“مصدر دبلوماسي”: مارلين خليفة:
يتم الاحتفال سنويا بتأسيس الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي اعتمدته الجمعية العمومية للامم المتحدة في 10 كانون الاول 1948 في قصر شايو في باريس، ويعتبر لبنان شريكا اساسيا فيه خصوصا وانه ضمّنه في ديباجة دستوره. يستضيف لبنان مكتب المفوض السامي لحقوق الانسان منذ 2002 حيث له انشطة مختلفة محليا واقليميا
تلعب المفوضية السامية لحقوق الانسان دورا رياديا بموجب قرار الجمعية العمومية للامم المتحدة الصادر في كانون الاول عام 1993 بموجب الرقم 43/141. وهو قرار يعطي الاولوية لمكتب المفوض السامي بمشاركة الامانة بصلاحيتها في حماية ونشر ثقافة حقوق الانسان. يوجد فارق بين عمل هذا المكتب الاقليمي وبين عمل الوكالات المتخصصة بحقوق الانسان كل على حدة (حقوق اللاجئين، حقوق المرأة، حقوق المعوقين، حقوق الطفل…وسواها) فهو يتدخل في الحفاظ على تطبيق هذه الحقوق غير القابلة للتجزئة وللتصرف لكن من دون ان يكون متخصصا بكل شأن على حدة.
في كانون الاول 2018، عيّنت المفوض السامي لحقوق الانسان ميشال باشليه ممثلة اقليمية لها هي اللبنانية رويدا الحاج التي تشغل حاليا منصب الممثل الاقليمي للشرق الاوسط وشمال افريقيا الذي يركز على الرصد والتوثيق، وهو يغطي لبنان (انشئ فيه المكتب عام 2002) والجزائر والمغرب والاردن ودول مجلس التعاون الخليجي، وسوف يحظى هذا المكتب قريبا بتوقيع اتفاقية مقر مع وزارة الخارجية والمغتربين وسيمنح ولاية منصوص عليها في قرار الجمعية العمومية المؤسس لتوطيد الحصانات الدبلوماسية التي يتمتع بها بموجب الاتفاقيات الدولية، في حين يعمل حاليا تحت مظلة “الاسكوا”. علما بأن المكتب الخاص بسوريا والمرتبط بجنيف مباشرة والذي تأسس بين عامي 2013 و2014 هو فريق منتدب يعمل ايضا من العاصمة اللبنانية.
* ما اهمية الاحتفال بالاعلان العالمي لحقوق الانسان في العاشر من كانون الاول من كل عام؟
– عندما اعتمدت الجمعية العمومية الاعلان العالمي لحقوق الانسان في عام 1948، اعلنت انه “معيار مشترك لجميع الشعوب وجميع الامم”. ومع ان الاعلان، بما يتضمنه من مجموعة كبيرة من الحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ليس وثيقة ملزمة، فإنه شكّل مصدر إلهام لاعداد اكثر من 60 صكا من صكوك حقوق الانسان والتي تشكل معا معيارا دوليا لحقوق الانسان. اليوم، تحقق الموافقة العامة لجميع الدول الاعضاء في الامم المتحدة على حقوق الانسان الاساسية المنصوص عليها في الاعلان اكَسبَ الاعلان مزيدا من القوة ايضا وابرز اهمية حقوق الانسان في حياتنا اليومية. وقد التزم العديد من الدول العربية ومن ضمنها لبنان الاعلان العالمي لحقوق الانسان في ديباجة الدساتير العربية، ما يعطي الصفة الدستورية للالتزام بالحقوق الواردة في الاعلان العالمي.
