
ترامب نتنياهو: صفقة "سلام" من دون الفلسطينيين!!!
“مصدر دبلوماسي”- خاص
تجاوزت مبادرة السلام الاميركية الاسرائيلية التي وصفت بـ”صفقة القرن” كل حدود المعقول السياسي والدبلوماسي والتاريخي والاخلاقي بطبيعة الحال، وباتت صنوا لما يمكن تسميته “الوقاحة” الاميركية التي يمثلها الرئيس الحالي دونالد ترامب متعاونا مع صهره جاريد كوشنير وبتحالف قوي مع رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتياهو، اذ لم يتورع الثلاثة عن استبعاد الطرف الرئيسي في ما يجب ان تكون “مبادرة”، واطلاق حفل اعلان لها من دون حضور فلسطين وهي الأصل.
ولعل “صفقة القرن”، بالرغم من هزال شرعيتها، تعيدنا الى حقبة التآمر البريطاني الصهيوني الذي أدى الى اغتصاب ارض فلسطين وتحديدا الى “وعد بلفور” في العام 1917 حين تعهدت الحكومة البريطانية بأن “تنظر بعين العطف الى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وستبذل جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية “(…). هكذا ادعت بريطانيا حينذاك المبادرة الذاتية… في وقت كانت تتواطأ مع الصهيونية العالمية.
كل ذلك، أدى الى حروب ومحاولات تسويات باءت بالفشل وصولا الى الصفقة الاخيرة التي ولدت مبتورة. “مآلات صفقة القرن وعودة اللاجئين ” كان عنوان ندوة جمعت نخبة من المتخصصين والاكاديميين الذين شرحوا مخاطرها وتداعياتها هم: مديرة “جمعية النجدة الاجتماعية” ليلى العلي، الباحث المتخصص في الشأن الفلسطيني صقر أبو فخر، والكاتب والباحث في السياسات العامة في “معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية” زياد الصائغ. وقد اختار موقع “مصدر دبلوماسي” نشر أجزاء مهمة من ورقة الصائغ التي سينشرها كاملة معهد عصام فارس، نظرا لما تضمنته من افكار تفيد منها الدبلوماسية اللبنانية، وتلقي الضوء على أهمية اعتماد لبنان دبلوماسية هجومية بكافة السبل والاشكال واعداد ملف متكامل مع اللاجئين الفلسطينيين. طرح الصائغ في ورقته افكارا مثيرة للاهتمام منها اهمية الفصل بين المقاومة عبر السلاح وموضوع التوطين وحصر المواجهة في يد الشرعية اللبنانية داعيا المجتمع الدولي الى “تقديم ضمانات واضحة لتجنيب لبنان تسوية على حسابه في قضية اللاجئين وهذا ما قد يساعد بإحداث خرق في اتجاهي التحسين والتسوية لأوضاع اللاجئين” (…). يذكر ان الندوة كانت بإدارة الاستاذة الجامعية والخبيرة القانونية مي حمّود.
استهل الصائغ ورقته بقوله:”لن يفهم المجتمع الدولي أن انجاز حل مستدام للصراع الفلسطيني الاسرائيلي وبالتالي العربي الاسرائيلي، لن يقوم إلا على اساس العدل.
ليست صفقة القرن جديدة ولا مستجدة وهي التي اثيرت حولها الكثير من علامات الاستفهام. إن المتجدد هو السمة الاقتصادية الاستثمارية العقارية والتحفيزية التعويضية تمويليا فيها كان مسارات أخرى منذ بداية الخمسينيات حين اسقط العرب القرار 181 القاضي بتقسيم فلسطين، فيما بقي دفاع بالعمق عن القرار 194 القاضي بعودة اللاجئين والتعويض عنهم. يبقى هذان القراران من حيث صدورهما عن الجمعية العامة للامم المتحدة في مسار اللاتشكل التحقيقي. المحاولات عينها تتراكم. الفشل عينه سيتكرر، السلام خيار لا صفقة. اسرائيل لا تريد السلام. ترامب ونتنياهو يقومان باستعراض فولكلوري”.
