“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
اختار رئيسا الجمهورية والحكومة توقيتا غير ملائم لطلب مساعدات مباشرة للبنان من دول مجموعة الدعم الدولية التي انعقدت في قصر بعبدا منذ يومين. وسط جائحة كةفيد-19 التي اربكت دولا عظمى، فإن الطلبات اللبنانية مستغربة جدا من قبل ممثلي هذه الدول مع اعترافهم بأن لبنان يمر بأفظع أزمة اقتصادية ومالية في تاريخه. لا تصلح مقولة أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا بالنسبة الى التأخر اللبناني في تنفيذ اصلاحات بنيوية في الاقتصاد والمالية والنظام المصرفي والكهرباء والضرائب والقضاء وسواها، التأخير أضر بلبنان ولم ينفعه بسبب نشوء أزمة تلف العالم أجمع ما يجعل الدول أشد قساوة مما كانت عليه بحسب تعبير أكثر من سفير تحدث اليهم موقع “مصدر دبلوماسي” في ما يخص الاجتماع المذكور. لا تؤجل عمل اليوم للغد هو المثل الذي يجب ان يقود لبنان من الآن فصاعدا، وقبل التوغل في احاديث السفراء وانطباعاتهم من الاجتماع، لنبدأ بالإيجابيات التي خرج فيها هؤلاء ويمكن تلخيصها كالآتي: تعمل حكومة حسان دياب بجدّية واجتهاد لم يطبعا عمل الحكومات السابقة، لا تزال هذه الحكومة تلقى دعما دوليا قويا، تنظر اليها الدول بأنها حكومة تتقدم بخططها وأنه باستطاعتها صياغة طلبات لبنان عبر وضع خريطة طريق للاصلاحات، ولبنان يحتاج الى ذلك بقوة. لكن، لا ينتظرّن أحد أن يأتي شريك للبنان ومعه 10 مليارات دولار أميركي ويضعها على طاولة المسؤولين اللبنانيين، هذا الأمر غير ممكن.
في تفاصيل المواقف الدولية، في الشكل كان الاجتماع طويلا جدا بالنسبة للعديد من السفراء حيث استمر ساعتين ونصف الساعة وهو أمر سبب انزعاجا في هذه المرحلة الصعبة من العزل الصحي العام.
تركز الاجتماع بحسب مصادر السفراء على 3 نقاط وتضمن 3 عروض طويلة من قبل الحكومة: عرض عن الأزمة الصحية وآخر عن الازمتين الاقتصادية والمالية والثالث تناول الازمة الاجتماعية.
في الشق الصحي استمع السفراء الى عرض عن التدابير المتخذة من قبل الحكومة لمواجهة فيروس كورونا الذي تحول الى جائحة كوفيد-19، وبشكل عام أيّد السفراء بشدة عمل الحكومة في هذا المضمار، وكيفية ادراتها للأزمة وتدابير الوقاية والعزل التي اتخذت، وتنبه الحكومة المبكر، وسجّل جميع السفراء طلبات المعونة التي قدمتها الحكومة في ما يتعلق بالجانب الصحي، وعرض كل سفير ما يمكن فعله من قبل دولته. من جهته كانت مداخلة للسفير الفرنسي في لبنان برونو فوشيه توجه فيها الى المنظمات الدولية الانسانية العاملة في المجال الصحي الاجتماعي، مشيرا الى أنه لا يكفي وضع خطط بل يجب اتخاذ تدابير فعلية لأن لبنان هو فعلا في خضم حالة الطوارئ.
يذكر بأن فرنسا قدّمت على 3 دفعات مستلزمات للوقاية الصحية وذلك منذ التاسع من آذار الفائت، وهي يسّرت طلبيات الأدوية بشكل مجاني وسلّمتها للبنان، كذلك قامت فرنسا بإعادة تنظيم اجراءتها لجهة السماح بالدفع السريع والفوري و”الكاش” لبضع برامج لاستخدام الاموال لشراء ما يلزم، وقد حصل ذلك في برنامج فرنسي مع الصليب الاحمر اللبناني في مستشفى الحريري الجامعي وبرنامج آخر يتعلق بالأونروا حيث دفعت أجزاء البرنامج بشكل مسهل لكي تتمكن الاونروا من شراء حاجياتها ومواجهة الازمة الصحية. وركز سفير فرنسا بحسب ما نقل أكثر من مصدر حضر الاجتماع على أن المنظمات الانسانية الدولية يجب أن تكون اكثر سرعة في استجابتها للازمة الراهنة وعدم الغرق في خطط طويلة الامد لأن الخطط يحتاجها البلد والناس راهنا وليس من ترف بالتأجيل. ولفت احد المصادر الحاضرين الى أن ممثلي الدول اكتفوا بهذا القدر ولم يكن من عروض جديدة في ما يخص القطاع الصحي.
بالنسبة الى الشقين الاقتصادي والمالي، استمع ممثلو الدول الى عروض رئيس الحكومة ووزير المالية، وقد اشار الاخير الى أن خطة الانقاذ تكاد تكون جاهزة، وانه توجد بعض التعديلات وأنه سيتم تبنيها بسرعة في مجلس الوزراء، وبعد هذا الطرح لرئيس الحكومة كانت ردّة فعل السفراء أقل من عادية ولم يعلّق أي منهم على الموضوع بشكل مفصل باستثناء سفير بريطانيا الذي نوّه بهذا الأمر وكذلك سفيرا الصين وروسيا اللذين عبرا عن دعمهما لهذا التوجه الحكومي الاصلاحي، كذلك كان موقف لسفير فرنسا بحسب ما روى احد الحاضرين أعاد فيه تحذيرات دولته السابقة واللاحقة من أن الازمة الاقتصادية ستكون قوية جدا وخصوصا بعد 17 تشرين الأول (الإنتفاضة اللبنانية) وأن هذه الثورة اللبنانية هي الآن في العزل كما جميع اللبنانيين لكن هذا الأمر لن يستمر، من هنا أهمية ان تتخذ الحكومة اجراءات فورية وعدم الركون الى التأجيل والانتظار لكي تواجه هذا الموضوع، ويجب ان تحدد خطة انقاذ وتتبناها بأسرع وقت ممكن.
