“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة
مع أن خطر العودة أكبر بكثير من البقاء في البلدان التي يتواجدون فيها إلا ان عددا من اللبنانيين بلغ الـ22 ألفا بحسب ما أعلن وزير الخارجية والمغتربين ناصيف حتي اليوم، اختاروا الرجوع الى لبنان للبقاء بين عائلاتهم وسط التفشي العالمي لفيروس كوفيد-19.
أقر مجلس الوزراء أمس خطة اعدتها لجنة مختصة تقضي بعودة قرابة الـ10 آلاف لبناني برحلات خاصة ومجهزة بشكل يتلاءم مع المخاطر التي يسببها انتقال الفيروس، لكن آلية هذه الخطة لم تكن قد تبلغت بشكل رسمي لوزراة الخارجية والمغتربين بحسب معلومات موقع “مصدر دبلوماسي” حتى ان السفراء في الخارج تبلغوها بشكل غير رسمي عبر تسريبات من الاعلام وعبر وسائل التواصل الاجتماعي. في تحقيق لموقع “مصدر دبلوماسي” شمل 4 بلدان هي نيجيريا، وايطاليا، واسبانيا وكوريا الجنوبية، يتبين بشكل واضح التفاوت في الاستجابة لهذا الفيروس بين دولة واخرى ويتظهر كم جلب الاستخفاف به في بداياته من ويلات على شعوب مثل اسبانيا وايطاليا في حين تمكنت دول مثل كوريا الجنوبية من احتوائه لأنها أخذت مخاطره على محمل الجد منذ اللحظات الأولى.
نيجيريا
لغاية الأول من نيسان لم تكن توجد أية حالات اصابة بين اللبنانيين في نيجيريا بحسب معلومات السفارة اللبنانية في أبوجا والقنصلية العامة في لاغوس والقنصلية الفخرية في كانو، لغاية هذا التاريخ كان عدد الإصابات في نيجيريا التي تعدّ قرابة الـ200 مليون نسمة لا يتجاوز الـ140 حالة.
بالرغم من ذلك قرر كثر من ابناء الجالية اللبنانية التي تعد قرابة الـ20 ألفا العودة، ليس الجميع بالتأكيد، لكن الخوف من تفشي فيروس كورونا دفع كثر الى التفكير بالعودة الى ارض الوطن والبقاء مع عائلاتهم في لبنان فضلا ان ان النظام الصحي في نيجيريا متواضع ويرفض اللبنانيون المغتربون انتقاده معتبرين ان نيجيريا هي بلدهم الثاني ولكن الظروف الصعبة تحتم البقاء في الوطن الأم.
تقدم كثر من اللبنانيين بطلبات عودة الى لبنان بالرغم من اجراءات وقائية قامت بها السلطات النيجيرية مثل الاغلاق التام لأبوجا ولاغوس المدينة الكبرى التي تشهد دخول وخروج 15 مليون شخص يوميا يأتونها للعمل، كذلك اقفلت السلطات المعابر والمطارات .
يروي أحد ابناء الجالية بأن الاجراءات التي تفرضها الحكومة اللبنانية صعبة وكأنها تقول للبناني “تعا ولا تجي” منها مثلا ارسال فريق طبي من الطائرة من لبنان لفحص العائدين وهذا ما ترفضه السلطات النيجيرية التي أبلغت المعنيين بأن لا أحد من الفريق اللبناني يحق له مغادرة الطائرة الآتية من لبنان بل يجب عليه فحص الراغبين بالعودة على متن الطائرة والسؤال المطروح ماذا عن الوقت الذي تتطلبه النتائج؟ فضلا انه لا توجد في نيجيريا أدوات فحص البي سي آر التي تحدد إذا كان الشخص مصابا بالفيروس أم لا قبل مدة زمنية من عودته الى بيروت، ويقول أحد ابناء الجالية العارفين بشؤونها بأنه لغاية اليوم فإن الاعداد لهذه الآلات في نيجيريا كلها لا تتعدّ المئات.
