“مصدر دبلوماسي”: مارلين خليفة:
كشف الرئيس التنفيذي السابق لتحالف شركتي “رينو” و”نيسان” للسيارات كارلوس غصن للمرة الأولى منذ مجيئه الغامض الى لبنان قبل 10 ايام عن الأسباب التي دفعته للفرار من مقر اقامته الجبرية في طوكيو قبل يوم من بدء السنة الجديدة. وظهر غصن للمرة الأولى أمام مئات عدسات التصوير لوسائل إعلام أجنبية ويابانية رائدة حضرت كلها الى لبنان لتستكشف طبيعة ما حصل لرجل الأعمال اللبناني البرازيلي والفرنسي كارلوس غصن الذي تعرض للملاحقة القانونية في اليابان منذ نهاية سنة 2018 وخرج من البلد الذي عمل فيه 17 عاما بطريقة غامضة رفض غصن الخوض في تفاصيلها كي لا يؤذي الأشخاص الذين ساعدوه.
في المؤتمر الصحافي الذي حضره في داخل القاعة الكبرى في مقر نقابة الصحافة اللبنانية في الروشة أكثر من 250 صحافيا في حين كان العدد أضعافا في الخارج، حضر كثر من الصحافيين الفرنسيين والأميركيين والبرازيليين (هؤلاء يعتبرون غصن مواطنا برازيليا قضيته تهم الرأي العام البرازيلي) واليابانيين بطبيعة الحال، و لم يسمح غصن الذي التف حوله محاموه الفرنسيون واللبنانيون وفي مقدمهم ممثله في لبنان المحامي كارلوس أبو جودة، لم يسمح بمشاركة أكثر من 4 وسائل اعلام يابانية هي تلفزيون طوكيو، صحيفة آساهي، وموقعين الكترونيين، وهو عزا ذلك الى التحيز الواضح لبقية وسائل الإعلام اليابانية للمدعي العام الياباني الذي اتهمه غصن بالتواطؤ ضده مع شركة “نيسان” التي حاكت ضده مؤامرة ستتكشف فصولها في الأسابيع المقبلة. وتعهّد غصن الذي رافقته زوجته كارول نحاس الذي ذكر اسمها عشرات المرات، بأن يقوم “بتنظيف” اسمه في معركة جديدة يخوضها من بلده لبنان الذي جاء اليه ليس هربا من العدالة بل طلبا للعدالة بعد أن تكشف له أنه لن يخضع لمحاكمة عادلة في اليابان، وبعد أن حرم من رؤية زوجته لأكثر من عام ونصف العام. ورفض غصن التشكيك بالقضاء اللبناني قائلا أن القضاء الوحيد الذي يشك فيه موجود في بلد معين (في إشارة ضمنية الى اليابان).
الاعتذار عن زيارة إسرائيل عام 2008
رفض غصن الذي تزود بوثائق قال أن الصحافيين يمكنهم الإطلاع عليها تفصيليا من خلال محاميه، رفض اتهامه بأنه لا يحب الشعب الياباني قائلا ان اليابان كانت لتكون البلد الأمثل ليمضي فيه بقية حياته لو توافرت له محاكمة عادلة، ورفض تهمة الجشع قائلا أنه رفض عرضا مغريا منذ أعوام ليكون مديرا لشركة سيارات أميركية وربما يشعر اليوم أنه أخطأ لكنه يتحمل عواقب قراراته.
وردا على سؤال عن زيارته لإسرائيل عام 2008، قال غصن أنه زارها مرة حين كان رئيسا لمجلس إدارة شركة “رينو” بتكليف من مجلس الإدارة لبيع سيارات كهربائية وكفرنسي وليس كلبناني. وأعيد سؤاله عما إذا كان مستعدا للاعتذار من الشعب اللبناني على هذه الزيارة؟ فقال نعم، بالتأكيد أعتذر فأنا لا أريد أن أقوم باي شيء يسيء الى الشعب اللبناني.