لبناء دبلوماسية فلسطينية ولبنانية وعربية رصينة…تأخرت
ودعا زياد الصائغ في ورقته الى بناء دبلوماسية فلسطينية ولبنانية وعربية رصينة قائلا:” من غير المجدي، على ما اعتدنا عليه، قرع طبول المعركة شعاراتيا بوجه مؤامرة مستمرة منذ العام 1948، وعلى كثير من السذاجة انتهاج نسق التخويف والتخوين من باب فبركة انتصارات وهمية. من الأولى بمكان بناء دبلوماسية فلسطينية ولبنانية وعربية رصينة تأخرت. وإن أي بناء لهذه الدبلوماسية اللبنانية الرصينة يقتضي اطلالة على مشاريع “التوطين” و”الاستيطان” تاريخيا، والمسارات التفاوضية حول اللاجئين الفلسطينيين، خصوصا الى اولوية تفكيك دوغماتيات هشة بغية التأسيس لإعادة إنتاج قواعد اشتباك دبلوماسي وقانوني متماسك مع الساعين لفرض التوطين واجهاض حق العودة ،واغتيال قضية فلسطين”.
ودعا الصائغ الى اعتبار الصراع في فلسطين وجوديا لا حدوديا، قائلا:” أثبتت صفقة القرن ان الصراع في فلسطين وجودي، ولا يقتضي تسخيفه حدوديا، واعادت فتح باب النقاش حول مخاطر توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان كما الاردن والدول المضيفة، لكن وبالاستناد الى هذه المخاطر يجب الركون الى مقاربة علمية تاريخية اكثر منه اغراقا بالشعبويات المفتونة باستعراض عضلات غير منتج”.
وتطرق الصائغ الى مشاريع التوطين والاستيطان للاجئين الفلسطينيين تاريخيا فضلا عن المسارات التفاوضية في استعراض تاريخي… قال الصائغ انها ” قراءة سيناريوهات تستلهم عناصر منها قد تدعم الحقيبة الدبلوماسية اللبنانية المرتقبة والمفترضة بمنأى عن المساومة على ثابتة دعم حق العودة وصوت لبنان الدستوري والشعبي عال في هذا الاطار نصرة لفلسطين وتأكيدا على دعن لبنان في حق العودة”.
لماذا يخاف لبنان من التوطين؟ من أجله أم من أجل الفلسطينيين؟
ويطرح الصائغ اسئلة حول الموقف اللبناني:” هل يقوم رفض لبنان لأي شكل من اشكال التوطين المباشر او المقتّع انطلاقا من خوف على ديموغرافيته وتوازناته الطائفية؟ او لقناعته بأن اي طرح لابقاء الشتات الفلسطيني ودمجه بالمجتمعات التي هجّر اليها اغتيال لهويته بداية، ونحر للعدالة الدولية ثانيا، بما ينهي بالكامل أي إمكان تجنيب التاريخ مجازر مماثلة”؟ واقترح:” إن توحيدا وطنيا للمصطلح في اعتماد “دعم حق العودة” مع ما سبقه في مقدمة الدستور من “رفض التوطين” كفيل بإخراج هذه المسالة السياسية الانسانية العادلة من بازارات الاستغلالات الداخلية التهويلية التي استحالت مذهبية، بإنقاذها من التقزيم العنصري، الذي تفسّره اسرائيل عبر استنادها الى استقبالها يهودا عربا تركوا دولهم أساسيا ليستوطنوها. وشتان بين الهجر الطوعي والممنهج والتهجير الدموي المنظّم. لبنان يرفض التوطين ويدعم حق العودة وبالتالي يجب التفكيك المنهجي لمندرجات هذا الرفض على المستوى السياسي والسيادي والسوسيو-اقتصادي، والشراكة المسيحية الاسلامية، والدبلوماسي”.