يتواصل اللبنانيون في ابوجا مع السفير حسام دياب، الذي يواكب مجريات الأمور في كانو بادارة القنصل الفخري خليل مسلماني مثلا تم تشكيل خلية أزمة من لبنانيين محترفين وقادرين عملت على وضع خطة لحماية أبناء الجالية وأصحاب الدخل المحدود ووفّرت حصصا غذائية وأدوية لأصحاب الأمراض المزمنة وتعاقدت الجالية مع طبيب متخصص بالإنعاش، وأخذت القنصلية الفخرية في كانو والقنصل الفخري خليل مسلماني رخصة من وزارة الصحة النيجيرية لانشاء مركز عزل صحي بمركز القنصلية. والهدف الثاني من خلية الأزمة تمثل بوقوف المغتربين الى جانب الحكومة اللبنانية بالإجراءات والتدابير التي تتخذها. لكن الجالية اللبنانية أياضا قامت بانشاء صندوق دعم للنيجيريين ايضا حيث تم تقديم مواد غذائية وطبية سلمت الى وزارة الصحة كمبادرة تقدير عن احتضان الشعب النيجيري لنا كلبنانيين بحسب ما يقول القنصل الفخري خليل مسلماني.
إيطاليا
تصف سفيرة لبنان في روما ميرا ضاهر الخطة التي اطلقتها الحكومة اللبنانية لاجلاء اللبنانيين الراغبين بالعودة الى لبنان بأنها ممتازة وخصوصا بالنسبة الى الآلية الداخلية لكنها تحتاج الى آلية خارجية مماثلة تساعد في عملية الاجلاء مع مزيد من الدعم المالي لبعض الحالات المتعثرة جدا وخصوصا لطلاب لبنانيين. يعيش في ايطاليا قرابة الخمسة آلاف لبناني بينهم قرابة الـ800 طالب يتوزعون في ايطاليا كلها بينهم 400 طالب تسجلوا في السفارة اللبنانية في روما لمواكبتهم اثناء الازمة الحالية وقد عبّر قرابة الـ140 (من أصل الـ400) عن رغبتهم للعودة الى بيروت لاضطرارهم للعودة. تعمل السفارة اللبنانية في روما بالتعاون مع القنصلية العامة في ميلانو يدا بيد لمواكبة احوال اللبنانيين وقد اصيبت مناطق الشمال الايطالي وخصوصا مقاطعة لومبارديا بشظايا كوفيد-19 اكثر من سواها وهنالك تتركز معظم الخسائر البشرية وهي تقع تحت ادراة قنصلية ميلانو حيث يعمل القنصل خليل محمد.
قامت السفارة والقنصلية معا بتوجيه تعاميم للبنانيين على صفحاتها. وتشير السفيرة ميرا ضاهر الى أن العمل يستمر 24 ساعة على 24، منذ ان عبر كثر من الطلاب عن رغبتهم بالعودة إذ لم يتمكنوا من اللحاق برحلة الى لبنان الغيت فجأة في 13 آذار. زادت مشاكل هؤلاء جراء الشلل الحاصل في الاعمال وتوقف معظم الشركات ووقف المصارف للتحويلات وبعد اتصالات مكثفة تبرع احد “فاعلي الخير” كما تسميه ضاهر بمساعدة هؤلاء كذلك استجاب مع النداء رئيس جمعية المصارف سليم صفير حيث قام مصرف بنك بيروت بتسهيل التحويلات في حين لا تزال مصارف اخرى تبحث تدابير التسهيلات للبنانيين في الخارج. وتشرح ضاهر الى ان المصارف ستلعب دورا فعالا في الوقاية من هذا الفيروس وخصوصا وان كثرا من اللبنانيين سيختارون البقاء في أماكنهم وتجنب العودة الى لبنان وتحمل مشقات السفر في هذا الظرف فور استحصالهم على الاموال من المصارف كما وعدوا.
خصصت السفارة اللبنانية في روما خطوطا ساخنة للبنانيين وتم فرز موظفة للرد على الشكاوى وتم التعامل مع الطلبات في انحاء اوروبا عبر خلايا طلابية يتم الاتصال بها عبر طالب لبناني يعيش في كل منطقة ويكون على تواصل مع زملائه واصدقائه فيكون صلة الوصل بينهم وبين السفارة.
لا تزال العوائق كثيرة قبل بدء العودة الرسمية التي أقرت يوم الأحد القادم والتي ستستمر لغاية 12 نيسان. بعض الطلاب ليست لديهم الاموال اللازمة ليدفعوا ثمن تذكرة السفر ويتساءلون ان كانوا سيحصلون على سعر خاص ومن سيوفر لهم المبالغ. كذلك ثمة تساؤلات حول توفير فحوص الـ”بي سي آر” وهل سيتمكن الفريق الطبي اللبناني من اجراء هذه الفحوص وكم ستتطلب ظهور نتيجتها من وقت، كذلك ثمة تساؤلات عن كيفية انتقال المواطنين اللبنانيين من اماكن تواجهم وبأية وسيلة وسط منع التجمعات.
