“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
يعتبر فيروس كورونا الذي ادى الى جائحة كوفيد-19 عنصرا مدمرا ولاعبا سيغير كل مقاربات السياسة الدولية في العالم ومقارباتها، بينما يبقى في لبنان عنصرا ثانويا في تأثيره على السياسة الداخلية اللبنانية وهذا ما تبدّى بالأمس من خلال الأدبيات اللبنانية التي عرضت أمام مجموعة سفراء الدول الكبرى المجتمعين من منذ 2013 في بوتقة “مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان”.
قبل الدخول في الأدبيات اللبنانية التي تبقى على قدمها وترهلها، ينبغي على القارئ اللبناني أن يدرك بأن هذه المجموعة باستثناء الصين وبعدها روسيا (بمرتبة أبعد) تتخبّط في معالجة فيروس كورونا بشكل لم تألفه منذ أعوام، يكفي ذكر الاتحاد الأوروبي وتحديدا فرنسا التي تعتبر “قائدته” السياسية لمعرفة حجم الارتباك بل الفشل في حماية الدول الاوروبية قاطبة لشعوبها من الموت المحتّم.
بالنسبة للدول الأوروبية الحاضرة، هذه الدول لم تقدم دعما لايطاليا عندما طلبته فور تفشي الجائحة، بل انتظرت لتأتي طائرة من الصليب الأحمر الصيني محمّلة بالمعدّات الواقية والأدوية واجهزة التنفس الاصطناعي لكي تتحرك بعض دولها بشكل خجول.
فقد قصد وزير الخارجية الايطالي لويجي دي مايو شكر المساعدة الصينيةبعبارات واضحة غامزا من قناة الاوروبيين قائلا:” هذا المساء إيطاليا ليست لوحدها، بل ثمة اشخاص كثر في العالم يساندونها”. كانت ايطاليا قدّ فعّلت آلية الحماية المدنية في 26 شباط الفائت، لكن روما لم تتلق ايو مساعدة اوروبية، وكان مفوض شؤون ادارة الازمات جانيز ليناريسك أطلق نداء في خلال اجتماع استثنائي لوزراء الصحة الاوروبيين في 6 آذار “للعمل بذهنية التعاون” وبحسب “آليات الاتحاد الأوروبي التي تهدف الى دعم الدول الاعضاء” لكن الاستجابة كانت معدومة. المانيا وفرنسا من جهتهما حظرتا تصدير أية كمامات من البلاد، وبعد قوافل الموت في ايطاليا ثم في اسبانيا “تحضرت” الدولتان لتزويد ايطاليا بكمية مهمة من الكمامات بعدد يبلغ حوالي المليون بحسب المتحدثة الاوروبية صونيا غوسبودينوفا.
خسرت أوروبا معركة على ارضها وفي الميدان الذي طالما كان لها، اي المساعدة الانسانية والتضامن بين الدول الأعضاء. الأمر ذاته حصل مع اليونان منذ 10 أعوام حيث اضطرت الى استعطاف وتوسل صناديق نقدية دولية، واليوم احدى الدول القوية تضطر لتوسل المساعدة الخارجية لانها لم تتمكن من الحصول على مساعدات داخلية.
من جهته، وللملمة الفضيحة، اقترح وزير الخارجية الالماني هايكو ماس في محاضرة عن بعد مع نظرائه الاوروبيين تفعيل “بند التضامن” وقال : “بأن الوضع دراماتيكي وخصوصا في ايطاليا واسبانيا ولكن ايضا في بلدان أخرى من الاتحاد الأوروبي حيث زاد عدد الاشخاص المصابين والذين توفوا جراء فيروس كورونا بشكل كثيف في الايام الاخيرة”.
وقال ماس بأنه ” يترتب على الاتحاد الأوروبي تحمل مسؤولياته بسرعة وبشكل فعال” وطلب من الممثل الاعلى جوزف بوريل البدء بسرعة بنقاشات حول هذا الموضوع. وقال بأن تفعيل هذا البند يؤدي الى استجابة وردود فعل فعلية على مستوى الاتحاد الأوروبي (…).
وبسبب فشل النظام الصحي المدني، فعّلت الدول الاوروبية لوجستيات جيوشها، فاستنفرت جنودها من اجل مساعدة اجهزة الدولة والمؤسسات المدنية على احتواء فيروس كورونا، واستدعت فرنسا العسكريين للاسعاف، بينما قررت بلدان أخرى بأن تستعين بموارد المؤسسات العسكرية مثل الشؤون اللوجستية ووحدات الصحة والدوريات على الحدود.
