ذي” تيليغراف:” “مقتل سليماني هو أحد اكبر التطورات في الشرق الأوسط منذ عقود، وهو يغطي بأشواط على مقتل بن لادن والبغدادي من حيث المعنى الاستراتيجي والتداعيات التي ستترتب عنه”.
مصدر دبلوماسي: مارلين خليفة:
إغتالت الولايات المتحدة الأميركية قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني العقل العسكري المهندس لإيران في منطقة الشرق الأوسط من العراق واليمن الى فلسطين المحتلة وسوريا ولبنان، وذلك في غارة استهدفت موكبا كان يقله مع القيادي في قوات الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس وقياديين آخرين قرب مطار بغداد الدولي، وكان سليماني بحسب معلومات آتيا الى العراق من سوريا وليس من لبنان كما تداولت بعض المواقع.
وفور اعلان الخبر فجر الجمعة سادت حالة من الصدمة والوجوم في عواصم مختلفة تمتد من تلك التي تتحالف مع طهران وصولا الى من تناصبها العداء، ولم توفّر حال الصدمة الولايات المتحدة الأميركية التي اعتبر أكثر من مسؤول فيها بأن القرار الذي اتخذه شخصيا الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو متهور وسيؤدي الى سفك دماء أميركية وأنه بمثابة اعلان حرب.
وفي تقرير لها وصفت صحيفة “ذي تليغراف” البريطانية بأن “مقتل سليماني هو أحد اكبر التطورات في الشرق الأوسط منذ عقود، وهو يغطي بأشواط على مقتل بن لادن والبغدادي من حيث المعنى الاستراتيجي والتداعيات التي ستترتب عنه”.
من جهتها، دعت وزارة الخارجية الأميركية جميع الأميركيين الى مغادرة العراق فورا بأسرع وسيلة ممكنة، وكذلك بلدانا أخرى من دون أن تحددها، وتم تشديد الطوق الأمني حول السفارة الأميركية في بغداد التي شهدت حصارا غير مسبوق من قبل قوات الحشد الشعبي يوم الثلاثاء الماضي واحتجز فيها الدبلوماسيون الأميركيون على إثر غارات شنتها الولايات المتحدة الأميركية على الحدود السورية العراقية قتل نتيجتها 25 شخصا من قوات الحشد الشعبي وذلك عقب مقتل مواطن أميركي في 27 كانون الاول يعمل في منشآت النفط في كركوك إثر غارات للحشد الشعبي.
وأكدت وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” في بيان أن “الجيش الأميركي اتخذ قرارا دفاعيا حاسما بقتل قاسم سليماني بتوجيه من الرئيس لحماية الأفراد ألأميركيين في الخارج”. وأشار مسؤول أميركي (…) الى أن وزارة الدفاع الأميركية تدرك أن ايران من الممكن أن ترد وأن مسؤولي الجيش الأميركي مستعدون للدفاع عن أنفسهم”.
لبنان: تعازي وغضب في السفارة الايرانية
يعتبر لبنان أحد البلدان الرئيسية التي كان لسليماني فيها سلطة قوية عبر “حزب الله”، ويتردد أنه زار لبنان كثيرا، وهو من أحد العقول التي قادت حرب تموز 2006 الى جانب القائد العسكري عماد مغنية الذي اغتيل في سوريا، وكذلك أسهم الجنرال سليماني في تحريك وحدات “حزب الله” في الحرب السورية، وكذلك كان مهندس المقاومة ضد داعش من سوريا الى العراق، وله بصماته في حرب اليمن. وهو بحسب أكثر من وسيلة اعلام اميركية “مهندس طموحات ايران الاقليمية من سوريا ولبنان واليمن والعراق”. وترك مقتل سليماني حالة من الوجوم لدى محور المقاومة، وفتحت السفارة الإيرانية في لبنان أبوابها لتقبل التعازي حيث تقاطرت وفود شعبية وشخصيات سياسية ودبلوماسية ودينية سجلت كلمات العزاء في سجلات خاصة. وساد مناخ من الغضب المشوب برغبة كبيرة بالإقتصاص من منفذي هذا الاغتيال، وترددت بين الحضور عبارة واحدة “عسى ان يكون الردّ سريعا”.
