“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
يعمد كثر من اللبنانيين الى تشبيه حالة لبنان ببلدان وقعت في أزمات مالية ونقدية واقتصادية حادّة أقربها اليونان وقبرص وصولا الى اوكرانيا وفنزويلا والارجنتين. ولدى استعراض حالات هذه البلدان، يتبدّى بأن الحالة اللبنانية مختلفة تماما كما يشرح لموقعنا أحد الخبراء المصرفيين المتابع عن كثب لهذه الحالات معتبرا بأنه “لا يمكن مقارنة لبنان بأي بلد من هذه البلدان، بل هو يشبهها جميعها، ويعتبر لبنان مزيجا من حالة فريدة تحتاج الى اساتذة دوليين والى اسهام صندوق النقد وسواه”. يضيف:” لقد استدان المصرف المركزي من المصارف الخاصة واعطى الاموال لدولة فاشلة صرفتها، وهذه الأموال هي اموال المودعين وهذه حالة لا يمكن تشبيهها ايضا بفنزويلا التي تعاني من حظر في التحويلات والتضخم لكن لديها نفط وما ان يرفع الحصار المالي والنفطي حتى تتدفق اليها العملات”.
يشبّه بعض اللبنانيين المنتشرين ما يقوم به حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بما قام به الرئيس الأرجنتيني السابق كارلوس منعم الذي حكم بين عامي 1989 و1999، وهنا نص يشرح ما فعله الأخير، وتظهر قراءته بوضوح تام بأن توصيف الحالة الأرجنتينية يشبه الى حدّ بعيد ما يمر به بلدنا حاليا.
كانت الأرجنتين في قبضة الازمة الاقتصادية في نهاية 2001، وكانت قد انهارت العائدات على مدى 3 اعوام وارتفعت نسب البطالة وتراكم الدين العام بشكل واسع. وقد أودت السياسات التي اعتمدتها حكومة كارلوس منعم الى هذا الوضع وذلك منذ بدأت تدابيرها بعد عام 1989، وذلك بهدف تجميد التضخم واعادة الاستقرار الى الاقتصاد. وقد بدت تلك السياسات ناجحة لوقت معين. عام 1991 ربط منعم البيزو الارجنتيني بالدولار الاميركي، وبحسب القانون كان البيزو الواحد مساويا لدولار واحد ولم يكن من عمليات صرافة لتغيير ذلك. اقنعت الحكومة الناس بفتح حسابات بالدولار الأميركي في المصارف، وكان الدولار متداولا على نطاق واسع: في المحال التجارية، في الخطوط الجوية وفي سحوبات الكاش عبر الآلات المصرفية.
ساعدت هذه السياسة على جعل الاقتصاد مستقرا، ولكن كان ثمة شائبة رئيسية، تمثلت بأن هذه السياسة جعلت صادرات الارجنتينيةة باهظة الكلفة والواردات رخيصة جدا. تمّ تقطير الصادرات الى درجة الانقطاع، في حين تدفقت الواردات، وكانت الطريقة الوحيدة للدفع لهؤلاء عبر بالاستدانة. لم يكن هذا الأمر مستداما، وبدأ الناس في الأرجنتين يقلقون من استدامة البيزو وقيمته، لذا وضعوا معظم مدخراتهم في المصارف بالعملة الخضراء أي الدولار الأميركي. بعد كل ذلك، عمدت الحكومة الى تمزيق القانون وتخفيض قيمة البيزو، فوقع الناس بالمصيدة التي حيكت بإحكام قلّ نظيره. في كانون الاول 2001، جمدت الحكومة كل الحسابات المصرفية لمدة 90 يوما، وتم تقييد السحوبات بسقوف معينة اسبوعيا، في البداية كان السقف 250 بيزو وبقي السحب متاحا بالبيزو.
فائدة 63 في المئة على البيزو الارجنتيني!
تبلغ الفائدة على الودائع بالبيزو اليوم 63 في المئة بحسب الخبير المصرفي الذي تحدثنا اليه وهو من المتابعين للشؤون المالية الدولية عن كثب، وقد تمّ رفع نسبة الفوائد على العملة المحلية بغية الحفاظ على قيمتها بعدما غرقت البلاد بالديون بفعل الاستدانة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الذي فرض سياسات صارمة” ويشير هذا الخبير الى أن لبنان لم يصل الى هذه المرحلة بعد، وهو كناية عن “حالة فريدة” تجمع مشاكل الارجنتين واوكرانيا وقبرص وفنزويلا واليونان ويحتاج بالتالي الى “لجنة خبراء دوليين” لمعرفة كيفية اخراجه من أزمته”.
في هذا السياق، لا يمكن تشبيه حالة لبنان ايضا الى اليونان، إذ استدانت الدولة من المصارف الخاصة والدولية (البنك الأوروبي وسواه) وراحت الحكومة اليونانية تعد سنويا موازنة وهمية بارقامها وتقدمها لهذه الجهات الدائنة وما أن انكشف الأمر حتىفرضت الدولة حظرا على الودائع لفترة محددة. واليوم عادت السياحة الى اليونان التي يدخلها سنويا قرابة الـ40 مليون سائح سنويا وتم رفع الحظر بعد أن وضعت اليونان خطّة متكاملة مع أوروبا ومع صندوق النقد الدولي ووكالات التمويل الدولية من اجل الإصلاح الضريبي واصلاح القطاع العام واصلاح الميزانية العامة وتعزيز السياحة والانتاج.
في قبرص كانت المشكلة بإفلاس المصارف وانكشافها فتمّ قص 40 في المئة من ودائع كبار المودعين ثم أعطي اصحابها حقا المساهمة في المصارف وقد تمّ رد الأموال التي اقتطعت من ودائعهم. أما أوكرانيا فهي تعاني من الافلاس والتضخم بسبب الحظر المقام عليها.
يذكر أن الوكالات الاقتصادية نشرت أخيرا ان التضخم في الارجنتين بلغ قراربة الـ54 في المئة وهي اكبر زيادة في 28 عاما وتشكل تحديا لإدارة الرئيس الجديد ألبرتو فرنانديز في ثالث اكبر اقتصاد في اميركا اللاتينية. وقد ورث فرنانديز الذي ينتمي الى يسار الوسط وتولى منصبه في كانون الاول المنصرم دينا سياديا يبلغ قرابة الـ100 مليار دولار اميركي يتطلب مفاوضات مع دائني الارجنتين ومن بينهم صندوق النقد الدولي الذي وقّع اتفاقا لمساعدات مالية بقيمة 75 مليار دولرا مع البلد الواقع في أميركا الجنوبية.