“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
تألفت حكومة حسان دياب في 21 الجاري وسط تجاذب سياسي واسع بعد ان فشل سعد الحريري في اعادة تشكيل حكومة اخصائيين في حين لقي دياب الآ تي من العالم الاكاديمي تسهيلات اكبر جعلته يشكل حكومة اخصائيين معظمهك ذي كفاءة معروفة لكنهم في الوقت عينه مسيرين بخيطان الاحزاب السياسية وصودف ان جميعها تنتمي الى محور 8 آذار ونجمه بلا منازع “حزب الله”.
وسرعان ما واجهت الحكومة توصيفا بانها من توقيع “حزب الله” وآخر المتهمين مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شنكر الذي اعلن في 25 الجاري ان واشنطن” ستتابع عن كثب اذا كانت الحكومة الجديدة ملتزمة محاربة الفساد واخراج لبنان من ازمته المالية بما يسمح بوصول المساعدات الدولية واعتقد ان هذه هي المعايير التي سنعتمدها للتعاون مع الحكومة”. وأقر شنكر بأن هذه الحكومة شكلها ويدعمها حزب الله ومؤيدو النظام السوري في لبنان، وهذا يطرح اسئلة كثيرة بمعنى هل ستكون هذه الحكومة ملتزمة محاربة الفساد والقيام بالاصلاح لان حزب الله يعيش على الفساد وسننتظر ونرى. ملمحا الى عقوبات جديدة.
ولم يوفر جيفري فلتمان في تقريره السياسي في الذي يكتبه دوريا في معهد “بروكينز” حكومة دياب من الانتقاد، ويكفي الاطلاع على آراء الكتاب والباحثين والصحافيين المقربين من المناخ الاميركي لكي يدرك حسان دياب حجم العيون الجاحظة تجاه حكومته التي تنتظر نيل الثقة من اجل البدء بعملية اصلاح تؤمن خروج لبنان من مأزق مالي واقتصادي لم يشهده يوما.
ولعل مسارعة “حزب الله” لتلقف كرة النار الحكومية بين يديه، طرحت ايضا اكثر من علامة استفهام في اوساط هؤلاء الباحثين عن سبب هذه “الروح المضحية” لدى الحزب الذي سيتحمل مع هذه الحكومة وزر وضع علاجات مستعصية لازمة تحمل مسؤوليتها حكومات متتالية امتدت منذ العام 1992؟
وهل قبوله بحكومة اخصائيين هو استعداد لانقلاب ناعم يعيد عقارب الساعة الى ما قبل اندلاع ثورة 17 تشرين الاول 2019؟
وهل صحيح بأن هذه الثورة التي تلقفتها واشنطن وحليفاتها من الدول الاقليمية قادرة على زعزعة نفوذ “حزب الله” والاطاحة بالطبقة السياسية التي يرعاها نهائيا بعد ان نجحت في نسف تسوية الحريري-باسيل فعاد الحريري رئيس حكومة سابق وباسيل وزيرا سابقا باتت حظوظه الرئاسية مشكوك بأمرها كي لا نقول شبه معدومة؟
وهل صحيح أن الحزب يخسر تدريجيا وانه سيعود الى صفوف الاحزاب السياسية المطواعة بسبب تراجع دور ايران التي ترزح تحت عبء العقوبات التي تمنعها من تبذير اموالها على اذرعها حتى لو كان حزب الله اكثر اذرعها دلالا لا سيما بعد اغتيال الولايات المتحدة الاميركية لقائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني؟
وبالمحصلة هل ستنجح الحرب الاقتصادية والمالية في فك ارتباط بيئة “حزب الله” به وكذلك الحلفاء فيصبح حزبا معزولا كمات يشتهي خصومه في الداخل والخارج؟
وماذا عن “تغطيس” الحزب في صراع مذهبي؟ وماذا عن “تغطيسه” في صراع شيعي-شيعي في داخل البيت الواحد وخصوصا مع ظهور مؤشرات تفسخ بين الحلفاء في داخل البيت الواحد ابان تشكيل الحكومة عاد “حزب الله” وضبطها مسهلا تشكيل حكومة حسان دياب؟
قبل الدخول في هذا المناخ من المثير للاهتمام معرفة ان رئيس الحكومة الجديد حسان دياب هو خيار سعد الحريري شخصيا، وليس منتجا سقط كنيزك من الفضاء.