وكرر غصن مرارا أنه يجب الشعب الياباني، قائلا بأن اليابانيين البسطاء والناس العاديين يقدرونه ويعرفون ما قدم لبلدهم، وهم يحبونه أيضا، لأنهم بعيدين عن مؤامرات الشركات والمدعي العام. ورفض غصن توجيه أي تهمة للسلطات الرسمية اليابانية مستبعدا اياها عن اية شبهة. وحمل في إجابات عدة عن رأيه بالتعاطي الفرنسي مع ملفه كونه يحمل الجنسية الفرنسية عتبا خفيا، وسئل إن كان يشعر بالظلم أو بالعتب فسأل: ماذا كنت لتفعل لو كنت مكاني؟ وسئل ماذا تطلب من الحكومة الفرنسية فقال:” لا أطلب شيئا، لكنني مواطن فرنسي، لا أريد أن أكون متقدما على أحد لكنني في الوقت عينه لا أريد أن اكون في صف متدن عن مواطنين آخرين. ونفى نفيا قاطعا أن يكون اتهم الرئيس الفرنسي أيمانويل ماكرون بالتقصير بعد أن تسلم شركة “رينو” التي كان ماكرون مديرا لها.
اتهامات للمدعي العام الياباني
الى ذلك، لم يوفر غصن المدعي العام الياباني فقال بأن الأخير تواطأ مع شركة “نيسان” ضده لاسباب فنّدها تتعلق بأداء الشركة في الأعوام الأخيرة، ومحاولة غصن إقامة شراكة بينها وبين “رينو”، كاشفا أن شركة نيسان “خسرت 40 مليون دولار يومياً” منذ توقيفه عام 2018. وتابع أن قيمة شركة رينو “في البورصة خسرت اكثر من خمسة بليارات يورو، اي أكثر من عشرين مليون يورو يوميا”.
مشيرا الى أن صناعة السيارات تشهد ارتفاعا في حركة الأسواق بنسبة 12 في المئة، و”الشركتان الوحيدتان اللتان تراجعتا هما رينو ونيسان”.
وبالفعل، خسرت شركة “رينو” حوالى 34 في المئة من قيمة أسهمها منذ توقيف غصن، وشركة نيسان حوالى 38 في المئة في الأسواق بحسب ما نقلت وسائل اعلام فرنسية.
أفتخر بكوني لبنانيا
وأكد غصن أن لبنان هو البلد الوحيد الذي وقف الى جانبه وهو يفتخر كونه لبنانيا، وروى: “اليوم يذكّرني بالعام الماضي عندما تواجدت أمام المدعين العامين والقضاة في طوكيو، وكنت واقفا مكبّلًا، وحول خصري حزام كان يُستخدَم من قبل رجال الشرطة لاقتيادي من زنزانتي حيث وكنت في سجن انفرادي”، لافتا ان “التواصل الوحيد مع أسرتي كان من خلال رسائل توجّه إليّ ويرينا إيّاها محاميّي من خلال الزجاج”. وكشف “أنّني كنت أخضع لاستجواب لمدّة 8 ساعات متتالية ليلا أو نهارا من دون أي حضور لمحام وكان ذلك انتهاكًا لحريّتي الشخصيّة”.
ولفت غصن إلى “أنّني لست هنا لأصوّر نفسي كضحيّة، بل لأبيّض سمعتي ولأقول لكم لماذا غادرت، واليوم يمكنني أن أقدّم وقائع ومعلومات ستمكّنكم من اكتشاف الحقيقة. أنا هنا لأتحدّث عن نظام ينتهك أبسط حقوق الإنسان وعن أمور شبيهة بالهرطقة بالنظام القضائي الياباني”، مركّزًا على “أنّني عندما تقدّمت بطلب الكفالة للمرّة الأولى، كنت في سجن انفرادي يتعارض مع القوانين الدوليّة والعدالة المصانة في شرعة حقوق الإنسان وتمّ تجريدي من حقوقي. هذه المرّة الأولى منذ أن بدأ هذا الكابوس الّتي أتمكّن فيها من التكلّم بحريّة”.
وشدّد على “أنّني اعتُبرت مذنبًا في عيون العالم، على الرغم من أنّ المعلومات لم تكن دقيقة، واكتشَفت أن توقيفي في الأشهر الأخيرة كان نتيجة خطّة وضعها المديرون في شركة “نيسان”، جازمًا “أنّني لست فوق القانون وأتطلّع قدمًا إلى بروز الحقيقة. لم أهرب من وجه العدالة، بل من اللاعدالة والاضطهاد السياسي. عانيت من 400 يوم من غياب العدالة”. وأكّد أنّ “الإتهامات الموجهة إليّ باطلة، وقرار الرحيل من اليابان كان الأصعب في حياتي”.