* يشمل نطاق عملكم كمفوضية سامية لحقوق الإنسان قطاعات واسعة في لبنان واتفاقيات مختلفة ما هي تحديدا؟ كيف تقومون بعملكم بدءا من لبنان وصولا الى تقديم تقاريركم في جنيف ومتابعتها؟
– مفوضية الامم المتحدة السامية لحقوق الانسان هي الهيئة الرئيسة التابعة للامم المتحدة المعنية بحقوق الانسان. وقد اسندت الجمعية العمومية الى كل من المفوض السامي ومفوضيته ولاية فريدة تقضي بتعزيز حقوق الانسان وحمايتها للجميع. ويهدف برنامج الامم المتحدة لحقوق الانسان الى ان تكون حماية حقوق الانسان والتمتع بها حقيقة ثابتة في حياة كل البشر. كما تلعب المفوضية دورا حاسما في الحفاظ على سلامة الركائز الاساسية الثلاث للامم المتّحدة، وهي السلام والامن وحقوق الانسان والتنمية. تقدّم مفوضية الامم المتحدة السامية لحقوق الانسان المساعدة عبر توفير الخبرة التقنية وتنمية القدرات بهدف دعم تنفيذ المعايير الدوليّة لحقوق الانسان على ارض الواقع. كما تساند الحكومات التي تتحمل المسؤولية الرئيسية في حماية حقوق الانسان كي تفي بالتزاماتها وتدعم الافراد في حقوقهم. بالاضافة الى ذلك، تتحدث بموضوعية عن انتهاكات حقوق الانسان. تقود المفوضية الجهود العالمية في مجال حقوق الانسان وتعرب عن آرائها بصوت مرتفع في مواجهة انتهاكات حقوق الانسان في شتى اصقاع العالم. ونحن نوفر محفلا لتحديد التحديات الراهنة في مجال حقوق الانسان وتسليط الضوء عليها واستنباط استجابات لمواجهتها ونعمل بصفتنا جهة التنسيق الرئيسية في ما يتعلق بأنشطة البحث والتثقيف والاعلام والدعوة في مجال حقوق الانسان في منظومة الامم المتحدة. بالنظر الى ان الحكومات تتحمل المسؤولية الرئيسية عن حماية حقوق الانسان، تقدم المفوضية ما يلزم من مساعدة الى الحكومات، مثل الخبرة والتدريب الفني في مجالات اقامة العدل والاصلاح التشريعي والعملية الانتخابية، للمساعدة في تنفيذ المعايير الدولية لحقوق الانسان على ارض الواقع. ونحن نساعد ايضا الكيانات الاخرى ذات المسؤولية عن حماية حقوق الانسان على الوفاء بالتزاماتها، كما نساعد الافراد على تفعيل حقوقهم.
* ما هي اوجه التعاون مع وزارة الخارجية اللبنانية خصوصا قبيل تقديم لبنان تقريره الى الدورة الثالثة للاستعراض الدوري الشامل سنة 2020؟
– تتمتع المفوّضية بعلاقة جيدة وتعاون مستمر واساسي مع وزارة الخارجية اللبنانية. كون الوزارة هي السكرتارية للآلية الوطنية لاعداد التقارير ومتابعة التوصيات، فلدى المكتب العديد من النشاطات في هذا المجال. يشمل هذا حلقات تدريب وبناء القدرات وتوفير الآلية الوطنية للابلاغ والمتابعة مع احدث المبادئ التوجيهية في شأن الابلاغ اضافة الى الممارسات في تنظيم المشاورات الوطنية حول قضايا حقوق الانسان مع اصحاب المصلحة لاسيما مؤسسات المجتمع المدني.
* ما هو دوركم ابان التظاهرات الاخيرة في لبنان؟
– يكمن دور المفوضية هنا في رصد وتوثيق واسداء المشورة في معطيات معينة لضمان احترام حق الاحتجاج السلمي وللتأكيد على ان قوات الامن تتصرف وفقا للمعايير الدولية المتعلقة بحماية المتظاهرين السلميين وحقوق المواطنين بشكل عام في هكذا ظروف بما فيها على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والمدني.
* ساد جدل واسع حول حق المتظاهرين وانتم تتابعونه عن كثب. ماذا عن هذا الحق وماذا عن حقوق المواطنين غير المتظاهرين وخصوصا حق التنقل والعمل؟ هل تشملونهم بتقاريركم أم لا؟
– يقع على عاتق الدول الملتزمة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR) تعزيز التجمعات وضمانها وتسهيلها وحمايتها. لكن الحق في حرية التظاهر السلمي ليس مطلقا وقد يخضع لقيود بموجب القانون الدولي لحقوق الانسان. في اثناء تقييم تأثير حواجز الطرق، من المهم النظر الى تواترها، فقد يشكل تأثيرها التراكمي سببا شرعيا لتقييدها من اجل حماية حقوق الآخرين. مع ذلك فإن الدولة ملزمة تطبيق مبدأ التناسب. يجب أن يكون هناك اجراءات متناسبة ومتوازنة عند تقييد وقت ومكان التجمع. اخيرا، في تفريق التجمعات غير القانونية ولكن غير العنيفة، يجب ان تتجنب قوات الامن استخدام القوة وحيثما يكون ذلك غير عملي يجب تقيد هذه القوة الى الحد الادنى الضروري.
