
الشفيع خضر سعيد أحد رموز الثورة السودانية
“مصدر دبلوماسي”: مارلين خليفة:
الربيع القادم من السودان الى لبنان” هو عنوان الندوة التي نظمها “معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية” في الجامعة الأميركية في بيروت، والتي استضافت أحد أهم محرّكي الثورة السودانية الشفيع خضر سعيد.
في مقدّمة لها طرحت الباحثة فاطمة الموسوي ما يحدث حاليا من موجة ثانية من الانتفاضات العربية فقالت: “اندلعت الإنتفاضة السودانية محدثة تغييرا جذريا في المشهد الداخلي السياسي والإقليمي، سقط نظام عمر البشير، صعدت المنظومة العسكرية، تنظم “المهنيون والمهنيات” في مشهد له بالغ الأثر في ترتيب الملامح الأساسية للسياسات الداخلية ولاستقطاب القوى الخارجية من أجل مراقبة حقيقة الوضع السوداني ولا مهرب من بدء الحديث عن موجة جديدة من الانتفاضات في العالم العربي استنادا الى التجربة السودانية التي بدأت في كانون الأول 2018، وصولا الى التجربة الجزائرية، والتجربة العراقية والآن في لبنان. فكيف تأثرت هذه البلاد في تجارب بعضها؟.
وبعد تعريف بالمحاضر من قبل المفكر اللبناني كريم مروة، سرد الشفيع خضر سعيد مراحل الثورة السودانية التي اندلعت بنسختها الثالثة عام 2018 وتوطدت عام 2019 وانتهت بسقوط عمر البشير وتشكل مجلس قيادي عسكري ومدني سوف يقود مرحلة انتقالية تمتد 3 أعوام ونصف العام.
3 نقاط رئيسية للإفادة من الثورة السودانية
قال الشفيع الذي كان مناضلا في الحزب الشيوعي السوداني على مدى 40 عاما قبل أن يتم فصله لخلافات داخلية بأنه توجد 3 نقاط رئيسية يمكن أن تشكّل مدخلا عاما للإفادة من التجربة السودانية.
*وحدة القيادة التي بقيت كذلك الى حين اتمام الإنتصار وهي قيادة جمعت المهنيين وبقية غائبة عن اي ظهور عام، فنحن ندرك بأننا نثور ضدّ نظام قمعي كان يفتش عن القيادة على اعتبار ان اغتيالها سيسقط الثورة. ظلت القيادة إذن وحدة متماسكة مع خسائر بسيطة، لكن جسم الثورة بقي موحدا.
*التحديد الدقيق للهدف، تمّ تجديد الهدف لاحقا. لكن الهدف ما قبل الإنتصار تمثل بإسقاط النظام والإنتقال الى مرحلة إنتقالية بمشاركة القوى السياسية.
*قرار تجمّع المهنيين باعتبارهم رأس الحربة بعدم المشاركة بأي منصب سواء تشريعي أو تنفيذي، بل المشاركة في التسميات فحسب، وهذا ما زاد ثقة الناس بهم وبدورهم القيادي. تجدر الإشارة الى أن هذه الثورة هي الثالثة: الأولى كانت عام 1964، الثانية عام 1985، والثالثة في 2018
التمسّك بالتعددية السياسية
وتابع الشفيع خضر سعيد بقوله: “في الثورة الثالثة التي تجلت عام 2019 استفدنا من الحركة السياسية السودانية نتيجة العمل الممنهج للنظام ضدها، ولذا شكلت مدرسة بمختلف اللغات والمناهج ولكل الأحزاب على تنوعها. أما الجوهر الأساسي فكان التمسّك بالتعددية السياسية. أود الإشارة الى أن المدرسة التي ربّتني، وهي الحزب الشيوعي السوداني كانت صائبة بالرغم مما حصل بعدها.
الهجوم على اعضاء جمعية فاقدي البصر!!!
ما ساد ابان حكم البشير كان سوداويا، وامتد طيلة 30 عاما يقول الشفيع:” إن احتكار المجتمع في كلّ شيء سبب لدى السلطة خشية من وجود مجموعات جماهيرية متناسقة غير النظام وتركيبته. من الأمثلة، أن جميعة فاقدي البصر نظمت نشاطا لأعضاء الجمعية، فتجمعوا وهم يضعون نظارات سوداء فتمّ الهجوم عليهم وضربهم بشدّة بسبب الخوف من أي تجمّع منظم حتى ولو كان غير سياسي. حصلت اعدامات كثيرة في السودان وتعذيب لنقابيين ولكوادر ولناشطين غير مسبوقة… مرفقة بدرجة عالية من الاستعلاء العرقي والديني وفساد “الكليبتو-كراسي”، على اعتبار أن البلد محكومة من قبل لصوص. عشنا ذلك 30 عاما، والمفارقة هي أن من أطاحوا بالنظام هم من عاشوا في ظلاله طيلة هذه الأعوام كلّها، إذ أراد الشباب حياة أفضل فقادوا العملية الثورية.
إن نتيجة هذا الحكم الطويلة أدت الى تفتيت البلاد و الى حرب أهلية وخروج السودانيين للمنافي، هربت أفضل الكوادر المؤهلة، وبعضها تمّ فصلها عمدا من الخدمة العامّة والعسكرية وحصل ذلك في كلّ المهن. قصد هؤلاء السودانيون ملاذات آمنة فاستفادت منهم الولايات المتحدة الأميركية وأوستراليا ودول عدّة.