تعمل السفارة في روما والقنصلية العامة على ملاحقة هذه المشاكل ومنها ايضا ما يتعلق بدفع ايجارات البيوت ويتم التنسيق مع الطاقم الطبي اللبناني في ايطاليا الذي وضع امكاناته كلها في خدمة اللبنانيين مساندا اعمال الدبلوماسيين “وهم في الخط الأمامي وهم جنود مجهولون” كما تقول السفيرة ضاهر.
إسبانيا
تعتبر اسبانيا من اكثر بلدان اوروبا اليوم تضررا بفيروس كورونا بعد ايطاليا وتليها فرنسا. لم يقدّر الاسبان خطورة السرعة التي يتفشى فيها هذا الفيروس فوقعوا باخطاء مميتة اذا صح التعبير. فقد شهد 8 آذار، اليوم العالمي للمرأة تظاهرة ضمت 120 الف شخص في وقت كان الفيروس ينتشر كالنار في الهشيم في الجارة ايطاليا. هؤلاء المتظاهرون نقلوا العدوى الى بعضهم البعض، في الوقت ذاته كانت مباراة لكرة القدم ولقاء لأحد الاحزاب السياسية جمع قرابة العشرة آلاف شخص. هذا الاستخفاف أدى الى آلاف الاصابات والوفيات في اسبانيا. يوجد اليوم قرابة الـ300 لبناني ممن تسجلوا في السفارة اللبنانية بينهم قرابة الـ150 راغبين بالعودة وهم ملأوا استمارات بالسفارة اللبنانية، لكن عملية خروجهم من المنازل ليست واضحة بعد نظرا الى منع التنقل.
لغاية الاول من نيسان لم تكن السفارة اللبنانية في مدريد كما السفارات اللبنانية في بقية انحاء العالم قد تبلغت بعد بآلية عملية للتعليمات التي صدرت عن اللجنة التي شكلتها الحكومة اللبنانية واقرتها، وخصوصا وان بعض التدابير تحتاج لموافقة السلطات الاسبانية المعنية ومنها ما يتعلق بحركة الطاقم الطبي المرسل من لبنان ومدى السماح له بالتحرك وهل يمكنه مغادرة ارض المطار ام لا. تشير السفيرة اللبنانية في اسبانيا هالة كيروز الى أن عدد الاصابات لغاية اليوم لا تتعدى العشرات بينهم 3 وضعهم حرج والتواصل مستمر مع اعضاء الجالية اللبنانية التي يبلغ عددها بين الـ1300 و1500 لبناني، وتم تشكيل لجنة من الاطباء لمتابعة اوضاع اللبنانيين وخصوصا الطلاب. تتكل السفارة على الموارد البشرية وتفعيل شبكة علاقاتها مع ابناء الجالية اللبنانية التي اعرب الكثير من ابنائها عن رغبتهم بالمساعدة، ويتم البحث بآلية شفافة للمساعدات المالية. تدعو السفيرة كيروز ايضا الى الافراج عن اموال اللبنانيين وهذا ما يسهل الامور كثيرا وتشير الى ان وزارة الخارجية والمغتربين التي تتلقى استمارات الراغبين بالعودة مع تفاصيل عن اوضاعهم تقوم بالتواصل مع المصارف لتسهيل العودة. وثمة اسئلة تطرحها السفيرة عن آلية فحوض الـ”ـبي سي آر” التي تتطلب نتائجها في اسبانيا 5 ايام.