وتطرق الى رفض لبنان للتوطين كموقف سياسات عامة انطلاقا من دستوره ومن اسهامه في صوغ شرعة حقوق الانسان وكونه عضو مؤسس في الامم المتحدة وجامعة الدول العربية. كل ذلك جاء ليؤكد” التزام لبنان بحق اللاجئين الفلسطينيين المشروع بالعودة وقيام دولة فلسطينية من جهة اخرى”. ويلفت الصائغ الى “ضرورة انخراط لبنان بقوة في تدعيم العدالة الدولية لمصلحة الشعب الفلسطيني وحقوقه، بالمساهمة في وضع المقررات الدولية موضع التنفيذ مستفيدا من موقعه في الامم المتحدة ودعم المفاوضات والاضطلاع بدور فاعل فيها والمساعدة في وضع السياسات المطلوبة للتعويض على اللاجئين الفلسطينيين ليتمكنوا من احراز عودة كريمة الى ارضهم، كما التعويض على لبنان لما عاناه منذ نكبة 1948، إن الدبلوماسية مراكمة ومواكبتها بمقاومة ميدانية تحت إمرة الدولة وضمن استراتيجية دفاعية يقودها الجيش اللبناني حصرا أساس لأي إمكان عودة بمظلة الشرعية اللبنانية والشرعية الفلسطينية والشرعيتين العربية والدولية”.
وتطرق الصائغ في ورقته البحثية التي سينشرها كاملة مركز عصام فارس الى الأسباب الكامنة وراء رفض لبنان للتوطين بدءا من السياسات العامة الى رفض التوطين كموقف سيادي إذ “لا مناص من استعادة الدولة اللبنانية سيادتها كاملة على اراضيها التي تقع عليها مخيمات اللاجئين الفلسطينيين من منطلق واجباتها في تأمين البيئة الآمنى لهم حتى عودتهم”. (…).
كذلك يرفض لبنان التوطين كموقف سوسيو-اقتصادي، وكموقف شراكة مسيحية-اسلامية، وكموقف دبلوماسي.
القرار 194 أساسي للبنان
في السياق الدبلوماسي يقول الصائغ:” لبنان الرافض للتوطين لا بد من ان يشكل له القرار 194 القاضي بالعودة مع التعويض وارتباط هذا القرار بالقرار رقم 3236 القاضي بحق الشعوب في تقرير مصيرها داعما تأسيسيا”. يتابع الصائغ:” لقد أورد القانوني الدولي المعروف أنطونيو كاسيس أن في هذا الارتباط جوهر الكباش في القانون الدولي مع نظريات “خيارات العودة”، إذ إن هذا القرار، ودائما بحسب كاسيس، نقل العودة من حيّز الفردية الى حيز الجماعية، ولاقاه في ذلك القانوني الدولي لكس تاكنبرغ الذي أكد على الحق بالعودة الى اراضي الدولة الفلسطينية ذات السيادة مشددا في مؤلفه حول وضع اللاجئين الفلسطينيين في القانون الدولي 1995 على أن “حق العودة مشتق من لا شرعية الطرد نفسه، فمن المعترف به ان لا دولة قادرة شرعا على طرد سكان تحت سيطرتها وعليه فالذين طردوا لهم الحق في ان يعودوا الى وطنهم”.
مبادرة لبنان الدبلوماسية ملحّة
وتطرق الصائغ بعمق وباقتراحات عملية الى مسألة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان مقترحا على الدبلوماسية اللبنانية حلولا عملية فقال:” في هذا السياق يبرز بالحاح ضرورة ان يبادر لبنان الى طلب المشاركة الفاعلة في اية مفاوضات شاملة تعنى بقضايا الحل النهائي للصراع العربي الاسرائيلي وفي مقدمها قضية اللاجئني الفلسطينيين. فلا شرعية لأية تسوية ثنائية او جماعية في هذا السياق يكون لبنان غائبا فيها او مغيبا عنها. قد يسأل البعض ما علاقة الرفض المبدئي والحاسم للبنانيين لتوطين اللاجئين الفلسطينين في لبنان، بمحاولة تحسين اوضاع هؤلاء الانسانية من ناحية، كما تسوية اوضاعهم القانونية من ناحية اخرى، والحقيقة ان اي تقدّم على مستوى التحسين والتسوية لا يمكن ان يقبل به اللبنانيون عموما على انه اتجاه لتطبيع وضع