يروي احد العارفين بكيفية تشكيل الحكومة لموقع “مصدر دبلوماسي” انه حصلت ابان دراسة الاسماء المرشحة لترؤس الحكومة بعد ان رفض سعد الحريري عملية التشكيل عملية استعراض للاسماء السنية التي من الممكن ان تتولى المسؤولية، وبعد عمليات الغربلة صمدت: خالد قباتي وسمير الجسر وحسان دياب، فوقع خيار الحريري على الاخير ومشى به حزب الله والتيار الوطني الحر فيما رفض الحزب التقدمي الاشتراكي تأييده علانية واعتكفت القوات اللبنانية.
كان البعض يعتقد ان دياب الذي له تجربة وزارية وحيدة هو سهل المراس، وسيخضع لاملاءات الطبقة السياسية، فإذا به يظهر شخصية رصينة تتميز برباطة جأش موصوفة وبحرية رأي وصلابة موقف وبانه مفاوض صعب وله حضور ذهني ويتميز ببلاغة التعبير. صعق الجميع. ويروي احد العارفين بأن الاجتماع الذي ضمّ وزير الخارجية السابق جبران باسيل مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري قبيل تشكيل الحكومة والذي استمر 3 ساعات أمضى باسيل نصفه يشتكي لبري على اسلوب تعاطي دياب!
بالعودة الى “حزب الله”، فإن مناخ حارة حريك يبدو ورديا! مناخ يقع خارج كل سياقات التشاؤم والتهويل والسيناريوهات المرسومة للحزب. في هذا السياق، تقول اوساط على اطلاع وثيق بمناخ “حزب الله” لموقعنا بأن هذه الحكومة ليست من توقيعه لكن الحزب سارع الى المساعدة في تشكيلها كجزء من تحمله المسؤولية تجاه اللبنانيين وهذا امر طبيعي لانه حزب رئيسي وله دور في تشكيل الحكومة.
تستطرد الاوساط مذكرة بان التوصيف ذاته اطلق على حكومة سعد الحريري السابقة، قيل وقتها انها حكومة “حزب الله”، ولو كانت كذلك فعليا لكان الحزب قد عمد فورا الى فتح علاقات مع سوريا سياسيا واقتصاديا. وتشير الاوساط ردا على سؤالنا عما اذا كانت الحكومة للمواجهة ام انتقالية فحسب بأن هذه الحكومة تهدف الى توفير الحد الادنى من الاستقرار السياسي عقب ما حدث منذ 17 تشرين الاول 2019 ومحاولة حل الازمة ووقف التدهور الاقتصادي هذا هو الهدف الاول، اما اذا تحقق فسيعبد الطريق الى تحقيق موضوع الاصلاح المالي.
