“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
تمر العلاقات الاميركية الايرانية في أكثر الفترات توترا، وتتشابك المصالح الاميركية في المنطقة مع مصالح حلفائها وهما بحسب مهران كمرافا الباحث الأميركي الايراني الأصل الذي يشغل منصب مدير مركز الدراسات الدولية والإقليمية التابع لجامعة جورجتاون في قطر: اسرائيل والسعودية. وفيما يبدو بأن المسالة الاسرائيلية قد أخذها الرئيس الاميركي دونالد ترامب على عاتقه الشخصي، فإن المملكة العربية السعودية تصارع إيران على النفوذ الشرق أوسطي بمعية أميركية مباشرة بحسب كمرافا الذي استضافه الاسبوع الفائت معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت وقدمه استاذ الاعلام والباحث في المركز الدكتور رامي خوري. حملت محاضرة كمرافا عنوان:
الهيمنة الاميركية، المراجعة الايرانية، ومنطقة في خضم الاضطراب
American hegemony, Iranian revisionism and a region in turmoil
وهو أشار فيها الى أن لدى الولايات المتحدة الأميركية وإيران تصورات مختلفة حول النظام الدولي وكيف يجب ان يكون عليه الشرق الاوسط”. وشرح:” حاليا، في عهد ترامب نرى التوتر وقد بلغ اعلى مستوياته، انخفضت هذه التوترات في نهاية عهد الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما إلا ان التوتر يميز هذه العلاقة منذ العام 1979 وقد تأجج في الاعوام الاخيرة بفعل عوامل جمّة وحوادث مختلفة مثل “الربيع العربي”، ظهور قيادات انتقالية في الخليج، وتطورات مثلا في عهد احمدي نجاد حين حصل تضارب في الشعبويات… وعام 2015 برزت قيادة جديدة في السعودية ما غيّر معادلات هامّة كانت سائدة في منطقة الخليج إذ صارت السعودية عاملا مهما في التسبب بالتوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة الاميركية من جهة وايران من جهة ثانية.
للتعرف أكثر الى أولويات البلدين يمكن القول ان اولويات الصراع اميركيا تتمثل بالامور التالية:
تريد الولايات المتحدة الأميركية ان تكون لاعبا عالميا واقليميا ومهندسة للتوازن من الخارج، وأن تكوون مزوّدة للامن الداخلي في الخليج ليكون أمن الخليج متعلقا ومستندا اليها وهذا ما سبب المشاكل مع ايران والعراق. كذلك تريد الولايات المتحدة الاميركية ان يكون لديها حلفاء اقليميين.
ماذا عن اهداف ايران الاستراتيجية؟
ترى ايران نفسها قوة دولية متوسطة في الشرق الاوسط، وهذا ضد الهيمنة الاميركية، ولا تريد ايران الخضوع الى الهندسة الاقليمية الاميركية. لإيران ثورتها وهي تريد ان تكون لاعبا دوليا ولديها هويتها وايديولوجيتها ولديها علاقات مع لاعبين خارج إطار الدول ولديها أذرعا. كذلك تريد ان تكون لاعبا مهيمنا ومواجها وان تكون لديها علاقات مهمة مع أذرع واطراف لاعبين من خارج اطار الدول.
عام 2011 حصل تطوّر تطور مميز في الشرق الاوسط. تظهر اللوحة الاولى التي اعرضها الهرمية الموجودة في الشرق الاوسط: في ما يخص النظام الاقليمي، تحاول الدول الكبرى فرض قوتها على دول أضعف. ايران تفعل ذلك في لبنان والعراق وسوريا أو عبر السلطة الاقتصادية كما بين اليمن والسعودية. إن هذه الصداقات والتحالفات او الديناميات، تستخدم احيانا دبلوماسية الدولار او سواها وتحاول ان تبقي على علاقات جيدة مع دول الوسط في ما يمكن تسميته زواج مصلحة
Marriage of convenience
بين بعض الدول، مثل البحرين ومصر والامارات العربية المتحدة. هذه الدول تحاول ان تكون لاعبة اشكالية ويصعب تصنيفها وتلعب ادوار “الرجل الفزاعة” ولا يمكن تعريفها (…). ان مراقبة السلوك الايراني او الاميركي يظهر دوما ان لا احتمالية للحرب. كذلك تبين ان الحرب ضد القوى في الشرق الاوسط لا يمكن كسبها كما حصل في العراق. ان اولويات ترامب وسلوكياته تظهر انه لا يريد الحرب مع ايران، ويبدو بأن ايران تتصرف بدورها ببراغماتية وظهر ذلك جليا في لحظات عدة منها لحظة التعامل مع الهجومات الاسرائيلية على الاراضي السورية، انها الاستراتيجية البراغماتية الايرانية. لكن استبعاد الحرب لا يعني انتهاء التوترات ونحن نشهد سيناريو لا حرب ولا سلم. لن تتخلى ايران عن اذرعها.
