“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
حان الوقت بعد ثورة 17 تشرين ان يبدأ الصحافيون رحلة البحث عن الحقائق، صحيح بأن قسما كبيرا من المجتمع الصحافي والاعلامي اللبناني يقوم بذلك على صعيد فردي، لكن ان تحول الامر الى سياسة عامة لدى الصحافيين والاعلاميين والمدونين والناشطين على السوشال ميديا سيحدث فارقا في السياسة اللبنانية وفي الاقتصاد والمال والبيئة والاجتماع وكل مستويات عيش اللبنانيين.
لا شك بأن أي صحافي لبناني يعتبر نفسه ممن يلجأون الى فحص الوقائع قبل نشرها او قبل تصديقها ونقلها، يكتشف يوميا اقله خبرا او خبرين ملفقين، هذه الاخبار الملفقة هي تجارة مربحة لوسائل التواصل الاجتماعي بحسب الاختصاصيين وهي تجلب مالا وفيرا للشركات، لكنها في المقابل مصدر خسارة كبرى للمجتمعات لـانها تسهم في تقديم معطيات خاطئة للجمهور فيشكل آراء خاطئة على اخبار مزيفة او مضخمة او مجتزأة فتتعطل قدرته على المحاسبة وتقييم ما يجري في بلده على مستوى السياسات العامة.
إن ظهور اول حالة من الكورونا في لبنان هو دليل قريب زمنيا، فقد انتشرت عبر “الواتس أب” والسوشال ميديا أخبار نشرتها مواقع لبنانية “رمت أخبارا” كيفما كان وتمّ ترويجها بشكل واسع عن وصول الحالات الى 17 حالة او ربما اكثر. لم يكلف كثر من الصحافيين انفسهم عناء اجراء اتصال هاتفي للتأكد من صحة الخبر سواء بوزارة الصحة او بمنظمة الصحة العالمية. مثل آخر على تضخيم الموضوع مارسه بعض الزملاء الاعلاميين عبر وضع كمامات وارتداء قفازات واقية في وقت كان وزير الصحة واطباء يشرحون للعامة طرق الوقاية وبأن المرض لا ينتقل الا اذا كان الشخص قريبا من جدا من مريض في الكورونا الى درجة تقل عن مترين وان وضع الكمامات ضروري في الاماكن المكتظة وليس اثناء تقديم ريبورتاج على التلفزيون.
ينحو كثر من الصحافيين والاعلاميين الى التضخيم اما بهدف الاستعراض او اقله بسبب عدم التفكير مليا بوقع ما يقومون به على مشاهد عادي يجلس في منزله منتظرا ما سيقدمونه له من وجبات اعلامية ستؤثر عليه حتما سلوكيا ونفسيا وقد يقع في حالة من الهلع.
كتب رئيس تحرير صحيفة “الواشنطن بوست” سابقا بن برادلي في مذكراته ما يلي:” إن افضل الصحف هي تلك التي لا تزال ملتزمة بملاحقة الحقيقة بضمير، وتكون حازمة دوما بأن تكون مفيدة (…) لكن ما يحصل في النهاية بأن بعض “التابلويد” تنشر بمساعدة التلفزيون ما يمكن ان نطلق عليه تسمية “صحافة الكيروزين”. في هذا النوع من الصحافة، يسكب المراسلون مادة الكيروزين على أي حدث يصعد منه بعض الدخان، فيشتعل، قبل ان يتأكدوا من سبب الدخان المتصاعد ولماذا. فتكون السنة النيران المتصاعدة من حريق متعمّد وليس من الصحافة”.