وقال غصن بأن “هاري نادي” و”سايكاوا” و”آلوما” هم أعضاء مجلس الإدارة المتورّطين، و”تويودا” المدقّق في الشركة كان الرابط بين مجلس “نيسان” والمخطّط، ويمكنني أن أعطي أسماء الأعضاء الحكوميّين المشاركين بالخطة لكنّني لن أفعل لأنّني أحترم وجودي في لبنان، فأنا لن أعلن أي شيء يؤذي المصالح اللبنانية- اليابانية”. وكشف أنّ “عمليّة توقيفي كانت مُنظّمة، وقيل للعالم إنّني أوقفت داخل الطائرة ولكن الصحيح أنّه تمّ توقيفي في المطار عندما وصلت إلى ختم الجوازات، حيث أخذوني إلى غرفة جانبية وقال لي المدعي العام أنت رهن الاعتقال وحُرمت من استعمال هاتفي الجوال؛ وبعدها تمّ اقتيادي إلى مركز الاحتجاز في حبس انفرادي صغير”.
وأفاد بـ”أنّني لم أتنبه إلى المخطّط ضدّي، وكانت طريقة الاعتقال مسرحيّة”، مركّزًا على أنّ “المؤامرة والتواطؤ بين “نيسان” والمدعي العام الياباني واضحان بشكل ملفت”، مشيرًا إلى أنّه “حصلت اجتماعات كثيرة بين المدّعين العامين والمديرين، وقال لي المدعي العام إنّه سيتمّ توقيفك لأنّك لا تصرّح بدقّة عن راتبك. شعرت بوهل المفاجأة، وسألت عن أيّ راتب وأي تعويضات؟ فقالوا لي إنّ التعويضات الّتي تمّ تُسلّم إليك بعد؛ أي أنّه تمّ توقيفي بسبب تعويض لم يسدّد لي بعد”.
إلى ذلك، أعلن غصن “أنّني احتُجزت داخل سجن انفرادي مغلق ولم يكن يحقّ لي الخروج إلّا لمدّة 30 دقيقة في اليوم، ما عدا عطلة نهاية الأسبوع. وكان يحقّ لي الاستحمام مرتين في الأسبوع والتحقيق معي يتمّ لمدّة 8 ساعات يوميًّا من دون وجود محام؛ وفرضية الذنب هي الّتي كانت سائدة وقد حرصوا على الحصول على الاعتراف ولم يكن يهمّهم الكشف عن الحقيقة”. وركّز على “أنّني أمضيت 9 أشهر بعيدًا عن زوجتي من دون سبب، وزوجتي كانت شجاعة جدًّا وجردوها من كلّ شيء، ورغم ذلك تمكّنت من الخروج من اليابان. وبعد أن اتّهموها أنّها خائفة لأنّها مذنبة، عادت وأدلت بشهادتها من ثمّ رحلت من جديد”.
وبيّنّ أنّ “بعد 9 أشهر أصبح يحقّ لي التحدث إلى زوجتي لمدة ساعتين بحضور محامٍ، وأجبر على كتابة تقرير بالحديث والمدعي العام كانت يدير الدفة”، لافتًا إلى “أنّني غادرت اليابان ولا زلت لم أحصل على تاريخ محاكمة بالتهمة الأولى، وعندما سألت المحامي عن المدّة الّتي سنبقى فيها على هذا الحال، قال: 5 سنوات”. وذكر أنّ “تمّ إصدار مذكرة توقيف بحقّ زوجتي بسبب إعلان وضعته قبل 9 أشهر”.وشدّد على “أنّني كنت رهينة دولة خدمتها لمدّة 17 سنة، وأعدت إحياء شركة لم يكن من الممكن إعادة إحيائها، وكُتبت عنّي كتب في اليابان وبعد كل ذلك تمّ اعتقالي خلال دقائق واعتبرت ديكتاتورًا”.
المدعي العام الياباني يندد
وفور انتهاء المؤتمر الصحافي ندد الادعاء العام في طوكيو بتصريحات رجل الاعمال اللبناني البرازيلي الفرنسي متهما اياه “بانتقاد المنظومة القضائية اليابانية بشكل منحاز وغير مقبول”.وفي بيان أفاد مكتب الادعاء العام في طوكيو ان “اتهام الرئيس السابق لتحالف رينو-نيسان ميتسوبيشي له بالتواطؤ مع مجموعة “نيسان” التي كان يتراس مجلس ادارتها هو ادعاء كاذب بشكل قاطع ومناف للحقيقة”.