اللاجئين مجتمعيا وقانونيا بشكل نهائي في لبنان، بل يجب ان يفهموه التزاما منهم بإرث لبنان الحضاري في احترامه حقوق الانسان، وتدعيما لمقومات الصمود للاجئين حتى عودتهم الى دولتهم فلسطين وايجاد حل عادل ومتكامل لقضيتهم. من هنا قد يكون لزاما على المجتمع الدولي ان يعي ان تقديم ضمانات واضحة لتجنيب لبنان تسوية على حسابه في قضية اللاجئين، قد يساعد بإحداث خرق في اتجاهي التحسين والتسوية لأوضاع اللاجئين قانونيا ومجتمعيا من جهة، بالإضافة الى وجوب تأمين موارد اضافية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا من جهة اخرى، بسبب عدم قدرة لبنان اقتصاديا على تحمّل اي اعباء تجاههم لا سيما وان مواطنيه يعانون اصلا نقصا في كل الخدمات، وحتى الاساسية منها ومنطلق التحسين والتسوية يجب ان يأتي على قاعدة الشراكة في المسؤولية لحماية الاستقرار والامن الوطني والاقليمي والدولي. رغم هذه المعادلة الملتبسة يبقى ان تحسين اوضاع اللاجئين الفلسطينيين مصلحة لبنانية عليا. وانطلاقا من كل ما سبق يجب على لبنان انتهاج مسارين لمواجهة التوطين وتزخيم دعم “حق العودة” اولهما تفكيك الدوغماتيات الهشة، وثانيهما التزام الدبلوماسية الهجومية”.
وشرح الصائغ ماهية الدبلوماسية الهجومية عبر:” تفكيك الدوغماتيات الهشة، قائلا:” الدبلوماسية الهجومية تضمن “حق العودة”. لست ادري ما علاقة السلاح، اي سلاح، غير ذاك الممسكة به الشرعية اللبنانية، لا ادري ما علاقته بـ”حق العودة”، أو ربما بـ”حقوق اخرى”. استصدار شرعنة وجودية لسلاح وتأبيد منظومته انطلاقا من “رفض التوطين” يحتمل المساءلة في كيفية مساهمته بدعم حق العودة. ثمة دوغماتيات تربط وثيقا بين السلاحين ووظيفتهما ويجب تفكيكها. لكن هل من تجزئة في السيادة؟ أوليست وحدة الرؤية والقرار بيد الدولة اللبنانية كفيلة بدعم حق العودة؟ (…).
وفي مقطع آخر عن الدبلوماسية الهجومية قال الصائغ:” إن الحكومة اللبنانية مدعوّة الى بلورة تصور لدعم حق العودة بدبلوماسية هجومية مرتبطة حتما بالاستراتيجية الدفاعية. وان هذا التصور يجب ان يتأسس على ايقاظ حركية سياستنا الخالرجية من سباتها في عواصم القرار، عبر تشكيل فريق عمل متخصص يتواصل مع مراكز الابحاث ووسائل الاعلام ورجال الاعمال و…للبنان من هؤلاء كملايين من اصل مهاجر او متحدر. على هذه الدبلوماسية الهجومية ان تنسق مع الشرعية الفلسطينية وجامعة الدول العربية. والامم المتحدة وتسمعهم ما يريد لبنان ويناضل من اجله لا فقط الاصغاء الى ما هم يتطلعون اليه. المبادرة اللبنانية باتت ملحّة فعلا لا قولا، وهذا ما يقتضي اعداد ملف تفاوضي متكامل يبدأ بالداتا، ويمر بالحجج القانونية لعودة اللاجئ الى دياره، ويختم بتقدير التعويضات التي يستحقها لبنان عن الاجتياحات الاسرائيلية كما العدوانات والاشكالات التي نتجب عن هذا لاالتواجد القسري على ارضه. كل ذلك تحت سقف قرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية للسلام. اما الاكتفاء بترداد المبادئ، واو تحصينها فقط داخليا، دون مبادرات في السياسة الخارجية، فمن المرجح انه يستجلب عطفا اكثر منه تبنيا لعدالة مرتجاة لبنانيا،وفلسطينيا وعربيا ودوليا”. وختم الصائغ ورقته بقوله:” لطالما كان لبنان رأس حربة في دعم القضية الفلسطينية دبلوماسيا، أما آن أوان استعادة دوره بعد سنوات من الاستباحة والمصادرة والمفاوضة عنه والمقايضة علي