحالي الفاسد والخاطىء.
- ما ينطبق على الكهرباء ينطبق إلى حد كبير على الاتصالات، حيث تم حلّ الهيئة الناظمة ولم يُنفّذ القانون الذي صدر عام 2002 ، مما أدى إلى ركود القطاع وارتفاع الأسعار مع تناقص العائدات. يستمر استخدام هذا القطاع كشكل من أشكال الضرائب بدلاً من أن يكون أداة للنمو الاقتصادي ورافعة لخفض الديون.
- الاستفادة من إدارة المناقصات العامة التي تم استبعادها من جميع أنشطة المشتريات الرئيسية لتغطية الرشوة والفساد.
- اعتماد بشكل حاسم آلية شفافة وفعّالة للتعيينات في المراكز العليا من إدارة الدولة.
لا يتطلب ما سبق ذكره جهوداً كبيرة وهو ليس تعبيراً عن أفكار عامة غير قابلة للتنفيذ، بل هي خطوات يمكن أن تنفّذ على الفور إن كان هناك قرار سياسي بذلك.
تتلخص أهمية هذه الخطوات، في حالة تنفيذها، في العناصر الثلاثة التالية:
- العنصر الأول: إن تطبيق هذه الإجراءات يسمح للحكومة بتأمين إيرادات إضافية فورية من دون اي زيادة ضريبية على المواطن.
- العنصر الثاني: لا يمكن تنفيذ أي خطة إنقاذ دون معالجة الثغرات المسبِّبة للهدر والتي تعد ضرورية لإعادة الانتظام في الإدارة العامة والمالية العامة، وطمأنة المواطنين إلى أن الحكومة تستعيد دورها.
- العنصر الثالث: توجيه رسالة إلى الداخل كما الى المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية، وخاصة صندوق النقد الدولي، مفادها أن الحكومة جادة بشأن الإصلاحات التي، بمجرد إثبات جدّيتها، تفتح آفاق مستقبلية للتعاون والدعم، لأن الثقة هي مفتاح الاستقرار المالي والاستثمارات .