“مصدر دبلوماسي”: مارلين خليفة-مقالات مختارة
وسط حالة الاختناق الداخلية والخارجية التي يعيشها لبنان وخصوصا اقتصاديا، تبدو دولة قطر الرئة العربية والخليجية التي قد يتنفس منها هذا البلد في المدى القريب. مع تراكم الازمات واخرها فيروس كوفيد –19 ، لم تتراجع الارادة القطرية في التصميم على تقديم الدعم للبنان
قفز فيروس كوفيد – 19 الى واجهة الحوادث الدولية، وفرض ذاته جزءا من اي حوار حتى على المستوى الديبلوماسي نظرا الى تداعياته العميقة في دول العالم قاطبة بعد تصنيفه جائحة من منظمة الصحة العالمية. ليست دولة قطر في منأى عن هذا الفيروس، لكنها نجحت في ضبطه عبر تدابير صارمة امر بها اميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وهي جمعت بين تقليص الحركة والتباعد الاجتماعي وبين اتخاذ تدابير لمساعدات مالية واعفاءات للمواطنين القطريين.
يقدم سفير قطر في لبنان محمد حسن جابر الجابر لمحة سريعة عن ادوار بلاده المتعددة محتفظا بالكثير من التفاصيل الحيوية، على عادة الديبلوماسية القطرية التي تعتمد التأني والحرص على ان تحصل على نتائج فعالة. وهو ما تمت معاينته بشكل ملموس اثر حصارها عام 2017، حيث حافظت قطر على قدراتها وصمدت عبر التخطيط الاقتصادي السليم والاعتماد على الاكتفاء الذاتي، بحسب السفير الجابر.
تواصل قطر سياستها الهادفة في لبنان الى تعزيز العلاقات على المستويات كافة، مع تركيز في المرحلة المقبلة على تفعيل اعمال اللجنة العليا المشتركة بين البلدين بتوجيه مباشر من امير البلاد.
* ما هي الاجراءات التي اتخذتها دولة قطر في مواجهة فيروس كوفيد – 19؟
– سارعت دولة قطر منذ الايام الاولى لتفشي فيروس كورونا المستجد الى اتخاذ اجراءات عدة للحد من تفشيه في البلاد، وقد وجه حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد ال ثاني امير البلاد المفدى خلال ترؤس سموه اجتماع اللجنة العليا لادارة الازمات لمتابعة كل التطورات والاجراءات الاحترازية لمكافحة انتشار فيروس كورونا المستجد او كوفيد 19 بالشروع في حزمة من القرارات والاجراءات، ابرزها: ايقاف جميع الرحلات القادمة الى الدوحة بدءا من مساء الاربعاء في 18 اذار الفائت ولمدة 14 يوما قابلة للتجديد، واستثنيت من ذلك رحلات الشحن الجوي ورحلات الترانزيت، بالاضافة الى استقبال اي من المواطنين القطريين القادمين من اي وجهة في العالم من دون تحديد ذلك بفترة زمنية على ان يتم تطبيق الحجر الصحي عليهم لمدة 14 يوما. كذلك تقرر ايقاف جميع وسائل المواصلات العامة، ويشمل ذلك خدمات المترو والحافلات، وتم السماح للفئات التالية بالعمل من بعد: الموظفون فوق سن الـ55، والنساء الحوامل، والاشخاص الذين يعانون من امراض مزمنة مثل السكري وامراض القلب والكلى والضغط. تم الشروع بمباشرة جميع الطلبة في المدارس الحكومية الدراسة من بعد. كذلك جرى اتخاذ حزمة من القرارات المتعلقة بالقطاع الاقتصادي والمالي، ابرزها توجيه حضرة صاحب السمو بدعم وتقديم محفزات مالية واقتصادية بمبلغ 75 مليار ريال قطري للقطاع الخاص، قيام المصرف المركزي بوضع الالية المناسبة لتشجيع البنوك على تأجيل اقساط القروض والتزامات القطاع الخاص مع فترة سماح لمدة ستة اشهر توجيه بنك قطر للتنمية بتأجيل الاقساط لجميع المقترضين لمدة ستة اشهر، وتوجيه الصناديق الحكومية لزيادة استثماراتها في البورصة بمبلغ 10 مليارات ريال قطري. كذلك تم اعفاء السلع الغذائية والطبية من الرسوم الجمركية لمدة ستة اشهر واعفاء القطاعات التالية من رسوم الكهرباء والماء لمدة ستة اشهر: قطاع الضيافة والسياحة، قطاع التجزئة، قطاع الصناعات الصغيرة والمتوسطة، المجمعات التجارية مقابل تقديم خدمات واعفاءات للمستاجرين والمناطق اللوجستية والاعفاء من الايجارات للمناطق اللوجستية والصناعات الصغيرة والمتوسطة لمدة ستة اشهر.
