“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
يعتبر الجنرال قاسم سليماني رجل إيران الثاني بعد المرشد الأعلى في الجمهورية الإسلامية الايرانية وهو مسؤول عن تحقيق طموحاتها خارج الأراضي الإيرانية، وقد اضطلع سليماني في الأعوام الأخيرة بدور محوري في نشر التأثير الايراني في الإقليم وخصوصا في في سوريا والعراق ولبنان وفلسطين المحتلة، وهو يمسك بين يديه كل خيوط الشبكات الأمنية والعسكرية التي تدور في فلك طهران في الإقليم.
وبالتالي فإن القرار الذي اتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في اغتيال سليماني هو قرار اجتاز الخطوط الحمر للمواجهة بين الدولتين، ووضع شروطا جديدة للصراع الأميركي الإيراني خرج من طور شد الحبال الى الدخول في العراك المباشر.
إن هذا الإغتيال شكل فعليا ضربة موجعة لقائد يعتربه الايرانيون جزءا اساسيا من امنهم القومي، ويكنون له احتراما عميقا نظرا الى مواهبه التكتيكية والاستراتيجية في المنطقة ولسمعته الإنسانية ويرددون بأنه رجل متواضع جدا وأب لعائلة، لم يتوانى يوما عن الركوع لتقبيل قدمي والدته. وهذا يعني أن قرار ترامب يتعدى تصفية سليماني الجسدية الى محاولة اغتيال الامن القومي الايراني والكبرياء الايرانية.
لا يمكن القفز الى فرضية ان تكون عملية الاغتيال اعلان حرب في المعنى الدقيق لذلك في القانون الدولي، ولم تصل الأمور الى هذا المنحى بعد بحسب اكثر من رأي لمحللين غربيين، لكن مما لا شك فيه بأن الإيرانيين سيردون على هجوم شرس لم يشهدوا مثيلا له منذ اعوام، وقد كان بيان مجلس الأمن القومي الايراني اليوم الجمعة واضحا في هذا المجال إذ قال بأن الاغتيال هو خطأ استراتيجي للولايات المتحدة وهي لن تنجو بسهولة من عواقب هذا الحساب الخاطئ.
وبالتالي فإن تداعيات هذا الحدث لن تلبث إلا وتتظهر قريبا، ويرجح أكثر من محلل غربي أن تكون الردود متمثلة بهجومات ضد مصالح اميركية في اكثر من منطقة في العالم، من دون حذف احتمالات ردود في العراق أو لبنان وغزة، وكذلك تضييق على حركة سفن الشحن في مضيق هرمز أو توجيه ضربات لحلفاء للولايات المتحدة الأميركية في المنطقة.
إن العقل البارد للإيرانيين سيجعلهم يختارون اهدافهم بدقة وروية، فور انتهاءء مراسم دفن سليماني وهي يوم الأحد وما سيعقبها من مرحلة حداد وطني.
وتشير أوساط غربية الى أن “القواعد الأميركية في المنطقة وكذلك القوات الاميركية في الشرق الأوسط هي اهداف عتيدة، ومن الواضح ان الايرانيين سيردون بشكل غير كلاسيكي على اغتيال غير محسوب النتائج”.
إن القرار الذي اتخذه دونالد ترامب باغتيال سليماني كان قرارا متفردا لم يأخذ رأي الكونغرس الأميركي وهو حق مكتسب له دستوريا كونه قائدا للجيش الأميركي. هذا الأمر يدفع المحللين الى اعتبار أن هذا القرار الشخصاني لم يكن نتيجة استراتيجية مدروسة. فدونالد ترامب واقعيا لا يرغب بحرب في الشرق الأوسط ولا يريد حشر هذه المنطقة في ولايته الرئاسية، لذلك يعتمد سياسة المد والجزر، من هنا يستغرب المحللون في واشنطن هذا القرار ويستصعبون تبريره.
ويعتبر هؤلاء بأنه ستكون تداعيات أكيدة لهذه الضربة على الإنتخابات الرئاسية الأميركية في الخريف القادم، ولكن يصعب التكهن بها، في حين لن تشكل اية مواجهة حربية مع إيران عاملا ايجابيا لترامب في الإنتخابات الأميركية العتيدة، فهو تراجع في آخر لحظة كان يزمع فيها الرد عسكريا على ايران أثناء اسقاط الأخيرة لمسيرة اميركية في حزيران الماضي. اعتاد ترامب التصريح بطريقة حربية لكنه لا يذهب بعيدا، وبالتالي فإن عملية الاغتيال لسليماني غير مفهومة من المسؤولين الأميركيين ومن حلفائهم ومن الجنود الأميركيين الموجودين في المنطقة وقادتهم، فترامب وضع المنطقة على برميل بارود، وهو سينفجر بالرغم من العقل البارد الإيرانيين.