“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة
استضافت المفوضية السامية للامم المتحدة لشؤون اللاجئين منتصف الشهر الفائت المنتدى العالمي للاجئين في جنيف، بهدف مقاربة طرق استجابة جديدة مساعدة اكثر من 70 مليون شخص اضطروا الى الفرار عبر الحدود الدولية، وهم غير قادرين على العودة الى ديارهم. من بين هؤلاء لاجئون ونازحون الى لبنان
خطت الازمة السورية عامها التاسع مع بدء السنة الجديدة، وتخطى معها عدد النازحين في لبنان وبلدان الجوار 6 ملايين نازح، بينهم قرابة مليون و200 الف سوري في لبنان. لعل كلمة المفوض الاعلى فيليبو غراندي في المنتدى العالمي معبرة جدا، اذ قال: “اننا نخرج من عقد من النزوح ارتفعت خلاله اعداد النازحين”.
في لبنان، تتابع ممثلة المفوضية العليا للامم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان ميراي جيرار هذا الملف الشائك منذ تسلمها لمنصبها في تموز 2015.
في حوار مع “الامن العام” تطرقت جيرار الى خطط الاستجابة المتجددة وسط الازمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان، والتي تنعكس نسب بطالة وحالات بؤس متزايدة بين السوريين واللبنانيين على حد سواء. تناولت المساعدات المالية والمادية والجهود التي تبذلها المفوضية من اجل توفير اماكن لاعادة التوطين، ولتوفير عودة مستدامة للنازحين من لبنان ودول الجوار الذين يبلغ عددهم قرابة 6 ملايين نازح، اضافة الى عدد مماثل في الداخل السوري. ودعت الى مزيد من تقاسم المسؤولية لمساعدة هؤلاء، سواء من الحكومات او الشركات الخاصة ومكونات المجتمع كافة.
قبل مجيئها الى لبنان، عملت ميراي جيرار كممثلة للمفوضية في تايلاندا وجنوب السودان. تتخطى خبرتها في مجال الاستجابة الانسانية الفورية والحماية الدولية الـ26 عاما، وهي تنقلت في مهمات مختلفة في جنيف او في عمليات ميدانية في اكثر من بلد في العالم.
* بعد مرور 9 اعوام على اندلاع الحرب في سوريا، ما هو وضع النازحين السوريين في لبنان؟
– وصلت غالبية الاعداد من اللاجئين الى لبنان بين عامي 2013 و2014 وارتفعت تباعا من نصف مليون الى مليون لاجئ يعيش معظمهم في لبنان منذ 4 او 5 اعوام وليس منذ 9 اعوام. بلغ عدد هؤلاء عام 2011 قرابة 5 الاف لاجئ، ثم ارتفع العدد قليلا عام 2012 ليصل الى نصف مليون عام 2013 والى مليون عام 2014. هذا لا ينفي ان وضع اللاجئين طالما كان مذريا ومعدوما. فحين اتى هؤلاء الى لبنان، لم يكن في حوزتهم اي مستند لانهم اعتقدوا ان مكوثهم لن يطول اكثر من 6 اشهر. لذا استخدموا المبالغ القليلة التي كانت في حوزتهم لدفع بدلات الايجار والتي لا تقل عن 200 دولار شهريا، لكن سرعان ما نفدت اموالهم بسبب المصاريف المختلفة. تدهور الوضع بشكل خاص عام 2015، ووصلنا الى مرحلة بات فيها اليوم 73 في المئة من اللاجئين يعيشون تحت خط الفقر باقل من 4 دولارات يوميا، ونصفهم يعيشون تحت عتبة الفقر المدقع. وسط هذه الظروف، يصل المعدل الوسطي لديون 93 في المئة من اللاجئين الى 1100 دولار للعائلة الواحدة، اضافة الى ان لديهم اولويات دفع مصاريف الايجار والدواء والطعام الخ… تفاقم الوضع في ظل الازمة الاقتصادية الموجودة حاليا وخصوصا بسبب انخفاض القيمة الشرائية للعملة لان من يعملون لا يقبضون ما هو كاف لدفع ايجاراتهم، ولا تتعدى نسبة من ينالون مساعدات 20 في المئة من اللاجئين.
* ما هو العدد التقريبي للنازحين في لبنان بحسب احصاءاتكم؟
– وفق المسجلين في المفوضية يبلغ العدد الحالي 916 الف لاجئ. انخفض هذا العدد اذ بلغ مليون و200 الف منذ 4 اعوام، وذلك بسبب سفر البعض الى اوروبا والوفيات وعودة البعض.
* لكن ثمة اشخاص كثر غير مسجلين؟
– نعم، ان الحكومة اللبنانية تقدر العدد بمليون ونصف مليون لاجئ. وبما ان عدد المسجلين انخفض 300 الف، فمن الطبيعي ان يحدث خفض ايضا في عدد غير المسجلين. لا يمكننا معرفة العدد الدقيق بسبب عدم تسجيل هؤلاء، لكن من المحتمل ان يراوح العدد بين مليون و200 الف ومليون و300 الف لاجئ.