* اين تركزت الاصابات بكوفيد – 19 في قطر؟
– بالنسبة الى حالات الاصابة بفيروس كورونا المستجد والتي تم الاعلان عنها، فان الغالبية العظمى منهم من العمالة الذين يخضعون للحجر الصحي، علما ان جميع الحالات المصابة تتمتع بصحة جيدة ولا تظهر عليها اية اعراض مرضية باستثناء بعض الحالات التي تظهر عليها اعراض طفيفة، ويتلقى جميعهم الرعاية الطبية الكاملة في العزل الصحي، وفقا لبيانات وزارة الصحة في دولة قطر. تجدر الاشارة الى ان دولة قطر تقدم الدعم من خلال صندوق قطر للتنمية الى الدول التي تشهد تفشي كبير للفيروس، وقد ارسلت في هذا الاطار حزمة مساعدات طبية الى الصين وايران، ويجري البحث في امكان دعم دول اخرى من اجل مواجهة هذا الوباء العالمي.
* هل لك ان تقيّم لنا تجربتك في لبنان منذ قرابة سنة ونيف؟
– هي ليست المرة الاولى لي في لبنان، اذ كنت قنصلا في السفارة منذ نحو 13 سنة وغادرته بعدما تم تعييني سفيرا في الخارج. شهدت على مراحل عدة من تطور العلاقات الثنائية الاخوية بين قطر ولبنان وتوقيع الاتفاقيات في مختلف المجالات. وقد دعمت دولة قطر لبنان في مشاريع حكومية عدة ومن خلال وكالات الامم المتحدة العاملة في لبنان، كما تم تعزيز التبادل السياحي بفضل قرار الغاء تأشيرات الدخول للبنانيين الراغبين في السفر الى قطر. حاليا، هنالك اتفاقيات عدة قيد الدراسة بين الجانبين وتبادل للزيارات ومشاركات لمسؤولين لبنانيين في مؤتمرات تنظمها الدوحة خلال هذا العام.
* يواجه لبنان اعتى ازمة سياسية واقتصادية منذ نيله استقلاله عام 1943، وقد كانت دولة قطر قد اسهمت في تسوية سياسية عرفت باتفاق الدوحة عام 2008، فهل من دور ولاسيما اقتصاديا قد تلعبه قطر في هذه المرحلة؟
– شهدت على التسوية السياسية التي عرفت باتفاق الدوحة، اذ كنت قائما بالاعمال في السفارة في لبنان انذاك. تقف دولة قطر الى جانب اللبنانيين اليوم مثلما فعلت في السابق وسوف تقف الى جانبهم في المستقبل، اذ ان سمو الامير الوالد وصاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وشعب دولة قطر، يكنون محبة صادقة ومميزة للاشقاء اللبنانيين وللبنان.
* ماذا اثر تشكيل الحكومة الجديدة على العلاقات والتعاون بين البلدين؟
– ظلت دولة قطر تنتهج سياسة ثابتة في التعامل مع الجمهورية اللبنانية على اختلاف الحكومات التي تشكلت على مر السنوات، بغض النظر عن توجهات القوى السياسية التي تشارك في هذه الحكومات. بالتأكيد ستواصل دولة قطر سياستها الهادفة الى تعزيز العلاقات وتنمية التعاون مع لبنان في مختلف المجالات، بما يحقق تطلعات البلدين والشعبين الشقيقين.
* زرتم رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب اكثر من مرة، وكان الامر لافتا، هل من مشاريع قطرية معينة قيد الاعداد مع لبنان؟
– قمنا بزيارة الرئيس حسان دياب بعد ان نالت الحكومة الثقة من المجلس النيابي وقدمنا له التهنئة بمنصبه، متمنين له التوفيق في مهامه في المرحلة الدقيقة التي يمر فيها لبنان وفي ظل التحديات التي تواجهها الحكومة على الصعيد الاقتصادي والمالي. واكدنا دعم دولة قطر للبنان، حكومة وشعبا كما رحبنا بكل جهد وكل خطوة من شأنها ان تعزز العلاقات الاخوية بين البلدين.
* ماذا عن تفعيل اللجنة العليا اللبنانية القطرية؟
– لا بد من الاشارة الى توجيهات حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني امير البلاد المفدى حفظه الله بتفعيل اعمال اللجنة العليا المشتركة بين دولة قطر والجمهورية اللبنانية، والتي تشمل مشاريع عدة واتفاقيات في مجالات الصحة والتعليم العالي والسياحة والقضاء والرياضة. كما يشمل تفعيل العلاقات تبادل للزيارات الرسمية والبحث في امكان توطيد اواصر التعاون على كل المستويات، لما فيه خير الشعبين الشقيقين ومصلحتهما. المرحلة المقبلة سوف تشهد ان شاء الله تنشيطا لاعمال اللجنة وتوقيع للاتفاقيات التي كانت قيد البحث بين الجانبين.