وتطرق الحديث بحسب مصدر أوروبي حضر الاجتماع الى ضرورة حسم الاجراءات الضخمة التي تتضمنها هذه الخطة وذلك حول مواضيع عدة: الاستعانة بصندوق النقد الدولي او الاستغناء عنه، (علم موقعنا بأن الموقف الفرنسي مؤيد تماما لخيار صندوق النقد الدولي وقد ابلغ وزير الخارجية الفرنسي جان-ايف لودريان نظيره اللبناني ناصيف حتي بهذا الموقف الفرنسي في اجتماعهما الاخير في باريس) وإعادة هيكلة الديون، كذلك إعادة هيكلة النظام المصرفي، ودراسة وضع المصرف المركزي، وحول الاصلاحات ككل متكامل. وأجمع سفراء المجموعة الدولية بحسب أحدهم بأنه توجد تدابير يجب اتخاذها فورا ولا تحتمل الانتظار، كالاجراءات الضريبية، رفع سعر الوقود، حول الضريبة على القيمة المضافة، حول المالية العامة، الرواتب والتوظيفات والشفافية والقضاء والأسواق العامّة. في السياق ذاته، لاقى كلام رئيس الحكومة حسان دياب حول وجود 57 في المئة من المشاريع الاصلاحية جاهزة استحسان المجموعة لكن السفراء وضعوا تساؤلات حول دور البرلمان، وتساءل أحدهم: هل يجتمع البرلمان؟ من الضروري ان يجتمع البرلمان لأن الحكومة لا يمكنها العمل لوحدها.
ثم انتقل الحديث الى الازمة الاجتماعية، وكان اجماع من الحضور على انها “فظيعة”، وهو ما عبّر عنه أيضا السفير فوشيه في مداخلته حيث اشار الى أن 40 في المئة من اللبنانيين بدأوا بالانزلاق الى ما دون خطّ الفقر، ولفت الى انه لمواجهة هذا الوضع توجد تدابير قصيرة وطويلة الأمد. في المدى القصير، يوجد برنامج المساعدات الاجتماعية والانسانية وهو في طور الاعداد من قبل الحكومة اللبنانية،- وهو ما دعمته مجموعة السفراء الحاضرين وتبين انه يلاقي استحسانهم- وعلى المدى البعيد يوجد اجتماع “سيدر” (انعقد في باريس في نيسان 2018 وهو يطوي عامة الثاني)، وهذا المؤتمر لا يزال قائما وتمّ تكفييه مع احتياجات اللبنانيين وهو قادر على وضع الاقتصاد اللبناني على سكة أفضل بحسب فوشيه.
لكن، وبحسب معلومات موقعنا أن مشكلة “سيدر” الوحيدة هو أنه منذ انعقاده لم تتخذ الحكومة اللبنانية أي قرار يتعلّق به! يوجد 280 مشروعا قدمتها الحكومة اللبنانية (السابقة برئاسة سعد الحريري) ولم تكن الحكومة مذذاك قادرة على تحديد ما هي المشاريع التي تحظى بالأولوية للبدء بتمويلها. وعلم موقع “مصدر دبلوماسي” من مصادر متابعة بأن السفير الفرنسي برونو فوشيه أثار هذا الموضوع مع الرئيس دياب اخيرا وكان جواب رئيس الحكومة اللبناني أنه يتم التفكير بهذا الأمر وسيحصل.
بالإضافة الى تحديد اولويات المشاريع في “”سيدر” التي لم تحصل، هنالك موضوع آليات المراقبة الذي لا يبدو أنه تقدّم في أجندة الحكومة اللبنانية، كذلك لم يحصل اي تحسين في قطاع الكهرباء.
بالنسبة الى طلب المساعدة المالية المباشرة من الدول، فقد تفهم سفراء المجموعة الدولية حاجة لبنان الى الدعم المالي لانه توجد ازمة خطرة جدا، لكن هذا الطلب يقع في التوقيت الخطأ.
توجد حاليا أزمة دولية عالمية حيث الانهيارات باتت شاملة، وبالتالي ليس هذا التوقيت ملائما لطلب المساعدات الدولية. جميع السفراء قالوا أنهم سينقلون الطلب لدولهم، بشرط حصول الاصلاحات وهو الشرط الرئيسي الذي تبنته مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان في اجتماعها الاخير في باريس في 11 كانون الاول الفائت والأمر لم يتغير، لكن الحصول على مساعدات فورية امر غير متيسر بحسب اكثر من سفير تحدثنا اليه وهم اعتبروا بأن المناخ الاقتصادي في لبنان والعالم هو اشد تعقيدا اليوم، وخصوصا وانه يوجد اليوم 90 بلدا طلبوا مساعدات من صندوق البنك الدولي، ولو طلب لبنان مساعدة البنك الدولي قبلا لكان الوضع أفضل من اليوم، ولو وضع مؤتمر “سيدر” على سكّة التطبيق منذ بدايته لما وصل لبنان الى حافة الهاوية. اليوم تغير المناخ الدولي كليا، وهو بات في ظل تفشي كوفيد-19 أكثر قساوة مما كان عليه قبل عامين.