* مع اية منظمات وجمعيات دولية تتعاونون؟
– بدورنا الرائد في مجال حقوق الانسان والمهمة الخاصة بتعميم مراعاة حقوق الإنسان في منظومة الامم المتحدة، نعمل مع الحكومات والمجتمع المدني والمؤسسات الوطنية لحقوق الانسان والكيانات الاخرى التابعة للامم المتحدة والمنظمات الدولية، مثل منظمة العمل الدولية والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومنظمة الامم المتحدة للطفولة ومنظمة الامم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، والمحكمة الجنائية الدولية، والمحاكم الجنائية المتخصصة، مثل المحكمتين الجنائيتين ليوغوسلافيا السابقة ولرواندا، المنشأة من مجلس الامن والبنك الدولي في جهودها الرامية إلى تعزيز حقوق الانسان وحمايتها.
* تراقبون حقوق الانسان في المؤسسات العسكرية والاجهزة الامنية اللبنانية، ما تقييمكم العام لها؟ ما هي الانجازات لبنانيا وما هي الثغر؟
– نراقب بشكل عام اوضاع حقوق الانسان في البلدان التي تقع تحت ولاية مكتبنا بما في ذالك الجمهورية اللبنانية. ايضا على سبيل المثال التظاهرات في الجزائر. في خلال الاحداث التي يشهدها لبنان منذ 17 تشرين الاول، نلاحظ ان اداء الاجهزة الامنية يكون في اطار الضرورة والتناسب، وهما جوهر اداء اجهزة انفاذ القانون.
* تعاونتم مع الامن العام اللبناني واصدرتم “مدونة قواعد السلوك” في نهاية عام 2016. كيف نشأ هذا التعاون؟ ما اهمية هذه المدونة؟
– تعاوننا مع الامن العام اللبناني يعود الى ما قبل العام 2019 من خلال دورات التكوين والتدريب على حقوق الانسان وانفاذ القانون. اجرى المكتب بالتعاون مع الامن العام العديد من الدورات التدريبية ودورات تدريب المدربين من اجل رفع قدرات عناصر قوى الامن العام في مجال تطبيق احترام معايير حقوق الانسان وانفاذ القانون. بالاضافة لذلك، مدونة لقواعد السلوك الخاصة في نفاذ القانون في نهاية عام 2016. الى جانب ذالك، عقد المكتب بالتعاون مع الامن العام ومنظمة الهجرة الدولية العديد من الدورات التدريبية لضباط وافراد الامن العام العاملين في المطار والادارات الاخرى حول المبادئ التوجيهية في شأن حماية حقوق الانسان للمهاجرين وضحايا الاتجار بالبشر وادارة المرافق الحدودية. عمل المكتب مع المنظمات الاممية والامن العام والمجتمع المدني اللبناني لوضع التعليمات العملياتية ذات الصلة بضحايا الاتجار بالبشر. ونحن مستعدون لاستمرار التعاون وتطويره ومأسسته.
* هل من تعاون مقبل مع المديرية العامة للامن العام اللبناني؟
– يوجد تعاون مستمر مع الآلية الدولية لاعداد التقارير ومتابعة التوصيات والتي يعتبر الامن العام عضوا اساسيا وجوهريا في تلك اللجنة، وسنستمر في تقديم الدعم الفني والتقني لهذه اللجنة الوطنية ونتطلع ايضا للعمل بشكل ثنائي لتطوير ومأسسة التعاون القائم مع الامن العام.
*نشرت هذه المقابلة في العدد 75 من مجلّة الأمن العام في عددها الصادر في كانون الأول 2019.