مواطنة ايرانية: سليماني كان بمثابة وطن
وفي ركن التعازي للنساء في صفارة ايران في بئر حسن، تحدث موقع “مصدر دبلوماسي” الى سيدة لبنانية متشحة بالسواد وعينيها مغرورقتان بالدموع، قالت لنا:” أنا زوجة الشهيد مصطفة بدر الدين…نعم تعرفت الى الشهيد سليماني شخصيا كان انسانا متواضعا وقريبا من الناس وبسيطا يتمنى الشهادة ولا يخاف من الموت”.
من جهتها، تصف سيدة إيرانية الجنرال سليماني قائلة :” بنظر الإيرانيين هو وطن”، تضيف:” لقد ساعد الناس في إيران وفي مناطق عدّة على الشعور بالأمان وخصوصا حين اندلعت الحرب العراقية الإيرانية الأولى، ثم جاء الى لبنان وحارب “داعش” في سوريا والعراق وهو بطل المنطقة برمتها وليس ايران فحسب”. وتشير السيدة الى “أن الإيرانيين ينظرون الى الشهيد سليماني على أنه يشبه الأب الحنون لأنه أشعر جميع الإيرانيين بالأمان”. وتختم السيدة:” إنها صدمة كبرى، لكننا سنكمل دربه بالتأكيد”.
موقف لبنان الرسمي
واصدرت وزارة الخارجية والمغتربين في لبنان بيانا جاء فيه:
“تنظر وزارة الخارجية والمغتربين بقلق إلى ما حصل في بغداد فجر اليوم، وتدين عملية الاغتيال التي ذهب ضحيتها اللواء قاسم سليماني والحاج أبو مهدي ورفاقهما، وتعتبرها انتهاكا لسيادة العراق و تصعيدا خطيرا ضد إيران من شأنه زيادة التوتر في المنطقة.
وتؤكد وزارة الخارجية أن لبنان يشجع دوماً على تغليب منطق الحوار وضبط النفس والحكمة لحل المشاكل بدلاً من استعمال القوة والعنف في العلاقات الإقليمية والدولية كما تدعو إلى تجنيب المنطقة تداعيات الاغتيال وإبعاد لبنان عن انعكاسات هذا الحادث الخطير لانه أحوج ما يكون إلى الاستقرار الأمني والسياسي لتأمين خروجه من الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة.
و تتقدم الخارجية لبنانية بالتعزية من الجمهورية الإسلامية في إيران ومن الجمهورية العراقية”.
بيان أمين عام حزب الله
وأصدر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بينان نعى فيه سليماني علما بأن “حزب الله” ينظم حفل تأبين يوم الأحد المقبل في مجمع سيد الشهداء في الضاحية الجنوبية لبيروت يتحدث فيه نصر الله الساعة الثانية والنصف بعد الظهر.
وجاء في البيان: قال تعالى: (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)
صدق الله العلي العظيم
أمّا وقد وصل الأخ الحبيب والقائد العظيم الحاج قاسم سليماني إلى غاية آماله وتحققت له أغلى أمنياته ونال وسام الشهادة الرفيع ليكون بحق سيد شهداء محور المقاومة، فإنني أتقدم من مولانا وإمامنا صاحب الزمان عجّل الله تعالى فرجه ومن سماحة الامام القائد آية الله العظمى السيد الخامنئي دام ظله ومن مراجعنا العظام ومن الإخوة الأعزاء مسؤولي الجمهورية الاسلامية في إيران لا سيما قيادة حرس الثورة الاسلامية ومن الشعب الايراني الكبير والمقاوم وبالخصوص من عائلة الحاج قاسم الشريفة والمجاهدة فرداً فرداً بأسمى آيات التبريك بالشهادة وأسمى آيات العزاء بفقد هذا القائد الشجاع والمقدام والنموذج والقدوة والأب الحنون لكل المقاومين والمجاهدين في منطقتنا.