* انعقد في جنيف منتصف كانون الاول الفائت المنتدى العالمي للاجئين بمشاركة لبنان، ما هي اهمية هذا المنتدى؟
– هو منتدى فريد بالنسبة الينا. انه الاجتماع العالمي الاضخم حول وضع اللاجئين، وقد خصص للتضامن مع البلدان المضيفة. تضاعف عدد اللاجئين في العالم بشكل ملموس في العقود الاخيرة، وكذلك عدد الاشخاص الذين نزحوا من بلدانهم ليس بالضرورة الى الخارج ولكن ايضا في داخلها. لذا، وجب التفكير بشكل مختلف وتغيير الاوضاع بالتضامن مع البلدان المضيفة التي لا تستطيع ادارة هذه الاوضاع بمفردها. لا يمكن لبلد ان يدير وحده وضعا مماثلا، لان اللجوء هو مسؤولية دولية وعلى الجميع المشاركة في الاستجابة لها.
* غالبا ما اثارت منتديات مماثلة ومنها الميثاق العالمي في شأن اللاجئين مسألة ادماج النازحين في المجتمعات المضيفة ما يسبب جدلا حصل في لبنان، فهل من احتمال لدمج النازحين في بلد النزوح الثاني كما لبنان، وهو ما يؤدي الى مشاكل اجتماعية وديموغرافية وطائفية؟
– ان الجدال في هذا الخصوص لم ينشأ عند اقرار وثيقة اللجوء العالمية، بل بسبب تقرير صدر منذ اعوام من الجمعية العامة للامم المتحدة، والذي تحدث عن بلدان ودول قد تجد حلولا للاجئين في هذا السياق. لبنان شارك بشكل وثيق في صوغ نصوص الميثاق العالمي في شأن اللاجئين والذي يشرح بوضوح ان الادماج المحلي يحصل في بعض البلدان بحسب قدرة استيعابها. وقد كان لبنان واضحا بانه بلد صغير وليس في استطاعته ادماج مليون لاجئ، ففهم العالم هذا الموضوع ولا يوجد تاليا اي نقاش حوله.
* هل من خطة لاعادة النازحين تعدها المفوضية؟
– بالتأكيد. نحن نعمل على اعادة اللاجئين منذ العام 2011، لاننا ندرك انه الحل الاساسي، وهذا ما يطلبه اللاجئون انفسهم. ان اكثر من 80 في المئة من اللاجئين يخبروننا انهم يرغبون في العودة. ينصب عملنا على العمل مع جميع بلدان المنطقة الاصلية او بلدان الجوار والدول المانحة من اجل جعل هذه العودة ممكنة لاكبر عدد من اللاجئين. تحصل حاليا عودة للاجئين منذ قرابة الاعوام الثلاثة وذلك للاشخاص الذين يعتبرون ان العودة قد حانت، وينصب عملنا على مساعدة هؤلاء بتوفير وثائقهم لهم ولاولادهم، وان تكون في حوزتهم الادوية اللازمة وخصوصا للامراض المزمنة. نحن نحاول زيارتهم للاطلاع على اوضاعهم بعد العودة، وهذا امر تعوّقه محدودية الوصول الى بعض مناطق العودة، لكننا نفعل ما في وسعنا. نعمل على زيادة اعداد العائدين كلما شعر الناس بالثقة في امكانات العودة، وفي النهاية سيعود الناس الى بلدهم وهذا امر طبيعي. تشير الاحصاءات الى انه غالبا ما يعود ثلاثة ارباع اللاجئين الى بلدانهم. اما بالنسبة الى من لا يستطيعون العودة اطلاقا وخصوصا الذين عانوا من صدمات نفسية عنيفة، فهؤلاء يتم توطينهم في بلدان ثالثة.
* ما هي نسب اعادة التوطين في بلدان ثالثة؟
– يتمثل هدفنا بالوصول الى نسبة 10 في المئة، لكننا ما زلنا بعيدين من هذه النسبة ولا تتعدى نسبة من اعيد توطينهم من لبنان 8 الاف سنويا. قامت كندا بحركة رائعة في هذا الخصوص منذ اعوام حين استقبلت قرابة 20 الف شخص، ونأمل في ان تحذو بقية البلدان حذوها. بعض حالات توجهت الى اوستراليا واخرى الى الدول الاوروبية كفرنسا والسويد وبريطانيا. تعتذر بعض البلدان عن الاستضافة بسبب افتقارها الى المال فتقدم منحا. بالنسبة الى البلدان العربية، استضافت الامارات العربية المتحدة قرابة 15 الف شخص من المنطقة منذ عامين، وكان الامر مهما وسررنا به ونتمنى ان يستمر. نطلب من البلدان التي لا تتمتع بالامكانات ان تقدم منحا تعليمية مثلا على مدى 4 او 5 اعوام، ما يجعل الناس في امان الى حين عودتهم. يركز الميثاق العالمي في شأن اللاجئين على مسؤولية استجابة المجتمع برمته.