نحن اليوم نريد استرجاع عدد منهم بسبب الإفتقار الى الكفاءات، ويتزامن ذلك مع انهيار الطبقة الوسطى الى حدّ التسوّل. كذلك حصل اغتراب تجاه الكيان السوداني، وحصلت ملامح انهيار الدولة _الإقتصاد، التفتّت بالسلطة، والمواجهة بالعنف).
في 30 كانون الثاني 2018، (هنا للتذكير ايضا) دعا تجمّع المهنيين الأحزاب الى لقاء فتوسّع التحالف وتحولت قيادة الثورة الى “تحالف الحرية والتغيير”، لكن تجمّع المهنيين هو من كان يقوم بتكتيكات التظاهرات 3 مرات أسبوعيا وذلك من يناير وحتى أبريل 2018، الى أن كانت التظاهرة الضخمة في الخرطوم حيث توجّه المتظاهرون الى ميدان ساحة الجيش السوداني وهتفوا قبالته: حرية سلامة عدالة…

السلطة تنقلب
يقول الشفيع:” نقطة جوهرية أود لفت النظر اليها والتي اعتمدناها في السودان. إذا أردتم “ربيع لبنان” يجب أن تبقى الثورة سلمية مع رفض مطلق للعنف.
خطط الشباب لأن يكونوا خطا أماميا أمام الشرطة، وشلّ الحركة بالطرق السلمية هو دائما أقوى من أيّ سلاح. في بداية نيسان، توجّه الناس الى الإعتصامات أمام القيادة العامّة للجيش السوداني. يومها، إنتقل قسم من القوّات المسلحة السودانية الى صفوف الشعب، (للتذكير أنه في ثورة عام 1985 استقال كبار الضباط). أما عام 2019، كان عسى أن تنحاز القيادة المسلحة الى الناس، وهي انحازت بالفعل ولكن على طريقتها. إستمرّ هذا الإعتصام قرابة الـ3 أشهر ثمّ تمّت إزاحة البشير، وتشكّل مجلس عسكري بقيادة نائب البشير، ورفض الناس هذا التغيير. حصل انقسام كبير، وتمّ طرد هؤلاء من المجلس. ووافق الشباب على مجلس جديد، مستمرين بالإعتصام لغاية اتخاذ القرار بتحويل النظام الى نظام مدني…وصار الشعار: مدنية…مدنية…مدنية…
مذبحة في صفوف المتظاهرين
بعد 3 تموز أي بعد شهرين قررّت السلطة الإنقلاب وفضّ الإعتصام بمذبحة كبرى مات فيها آلاف الشباب الصغار وألقي بعضهم حيّا في نهر النيل. في 29 حزيران، حصل حظر تجوّل، انتشرت الدبابات والميليشيات، لكنّ الإنقلاب لم يكن يعرف أين هي المقاومة. تمّ قطع الإنترنت على اعتباره إحدى الآليات الرئيسية في توحّد القوى.
فورا، قرّر تجمّع المهنيين استخدام آلية جديدة عبر الإتصال بالخارج لمساعدة المعتصمين.
تم اعتماد تكتيكات جديدة، راح الشباب يتناقلون التوجيهات للتحركات عبر أوراق صغيرة ومجموعات صغرى تتحرك سريا. في 30 حزيران، كانت الضربة الرئيسية لمحاولة الإنقلاب. لقد أجبر العسكر على التفاوض مع القيادة وتمّ التوصل الى تشكيل مجلس سيادة يضمّ 5 من العسكر، و6 مدنيين وتشكيل حكومة مدنية يختارها التجمع والتحالف والأحزاب وتم الإتفاق على تواريخ لمجلس تشريعي وكان انتصار جزئي. توقف الأمر هنا منعا لتحوّل الأمر الى مذابح في الشوارع، لا سيّما أنه توجد في السودان ميليشيات وكان لا بدّ من التعامل معها بحذر، بلا أن نرفع شعار مواجهتها، وعددها أكثر من 60 ألفا. فحصلت مساومة لفترة انتقالية هي 3 أعوام ونصف حتى اجراء الإنتخابات. و18 شهرا لتشكيل مجلس السيادة بين العسكر والمدنيين…
الخلفية السياسية ولا ثورة جياع
بدت الإحتجاجات –ودائما بحسب سرد الشفيع- مطلبية وكأنها بعيدة من السياسة لكنها اصطدمت فيها عاجلا. آلاف الناس لم يكونوا مسيسين لكنهم قالوا أن سبب الغلاء هو النظام السياسي الحاكم والمتحكم بالنظام الإقتصادي. لكنها لم تكن انتفاضة جياع ولا يمكن اختزالها بأهداف سياسية آنية فقط، بقدر ما هي ثورة جيل بأكمله من أجل تحطيم جدار الأفق المسدود الذي بناه النظام. وإذا انتهت الفترة الإنتقالية ولم تتحقق آمال الشباب ستكون موجة ثانية من الثورة”.
ويختم الشفيع خضر سعيد بأبرز الإستنتاجات من الثورة السودانية قائلا بأن” السلمية هي شفرة وجوهر محتوى حراك الشعب السوداني الذي اعتصم باللاعنف بالرغم من الرصاص وسقوط شهداء. وكذلك كان مهما جدا انحياز الجيش السوداني للشعب”.
أما أبرز التحديات فهي “وجود أكثر من 5 جيوش في السودان حاليا: الميليشيات المسلحة، وتوجد قضية التفاوض لوقف الحرب الأهلية ولتحقيق السلام. وتوجد أيضا استقطابات المحاور الخارجية وحربها بالوكالة على أرض السودان.
أما بالنسبة الى مهام الفترة الإنتقالية فهي: تصفية النظام البائد، التوافق حول مشروع وطني، الإجابة على أسئلة تأسيس دولة ما بعد الإستقلال الوطنية”.