كوريا الجنوبية
تعتبر تجربة كوريا الجنوبية رائدة عالميا ليس في قارة آسيا فحسب، إذ لم تغلق هذه الدولة مؤسساتها ولا شلّت اقتصادها بل عمدت الى اجراءات وتدابير جدية وقاسية لاحتواء الفيروس الذي انتقل اليها من الصين. قبل الدخول في التفاصيل، فإن عدد اللبنانيين في كوريا الجنوبية وخصوصا في العاصمة سيول لا يتعدى الخمسين لبنانيا إذ تعتبر كوريا الجنوبية مركز ثقل اقتصادي وليس اغترابي، تتركز فيها الشركات الكبرى التي لها فروعها في لبنان وتلعب السفارة اللبنانية هناك دور جسر التواصل بين رجال الاعمال في البلدين. أما معظم رجال الاعمال اللبنانيين فليسوا مقيمين هناك ويحمل معظمهم جنسيات مزدوجة ويعملون لصالح شركات متعددة الجنسيات. لبناني وحيد يعمل في تجارة قطع السيارات لم يتمكن من مغادرة سيول وهو ليس بمقيم ولم يلتزم بالمهلة التي اعطتها الحكومة اللبنانية للمغتربين بالعودة في المرحلة الأولى قبل اغلاق مطار رفيق الحريري الدولي، فكسرت تأشيرته فقامت السفارة اللبنانية في سيول والسفير أنطوان عزام بترتيب اقامة أطول له بالتعاون مع ادارة الهجرة الكورية ووزارة العدل اللبنانية وهي اقامة قصيرة ومؤقتة، على أن يعود الرجل على متن الطيران القطري بسبب اقفال جميع المطارات الاخرى في الخليج وعدم وجود رحلات مباشرة بين سيول وبيروت.
باستثناء هذه الحالة فإن وضع اللبنانيين جيد ولم يصب أي منهم بفيروس كوفيد-1 بحسب اتصال لموقع “مصدر دبلوماسي” مع السفير أنطوان عزام.
يتواصل هؤلاء مع سفارة لبنان عبر تطبيق كوري خاص شبيه بواتس أب وتقوم السفارة اللبنانية بتزويدهم بكل المستجدات وبتعليمات الوقاية التي تصدرها وزارة الصحة الكورية وكذلك وزارة الخارجية ويتبلغون بمقررات الحكومة اللبنانية وتعليمات وزارة الخارجية والمغتربين.
وقول السفير عزّام بأن الجالية اللبنانية على اطلاع تام بكل المستجدات ولغاية اليوم لم نتبلغ بأية حالة إصابة في صفوف اللبنانيين. تعدّ كوريا الجنوبية قرابة الـ50 مليون نسمة ويبلغ عدد الحالات لغاية الأول من نيسان 9800 إصابة بعدما كانت كوريا الجنوبية في المراتب الاولى عند بدء تفشي الوباء، لكن السلطات الكورية تعاملت بوعي وحكمة وبأسلوب فاق التوقعات كلها، وتبين انها تتمتع بأفضل إدارة للكوارث والأزمات والأوبئة، اولا بالنسبة الى الامكانات اللوجستية فهي متقدمة جدا بالتكنولوجيا التي اسنفرت لمحاربة الوباء وتم استخدام كل التقنيات الحديثة للقيام باحصاء المصابين اينما تواجدوا وابلاغ الادارات المختلفة بهم، حتى لو لم يتم احترام خصوصية الشخص حفاظا على الصحة العامة. كذلك استخدمت كوريا الجنوبية الشفافية مع مواطنيها المصابين بالوباء. من المعلوم بأن المستشفيات في كوريا الجنوبية هي من الافضل في آسيا وبل في العالم وكونها بلد صناعي لم تعان كوريا الجنوبية من نقص في اجهزة التنفس الاصطناعي.
بدأ الوباء في منطقة فيها كنيسة كان اتباعها يزورون الصين ونقلوا معم الفيروس ونشروه بين اعضاء الكنيسة… هكذا انطلقت القصة، كانت توجد اولا 5 حالات، وسريعا وبعد أن تاكد دخول الفيروس الى البلد اعتمدت السلطات الكورية العزل التام اغلقت مدنا كبرى وشوارع وتم استنفار الكادر الصحي والفحوصات ودعم المستشفيات واشتغل عمدة سيول الكثير من خطط التعقيم الشامل في وسائل النقل وتم انشاء مراكز في سيول للفحوص المجانية والسريعة النتيجة وفعلوا ما يعرف بالمبيع عن بعد أو
Drive Trough
لم تقم السلطات الكورية الجنوبية بالاغلاق الشامل بل اتخذت تدابير تحافظ على الابتعاد الاجتماعي. لغاية الاول من نيسان لم يتعدّ عدد الوفيات المئة شخص، وهذا عدد ضئيل مقارنة بعدد سكان كوريا الجنوبية. تبقى الحياة عادية والمصارف تقومم بعملها والمحال التجارية والشركات مع تعقيم شامل وفحوص حرارة، والحياة في سيول عادية وخصوصا وان الشعب الكوري منضبط ويحترم تعليمات حكومته بحسب تعبير السفير انطوان عزّام.