لا يكترث العارفون بمناخ “حزب الله” لكل سيناريوهات التهويل التي ترسم، يعترف الحزب بأن الوضع المالي خطر، ويقر بصعوبة الوضع الاقتصادي وبانها حرب حقيقية عبر التضييق المالي والاقتصادي وانها اوقعت وتوقع اضرارا، لكن مواجهتها تكون بالعمل وبالصبر وعدم الانصياع. ينظر “حزب الله” الى النصف الممتلئ من الكوب فهذه الحكومة نالت رضى شعبيا وافرا عند اطلاقها شعر به كثر اما مظاهر الشغب التي رافقت اعلانها فهي مفتعلة ولها اهداف سياسية واضحة والاجهزة الامنية لها تصور واضح عنها، ثانيا من الواضح ان القوى السياسية اللبنانية ترغب باعطائها فرصة لأن حجم الازمة كبير جدا ولعل توفير كتلة المستقبل امس للنصاب النيابي من اجل تمرير الموازنة هو دليل اضافي الى ان لا احد يريد التخريب، ربما القوات اللبنانية منكفئة والاشتراكي غير متحمس لكن غالبية القوى تريد نجاح الحكومة او اقله اختبارها. اما الامر الثالث فيتعلق بردود الفعل الخارجية بحيث يمكن تلخيص الموقف بانه عدم ممانعة مشروطة بان تكون الحكومة اصلاحية، وكان يمكن ان تكون ردود الفعل اسوأ كأن يقال بأنها حكومة مرفوضة، ما يعني ان الغرب وتحديدا الاميركيين منحوا الحكومة فرصة ولو اختبارية، اما الاوروبيين فكانوا واضحين بدعمهم كذلك الامم المتحدة مشترطين تدابير اصلاحية.
برأي “حزب الله” بحسب ما تقول الاوساط المطلعة على مناخه ان “رئيس الحكومة حسان دياب هو شخصية رصينة يدرس خطواته، منفتح على جميع الافكار ولديه مواصفات رجل دولة ومتحفز لان تكون حكومته اصلاحية تقوم بخطوات ايجابية على الاقتصاد والمال”.
وعن استخدام سلاح المال والاقتصادي لتحطيم “نظام سياسي” مريح لـ”حزب الله” وتحديدا التسوية الرئاسية التي عبدت الطريق لتولي الرئيس ميشال عون رئاسة الجمهورية وسعد الحريري رئاسة الحكومة وقطع حبالها في منتصف العهد، تقول الاوساط المطلعة على مناخ “حزب الله” بأن ” حزب الله لم يقم بأي نظام خاص به، هو شريك كسواه في الحياة السياسية، اما التسوية بين عون والحريري فهي سقطت فعليا بفعل استقالة الحريري وعدم رغبته بالبقاء ولأن السياسة لا تقبل الفراغ كانت المسارعة الى تشكيل الحكومة الحالية.
يعتبر الحزب بأنه كان على الجميع التراجع خطوة الى الوراء نظرا الى خطورة الوضع في لبنان وحجم الازمة والجميع مستعد لتقديم تنازلات لتكون الحكومة قادرة على تقديم الاصلاحات المرجوة”. لكن ما لا تقوله هذه الاوساط، تقرأه اوساط دبلوماسية اجنبية غير صديقة لحزب الله لكنها تشير بموضوعية الى أن خروج 3 وزراء لحزب الله لن يؤثر عليه لأن قوته منبثقة من فاعليته المتعددة الجوانب على عكس بقية القوى السياسية التي خرجت عمليا من الحكومة بالرغم من وجود وزراء موالين لها، لأن القيمة السياسية لتلك الاحزاب والتيارات كانت من خلال عملها الحكومي المباشر وليس بفعل قوتها الذاتية وليست هذه حالة “حزب الله”.
بالنسبة الى الخلافات التي نشأت في داخل الصف الواحد عقب تشكيل الحكومة فإن حزب الله يعتبر بانه تم احتواؤها وهي طبيعية وليست خطرة. يمنح حزب الله حكومة دياب فرصة ذهبية كذلك الدول الغربية، لكن هل سينجح دياب في تخطي الغام الداخل والخارج وخصوصا وان ما يحكى عن “انقلاب” يعده “حزب الله” لاعادة الحريري فور “فشل” حكومة التكنوقراط هو “محض خيال” بحسب الاوساط الوثيقة الاطلاع على مناخ حزب الله لان حكومة حسان دياب ستبقى الى حين اجراء الانتخابات النيابية المقبلة في 2022 ولغاية ذلك الحين وعلى ضوء النتائج الانتخابية والاستشارات النيابية قد يتم التغيير فيعود سعد الحريري أو لا يعود.