كتبت مارلين خليفة:
أن تستيقط و”تتصبّح” بعشرات
“الفيديوهات” والمحتويات الرقمية الصوتية التي تشجع على الانتقام المناطقي وتهتك بالأعراض وتهدد السلم الاهلي بات امرا شائعا في بلد مثل لبنان. فمنذ اندلاع انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، وخطاب الكراهية يتنقل من منطقة الى اخرى ويستهلك للتأجيج بين الطوائف والاحزاب، بالتأكيد لا نعني ان “الثوار” او “المنتفضين” هم مسؤولون عن هذا الخطاب، بل إن المسؤولية يتحملها سياسيون درج مرافقوهم ومناصروهم على قلة احترام المواطنين، وعلى “جهات” تسعّر الحس الطائفي عند كل خطأ مميت لهؤلاء السياسيين محدثة فوضى عارمة مرفقة بدعوات لحرب اهلية.
ليس بريئا ما حصل بالأمس من تحريك للشارع الطرابلسي، فطرابلس الفيحاء عاصمة الشمال وأبنائها يتعرضون منذ اندلاع الثورة الى ابشع انواع الابتزاز والاستثمار بفقرهم وببؤسهم الذي تسبب لهم به اهمال المسؤولين السياسيين في مدينتهم لأعوام طويلة، فبقيت طرابلس جزءا زاهيا وجميلا لفئة قليلة بينما السواد الاعظم من مواطنيها يعيشون تحت خط الفقر، مفتقدين لسياسة انمائية عادلة.
يتم الاستثمار في فقر الطرابلسيين بشكل فاقع، من قبل جهات تمتهن تحريك الفقراء وجعلهم وقودا في حوادث تريد شغبا سواء في بيروت في رسائل سياسية لجهات معنية، او في طرابلس وكسروان وفي البترن مستثيرة غضب طرابلسيين انتفضوا ضد اهانة تعرض لها احد ابنائهم من قبل رعاع يرافقون احد النواب في قلب عاصمة الموارنة كسروان.
هكذا يتم تحوير المطالب المعيشية والحياتية والاذلال الذي يعيشه كل المواطنين امام المصارف ومنهم ابناء كسروان وطرابلس ليصبح منحصرا باهانة مدانة وحقيرة لبعض الرعاع عوض الدعوة لتوقيفهم وتسليمهم للقوى الامنية ومحاكمتهم بحسب القانون المتبع في حالات مماثلة بتهمة تجمع بين الاعتداء الجسدي وخطاب الكراهية ضد مواطن لبناني ينتمي الى إحدى اجمل مدن لبنان.
لكن هذه الخطيئة المرتكبة من قبل حفنة غبية لا تمرّ مرورا عابرا عند من يستثمرون في فقر ابناء طرابلس، بل يجب البناء عليها لاغراق لبنان في الفوضى المطلوبة المواكبة لافلاس شبه محتوم، في توقيت “ذكي” على مشارف نيل الحكومة الجديدة الثقة. هذه الخطيئة المرتكبة من قبل حفنة من الرعاع لا تمر من دون تأجيج خطاب الكراهية لدى ابناء طرابلس الانقياء وهي تصب حتما في الصراع الاقليمي المتفجر في عاصمة الشمال بين عاصمتين خليجيتين عربيتين أساسيتين هما الرياض وأبو ظبي وبين “عدوهما” الأكبر اليوم أي تركيا، فتحصل معارك “الإسلام المتنور” الذي تنادي به السعودية والامارات اليوم ضد “الاسلام السياسي” وتحديدا “الاخواني” الذي تمثله تركيا على ارض طرابلس الفيحاء…هكذا تصبح شتيمة رخيصة لأحد المواطنين اللبنانيين شرارة في صراع اقليمي دخل جزءا اساسيا من ثورة الجياع في لبنان.
لا يمكن ايقاف كل ذلك الا بخطاب الحكمة والتوعية وعدم بث الشائعات والتحريض وتهدئة المواطنين وليس تأجيج غضبهم، انها مهمة العقلاء والحريصين على مصلحة لبنان وطن الجميع.