كل هذه المقاربة تبرهن بأن اوروبا التي فشلت في توفير المبادرة الانسانية على اراضيها لن تنجح في مساعدة لبنان وتقديم المعونة المالية له بحسب طلبات المسؤولين اللبنانيين.
طراف ينصح بالاستعانة بصندوق النقد الدولي
في كلمته، قال رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي الى لبنان رالف طراف عبارة هامة مرّت مرور الكرام حتى في الصحافة اللبنانية، قال:” يبقى الاتحاد الأوروبي المانح الأكبر في قطاع الصحة، حاليا فإن حجم تعاوننا في قطاع الصحة يبلغ قرابة الـ80 ميلون يورو” لكنه لم يقل في أية اعوام، ولم يفنّد أية مساعدات جديدة، بل اشترط طراف دخول لبنان في احد برامج صندوق النقد الدولي عندما قال:” يمكن للبنان أن يستفيد من مساعدة تمويلية من الاتحاد الأوروبي (ماكرو) في حال نال قرضا من برنامج صندوق النقد الدولي الموجود”. صحيح أن طراف أفصح عن ان الاتحاد الاوروبي منح 180 مليون يورو الاسبوع الفائت لدعم التعليم وحماية الاطفال لكنه مبلغ مرصود سابقا ضمن برامج الاتحاد الاوروبي المعتادة وليس خاصا بالأزمة.
وحده ممثل الامين العام للامم المتحدة يان كوبيش كشف عن ان الامم المتحدة تعد نداء تمويل لمواجهة فيروس كورونا بهدف دعم الاستجابة الوطنية لانتشار الفيروس يشمل 4 اولويات: دعم قدرة التأهب والاستجابة للنظام الصحي اللبناني في مواجهة تفشي الفيروس، تعزيز التعامل والتواصل مع التكوينات المجتمعية ودعم ممارسة النظافة الجيدة، تقديم المساعدات والخدمات الاساسية للفئات الاكثر احتياجا على النحو المتوخى في خطة لبنان للاستجابة للازمة، وتوسيع دعم الفئات السكانية غير المشمولة بخطة لبنان للاستجابة للازمة والتي باتت بحاجة للحماية والمساعدة الانسانية بسبب الاثر المشترك للازمة الاجتماعية والاقتصادية القائمة وانتشار فيروس الكورونا. لكن هذا النداء سيكون مجهول المصير في حال لم تتمكن الدول من تمويله.
الدول خائفة على ذاتها من تداعيات كوفيد-19
في عهد كورونا، فإن اهتمامات الدول كما بات معروفا تراجعت الى داخلها، ونشأت لدى دول كبرى مثل الولايات المتحدة الاميركية مخاوف جدية من ان يؤدي الانكماش الاقتصادي في البلدان النامية وانهيار بعض الاقتصادات الى عودة التطرف العنيف والحركات الارهابيةـ في حين أن الصين تحاول أن تكون مستجيبة قدر الامكان لدول كثيرة باتت تطلب نجدتها، وفي كلمته امس عبر السفير الصيني وانغ كيجيان عن استعداد بلاده لتوطيد التعاون الاقتصادي مع لبنان.
هذه الدولة التي تطمح عبر طريق الحرير ولبنان بات جزءا رسميا منها -بعد توقيعه مذكرة تعاون مع الصين عام 2017- لتكون قطبا عالميا، قدمت يد العون لتكون شريكا للبنان، لا أحد يعرف إن كان نداؤها سيسمع وسط اعجاب تاريخي لبناني بدول كشف كورونا مدى تقهقرها داخليا ومدى انانيتها في الاستجابة لنداءات الدول الاخرى.
دول انكشفت بانها تتضامن مع لبنان لابعاد شر الازمات عنها مثل ازمة اللجوء، لكنها دول غير متضامنة مع لبنان في الاوقات العصيبة. وكي لا نظلمها كثيرا فإن هذه الدول تشترط أيضا اصلاحات بنيوية وهيكلية في لبنان لتمد يد المساعدة، البارحة وعد رئيس الحكومة حسان دياب بـ57 مشروعا اصلاحيا، فكانت تمتمات بين السفرءا أجمعين تقول: حسنا يا حسّان أقروّها فنحن بالانتظار!