“مصدر دبلوماسي”
مارلين خليفة
عندما يبدأ اللبناني بوضع حدّ لحياته بسبب اليأس فهذا يعني أنه بات يرى الموت أرحم من سلطة امتصّت من عروقه الحياة ليعيش كالميت مدفونا في وطن مسلوب الهوية والإرادة ومنهوب الموارد، وطن بات ككفن يلفّه فيما يتنفّس اصطناعيا.
أخرجت ثورة 17 أكتوبر المواطنين اللبنانيين من الكفن الذي يزنّرهم أحياء منذ حقبة الإستقلال عن فرنسا عام 1943 والتي كرّست الطائفية والمذهبية الى ما بعد الطائف ووصول السلطة الجشعة الحاقدة على شعبها والتي تحكم لبنان منذ 1992.
لأول مرّة منذ الإستقلال، وبالرغم من حرب أهلية عاشها لبنان طيلة 15 عاما يشعر اللبناني بأنه مهدّد بلقمة عيشه وهو أقل حق بدائي للإنسان.
صحيح أنه توجد أسباب سياسية إقليمية، جعلت الكماشة تطبق عليه بسبب تضامن الدول الإقليمية العربية والخليجية ضدّه لكونه لم يصن توازنه العربي الذي اختّل لصالح إيران التي تناصبها الولايات المتحدة الأميركية ودول الخليج قاطبة ودول عربية وازنة العداء، فارتدت عليه هذه الدول محاصرة إياه وخانقة شعبه في أبشع عملية انتقام سياسي عرفها التاريخ الحديث. لكن هذا الواقع الإقليمي لم يكن ليكون فعّالا وناجعا لولا فشل السلطات اللبنانية المتعاقبة التي سمحت بالإستثمار في فشلها وسهّلت حصار شعبها الذي اعتاد الموت مرفوع الرأس.
كل ما يحاك من الخارج لا يلغي بأن ما وصلنا إليه هو بسبب السياسات المتبعة من قبل سلطة جشعة تأكل الأخضر واليابس، سلطة مخيفة بجبروتها، عطلت كل المنابر الوسيطة بينها وبين شعبها سواء نقابات أو اتحادات عمالية أو هيئات شعبية لكي تهيمن على كلّ شيء وتمتص دماء الوطن وموارده بلا محاسبة. سلطة لا يزال رئيس وزراء تصريف الأعمال فيها سعد الحريري يتبّع نفس سياسة التسوّل المعتمدة منذ 1992 في دليل على عجز تاريخي عن معالجة أزمة اقتصادية بنيوية، ووسط تمنّع دولي وعربي عن المساعدة لأن زمن عقاب لبنان بدأ منذ مدّة طويلة، ولن يعطى هذا الوطن ولو قليلا من التنفس الإصطناعي، لأن المطلوب طحنه ودهس ناسه وإذلالهم تمهيدا لجعلهم يوقعون أوراق استسلامهم أمام مخططات مجهولة.
لقد عرّت هذه السلطة المواطن اللبناني بحسب ما قال بالأمس الدكتور محمود حيدر أثناء انعقاد مؤتمر “كسر القوالب” الذي نظمه معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية، إذ قال أن الدولة أو السلطة ألغت على مدى أعوام اي دور لهيئات وسيطة بينها وبين المواطن اللبناني، ما جعله يوجهها اليوم عاريا ومضطرا في الوقت نفسه لأن يعثر لها على الحلول الدستورية والمالية والإقتصادية والنقدية في ظاهرة لم يعرف لبنان مثيلا لها.
أكثر من 50 يوما على انتفاضة الشعب، وآلاف صرخات الإستغاثة التي نسمعها يوميا والتي تدمي القلوب من شدة الوجع الذي تولّده والسلطة نائمة، ولم يعثر رئيس وزرائها المستقيل إلا على حل وحيد يكمن في مراسلة الدول الغاضبة بمعظمها على لبنان لكي يطلب مساعدات ستأتي على جثث الكثيرين.