* بعد اندلاع الاحتجاجات في لبنان هل لاحظتم كمفوضية عودة كثيفة للنازحين الى سوريا؟ وماذا عن تعاونكم مع الامن العام اللبناني في ما يخص العودة الطوعية؟
– في ما يخص الازمة الاقتصادية التي تردت منذ اعوام وتدهورت منذ قرابة الشهرين. فهي تؤثر بالطبع على اللاجئين وهم فئة هشة، كما تؤثر في الوقت عينه على اللبنانيين. كأمم متحدة نحاول توفير الشعور بالامان للاكثر هشاشة سواء كانوا لبنانيين او لاجئين. لا توجد عودة كثيفة، لكن من عادوا تكون دوافعهم اقتصادية. قبل عامين كانت الدوافع لم شمل العائلات، او اسباب مرضية. لكن منذ قرابة العام ونصف عام تغيرت العوامل لتنصب على العجز المالي والاقتصادي والصعوبات المعيشية. نحن تعاونا في الفترة الاخيرة مع الامن العام في عودة لاجئين، وكان الوضع الاقتصادي هو السبب الرئيسي للعودة. نحن نعمل يوميا مع الامن العام في ميادين عدة، حيث تضعنا المديرية العامة للامن العام في كل اجواء العودة التي تحصل، ونحن سنكون حاضرين في كل عمليات العودة التي يسبقها عمل مشترك للتأكد من ان العائدين مزودون وثائقهم.
* ثمة نسبة بطالة عالية جدا في لبنان ويعتبر بعض اللبنانيين ان السبب يعود الى منافسة النازحين، هل من بيانات لديكم في هذا الخصوص؟
– المقارنة صعبة بسبب عدم وجود معطيات وافية عن البطالة في لبنان علما ان الاحصاءات قليلة. يسمح للاجئين العمل في 3 قطاعات هي الزراعة والبناء واعمال التنظيفات المتعلقة بالبيئة واعادة التدوير. ثمة منافسة على صعيد الاعمال الموصوفة بسبب عدم تطلبها لمهارات عالية. اما في الاعمال المحترفة، فمن يرغب في مزاولتها يحتاج الى اجازة عمل. تظهر احصاءاتنا ان القوة العاملة بين اللاجئين تصل الى 330 الف شخص، هؤلاء اما يعملون او يبحثون عن عمل. من بين هؤلاء هناك نسبة 47 في المئة من الرجال العاملين، اي قرابة 50 الف شخص ومن بين هؤلاء من يعمل اقله ساعة اسبوعيا فيما لا تتعدى نسبة النساء الـ6 في المئة، اما الاخرون فلا يعملون. وتظهر الاحصاءات ان من يعملون لا تتعدى ايام عملهم الفعلي الـ14 يوما شهريا. بالتالي، ثمة منافسة بين الشباب في المهن التي لا تتطلب مهارات، خصوصا وان اعداد اللبنانيين الذين يرغبون في العمل في الزراعة والبناء تتزايد، وبالتالي الامر صعب بالنسبة الى الجميع. لكن في المجمل، ان عدد الناس الذين يعملون براتب ثابت لمدة شهر هو ضئيل جدا.
* يحكى عن امكان وجود نقص في الادوية، هل من خطة باء لديكم؟
– يوجد اليوم نقص في بعض الادوية، ونحن نتعاون مع منظمة الصحة العالمية من اجل سد هذا النقص. سوف نشتري كمية من الادوية الضرورية لحالات الطوارئ للبنانيين وللسوريين على حد سواء وهي سوف تسعفنا لغاية اب المقبل حيث سنتلقى هبة جديدة من الاتحاد الاوروبي من اجل تمويل كل المستوصفات على جميع الاراضي اللبنانية. هذه المساعدات الطبية المجانية مخصصة بجزء الثلثين منها للبنانيين والثلث الاخر للاجئين.
* هل سيؤثر تفاقم الفقر في المجتمع اللبناني على الاستقرار والعلاقة السلمية بين اللبنانيين والسوريين؟
– من المؤكد ان الجميع متأثر بهذه الازمة المرشحة للاتساع، اذ ثمة قلق بين اللاجئين وبين اللبنانيين على حد سواء. حصلت بعض التوترات في الماضي وهي قابلة لان تتكرر، لذا نحرص على مساعدة المجتمعات المضيفة واللاجئين على حد سواء في كل خطط الاستجابة.
* ما هو وضع التمويل في المفوضية للنازحين وماذا عن الدول المانحة؟
– هذه الازمة تستمر منذ 9 اعوام لغاية اليوم. وعلى الرغم من اننا لم نتلق كل الاموال اللازمة لمساعدة الاشخاص المعوزين، فان الاستجابة التمويلية للازمة السورية هي من الافضل مقارنة بالازمات الاخرى، ولم يتم خفض المساعدات، علما اننا نحاول في المفوضية تثبيت مساعداتنا. في الاعوام الاخيرة وتحديدا منذ عام 2013، تم صرف 7 مليارات دولار خصصت للمساعدات الانسانية والتنمية في لبنان. منذ العام 2015 تم صرف 5 مليارات دولار، بمعدل وسطي يقارب 1,1 مليار دولار سنويا.
*نشرت هذه المقابلة في العدد 76 من مجلة “الأمن العام” في عددها الصادر في كانون الثاني 2020.