ان توازن الرعب بين الاميركيين والايرانيين يستمر وقد برز بعد اغتيال سليماني. بعد اغتيال سليماني قال الاميركيون: اليوم اعدنا توازن الرعب. لكن الايرانيين قالوا لا…الآن أعدنا توازن الرعب (بعد قصف القاعدة الاميركية في العراق).
ماذا عن التداعيات على مجلس التعاون الخليجي؟ لقد زادت التشققات الداخلية في ما يخص العلاقة مع ايران. عمان وقطر والكويت تعتمد البراغماتية في حين تعتمد البحرين والسعودية والامارات الرفضية.
بالنسبة الى العلاقات الايرانية السعودية، بعد اغتيال سليماني اعتبرت السعودية ان ايران صارت ضعيفة، ارتأت السعودية الا تدخل ايران في اي حوار…لكن ثمة خطر كبير برأيي، هو خطر التحالف مع القوى العظمى،
Danger of Bandwagoning
وثمة مخاوف من ان يتخلى ترامب عن السعودية حين يتجه للكلام مع ايران، وبالتالي ان اتكال السعودية امنيا على اميركا يؤثر على التوترات في مجلس التعاون الخليجي.
بالنسبة الى التداعيات على المنطقة،
يعتبر العراق محطة التأثير المباشر والملموس لايران، إنه بوابة الامن الايرانية بحسب الايرانيين. في العراق مثلا قامت ايران بشق الصفوف بين وزارة الخارجية والحرس الثوري المنوط به حماية امن ايران والحكومة العراقية التي يديرها الحرس الثوري. لذا لا يمكن التفاوض حول العراق لانه هناك يمكن ان توجه ايران ضربات دامية لاميركا. الامر ذاته في سوريا حيث لمست ايران التردد الاميركي في القرار في سوريا، سوريا هي مركز للقرار الايراني وهي مهمة جدا لايران يساعدها اللاقرار الاميركي هناك. في لبنان، لا يهتم الاميركيون للبنان بل لحلفائهم الاقليميين. توجد ركيزتان للمصالح الاميركية: اسرائيل والسعودية وهما الاهم للسياسة الاميركية. لكن السعودية مهتمة للبنان بسبب العلاقات الاقتصادية والتاريخية. لكن في لبنان يوجد لاعب غير الدولة تابع لايران هو “حزب الله” ولها معه علاقات استراتيجية.
وختم كامرافا قائلا بأن كل التطورات في الاشهر القادمة تتعلق بالاستحقاقات الآتية: برأيي ان ترامب سوف يعاد انتخابه ولديه حظوظ كبرى لاعادة انتخابه. تاريخيا، كل رئيس اميركي اعيد انتخابه لولاية ثانية سلك سلوكا مختلفا عن ولايته الاولى، ويكون لدى الرؤساء همّ حول الارث التاريخي الذي سيتركونه. اندفع كلينتون مثلا الى حل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني ليشتت الانتباه عن فضيحة مونيكا لوينسكي، اوباما وقّع الاتفاق النووي، حتى بوش اوقف مغامراته في آخر عامين. أعتقد بأن عامي 2023 و2024 سيكونان مهمين لمراقبتهما في حال اعيد انتخاب ترامب… والسؤال هو: هل ستعتمد الولايات المتحدة الاميركية سياسة خارجية مختلفة؟
أذكر ان العام المقبل سوف يشهد انتخاب رئيس جديد لإيران ايضا. وبعد اسبوعين ستجري انتخابات نيابية في ايران وهي تبدو مهمة جدا ومثيرة للاهتمام. (…).