هنيئا له الشهادة، أنا أغبطه على هذه الشهادة العظيمة وعلى هذه العاقبة الحسنة في مدرسة الحسين وزينب عليهما السلام.
هكذا نرى المشهد والموقف، أما نحن الذين بقينا بعده، فسنكمل طريقه وسنعمل في الليل والنهار لنحقق أهدافه، وسنحمل رايته في كل الساحات والميادين والجبهات، وستتعاظم انتصارات محور المقاومة ببركة دمائه الزكية كما كبرت بحضوره الدائم وجهاده الدؤوب، كما أن القصاص العادل من قتلته المجرمين الذين هم أسوأ أشرار هذا العالم سيكون مسؤولية وأمانة وفعل كل المقاومين والمجاهدين على امتداد العالم.
القتلة الاميركيون لن يستطيعوا إن شاء الله أن يحققوا اياً من أهدافهم بجريمتهم الكبيرة هذه، بل ستتحقق كل أهداف الحاج قاسم بفعل عظمة روحه ودمه وعلى أيدي اخوانه وأبنائه وتلامذته المقاومين والمجاهدين من كل شعوب أمتنا التي ترفض الذل والخضوع للمستكبرين والمستبدين.
المجد والعزة والرفعة وعلو الدرجات للقائد العظيم الشهيد الحاج قاسم سليماني رضوان الله تعالى عليه ولجميع المجاهدين الأعزاء الذين استشهدوا معه لا سيما الأخ القائد الكبير الشهيد أبو مهدي المهندس رضوان الله عليهم جميعا”.
موقع سليماني في المعادلة الاقليمية
وكتبت صحيفة “الأخبار اللبنانية في عددها صباح اليوم الجمعة بأن سليماني” هو الجنرال الايراني الأشهر، شريك عماد مغنية في الدفاع عن لبنان في حرب تموز 2006، والداعم الأول للمقاومة العراقية ضد الاحتلال الأميركي البريطاني للعراق، ومهندس خطوط الدفاع عن دمشق، والشريك الميداني للرئيس السوري بشار الأسد في المعارك السورية الكبرى _كمعركة استعادة حلب، على سبيل المثال لا الحصر)، والرجل الذي فاوض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإقناعه بالتدخل في سوريا، وشريك مدير الاستخبارات التركية حقان فيدان في تسويات الشمال السوري وغيرها، وصلة الوصل الأولى بين ايران وفصائل المقاومة الفلسطينية”” أضاف مقال الأخيار:” في عهده تحولت قوة القدس في الحرس الثوري الى قوة عسكرية اقليمية عظمة، تعمل كقوة اسناد حربي و”لوجستي” في المناطق الممتدة من اليمن جنوبا، الى ما بعد العراق شمالا، مرورا بلبنان وسوريا وفلسطين، وخصوصا في قطاع غزة حيث له نصيب كبير في تطوير قدرات المقاومة. في سوريا والعراق، تلاحقه اسرائيل ملاحقة استعلامية حثيثة وعملياتية لمنعه من نقل اسلحة كاسرة للتوازن الشعبي عند الحدود العراقية السورية، قرب مدينة القائم، وما أدى الى استشهاد اكثر من 25 مقاتلا، وجرح العشرات. لم يكن ذلك ردا على استهداف موضعي لقاعدة عسكرية اميركية في بغداد، بل سعيا من قوات الاحتلال الى تثبيت قواعد سياسية جديدة عنوانها الفصل بين سوريا والعراق وتحجيم الحشد وباقي قوى محور المقاومة في بلاد الرافدين”.