* ما هي ابرز محطات العلاقة اللبنانية ـ القطرية، التبادلات التجارية الاقتصادية، المجالس المشتركة؟
– ترتبط دولة قطر بعلاقات وطيدة مع الجمهورية اللبنانية. بلا شك، هنالك محطات بارزة في تاريخ العلاقات بين البلدين، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: اسهام دولة قطر في اعادة اعمار لبنان بعد العدوان الاسرائيلي في العام 2006، مشاركة قوات الواجب القطرية في حفظ السلام في جنوب لبنان، نجاح دولة قطر في 2008 في انجاز اتفاق تاريخي للمصالحة بين الافرقاء اللبنانيين.
* هل من مشاريع معينة وخصوصا في مجال الطاقة والنفط؟
– في العام الفائت، زار وزير الدولة لشؤون الطاقة لبنان واجرى محادثات مع المسؤولين اللبنانيين. كان الهدف من الزيارة البحث في شؤون التعاون في مجال الطاقة والنفط، نظرا الى خبرة دولة قطر في هذا المجال وريادتها.
* كيف واجهت قطر الحصار الاقتصادي الذي تعاني منه منذ 2017؟
– النجاح المشهود لدولة قطر في مواجهة الحصار الجائر المفروض تحقق بفضل النهج الهادئ والحازم الذي انتهجته القيادة الحكيمة في ادارة الازمة، والسياسة الخارجية القائمة على الانفتاح على العالم باسره، والتخطيط الاقتصادي السليم استنادا الى رؤية قطر 2030 وسياسات الاعتماد على الذات والاكتفاء الذاتي من بعض السلع التي انتهجتها الدولة في وقت لاحق، وقد باتت دولة قطر الان اقوى من اي وقت مضى.
* زار سمو الامير تميم طهران بعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس، ما كان هدف الزيارة؟
– تناولت زيارة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد ال ثاني امير البلاد المفدى الى العاصمة الايرانية طهران بعد اغتيال قاسم سليماني العلاقات الثنائية وآخر تطورات الاحداث في المنطقة والقضايا الاقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. لعلكم تابعتم موقف دولة قطر الداعي منذ بداية الاحداث الى وقف التصعيد، وسعيها الى نزع فتيل الازمة، وحضها جميع الاطراف على ضبط النفس والتأكيد على ضرورة انتهاج الطرق السلمية لحل الخلافات ودعوتها المجتمع الدولي الى الاضطلاع بمسؤولياته لضمان امن المنطقة واستقرارها.
* لطالما دعت قطر الى تسوية الازمة الخليجية عبر الحوار البناء الذي يحفظ سيادة الدول. وقد حملت القمة الخليجية الـ40 التي عقدت في الرياض اجواء تصالحية جددت الحديث عن حل الازمة، لكن لم يظهر شيء عمليا بعد، لماذا؟
– بالفعل ظلت دولة قطر تدعو منذ اعلان الحصار عليها في حزيران 2017 الى حل الخلافات عبر الحوار القائم على: الاحترام المتبادل، والمصالح المشتركة، وعدم الاملاء في السياسة الخارجية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ولا تزال دولة قطر على استعداد للحوار وفق الاسس الاربعة.
* ماذا عن كأس العالم 2022 وكيف تتحضر له قطر؟
– دولة قطر من خلال تنظيمها كأس العالم 2022 تحتفي بكرة القدم وتبني جسور التفاهم بين الثقافات وتعمل على خلق الفرص. استضافة البطولة في قطر تعني بالنسبة الى الدولة الارتقاء في تنفيذ هذه المهمة للوصول الى مستقبل مستدام وارث دائم لقطر والمنطقة وقارة اسيا والعالم اجمع. ستشكل البطولة احتفاء فريدا باسمى معاني الانجاز الانساني على ارضيات الملاعب، وفي قطر وحول العالم. ستكون شاهدا على تقارب الناس من مختلف الارجاء وجسرا يربط بينهم عبر مهرجان كرة القدم في بيئة امنة للجميع. لا شك في ان استضافة كأس العالم للمرة الاولى في الوطن العربي ستمنح العالم فرصة لاستكشاف عاداتنا وتقاليدنا العربية العريقة. نحن نرغب في ان يتعرف الجميع على المخزون الثقافي الثري والمشاهد الطبيعية الساحرة والمعالم الفريدة التي تنعم بها قطر. اما بالنسبة الى المنشآت والتجهيزات الميدانية، فقد قام مهندسون معماريون رائدون من مختلف انحاء العالم ببناء الملاعب الضخمة وهي مستوحاة من تاريخ دولة قطر وثقافتها، ومصممة لخدمة الاجيال العديدة المقبلة. سيتم تجهيز كل الملاعب ومرافق التدريب والمناطق المخصصة للمشجعين بتكنولوجيا للتبريد بالطاقة الشمسية، وستكون جميعها صديقة للبيئة مع امكان التحكم في مناخ هذه الملاعب. بعد انتهاء البطولة، سيتم فك 170 الف مقعد من 9 ملاعب ليتم منحها الى دول اخرى كمساعدة من قطر لتحسين البنية التحتية الرياضية الخاصة بتلك الدول.
*نشرت هذه المقابلة في العدد 79 لمجلة الامن العام الصادرة في نيسان 2020