مصدر دبلوماسي- مارلين خليفة:
دخل الحراك الشعبي يومه الحادي والأربعين، وبعد حوادث اليومين الأخيرين في أكثر من منطقة لا سيما في صور وساحة الشهداء والكولا وقصقص وإعادة قطع الطرق عند جسر الرينغ وتكسير سيارات مواطنين وسقوط الشهيدين سناء الجندي وصهرها حسين شلهوب اللذين احترقا داخل سيارتهما على طريق خلدة نتيجة عوائق وضعت في وسط الطريق وما أعقب هذه الحادثة من نزول كثيف لشارع مؤيد لحزب الله ولحركة أمل في معادلة “شارع مقابل شارع” واعتراضا على قطع الطرق، وصدور بيان شديد اللهجة عن “حزب الله” استنكر فيه سقوط الشهيدين معتبرا انه “اعتداء على جميع اللبنانيين وهو تهديد للسلم الأهلي والإستقرار الإجتماعي” بات مؤكدا بأن هذا الحراك الشعبي دخل منعطفا خطرا جدا وخصوصا مع انسداد الأفق السياسي وعدم النجاح لغاية الآن بالتوصل الى اختيار شخصية سنية تتولى رئاسة الحكومة المقبلة.
كذلك بات هذا الحراك موجها بوضوح أكبر لمواجهة سياسية داخلية مع “حزب الله”، وهذا ما أكدته أكثر فأكثر مداخلة مستشار رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري للشؤون العسكرية والأمنية العميد المتقاعد مارون حتي أمس الأول في مؤتمر “حوارات المنامة” التي ينظمها سنويا “المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية” أشار فيها الى “اننا سبق وطلبنا من الجيش اللبناني على مدى 6 أشهر الإستعداد لرد فعل على فعل من جانب “حزب الله”.
كل ذلك يحدث وسط حالة من القراءة المتأنية التي يجريها “حزب الله” لمجريات الحوادث منذ 17 تشرين الأول الفائت. ومنذ البداية قرأ “حزب الله” في الحراك أداة من أدوات “الحرب الناعمة” ضده، ومحاولة لوضعه ضد مطالب الناس المحقة وضد بيئته المباشرة. لكن “الحزب” الذي يتابع بتؤدة حراك الشوارع اللبنانية والتحركات الدولية يعتبر بحسب أوساط عليمة بمناخه أن هدف احداث اختراق ضمن البيئة الشيعية فشل فشلا ذريعا، أما المتظاهرين في الجنوب وفي كفرمان فهم من حلفاء الحزب التقليديين كاالشيوعيين وبالتالي لم يحصل اي خرق في بيئة “حزب الله” الخاصة.
كذلك لم تنجح الجهات التي “ركبت موجة الحراك” في زرع الشقاق بين الحزب وبين حليفه رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، لا في الشارع ولا في السياسة بحيث إن موقف الطرفين يبقى موحدا تجاه إسم رئيس الحكومة أو شكلها أو تجاه مشاركة “حزب الله” في الحكومة. كذلك بقي التماسك موجودا في التحالف بين “حزب الله” وحلفائه وخصوصا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وبين “التيار الوطني الحر” وهذا ما انعكس في المفاوضات الجارية لتشكيل الحكومة. وتتساءل الأوساط العليمة عمّا تغيّر على “حزب الله” منذ 17 تشرين الثاني؟ ويأتي الجواب:” لا شيء البتّة، فقد بقي “الحزب” على قوته السياسية ممسكا بزمام المبادرة، فيما وقعت أضرار اقتصادية واجتماعية على اللبنانيين جميعهم ويتحمل مسؤوليتها من شغلوا السلطة منذ العام 1992 ولغاية اليوم، ومن اعتمدوا سياسات الإقتراض الإقتصادية التي نفذتها الحكومات المتعاقبة مذذاك. لم يكن دور “حزب الله” موجودا بزخم منذ العام 1992 ولغاية 2005 بفعل وجود السوريين، وقد دخل الى العملية السياسية في 2005 إثر اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، وقد بقي دوره محدوداـ وخصوصا في السياسات الإقتصادية والمالية، وهو لم يتسلم حقائب وزارية رئيسية
وأبرز ما تولاه وزارة الطاقة لمرة واحدة ووزارة الدولة لشؤون مجلس النواب ووزارة شؤون الرياضة والشباب واليوم وزارة الصحة.
بقي دور الحزب هامشيا في الإدارة الحكومية باستثناء القرار السياسي وبالتالي لا يمكن للحزب تحمّل وزر الأخطاء والفساد الذي حصل.
إن تأثير “حزب الله” في عملية الإقتصاد الوطني محدودة لأنه من خارجها، وهو بالأصل خارج دورة المصارف وبالتالي فإن العقوبات على المصارف لم تطاله بحسب الأوساط المذكورة.
وتشير الأوساط الى أن الأميركيين لجأوا الى قرار العقوبات بعد فشل الحرب المباشرة ضد “حزب الله” منتقلين الى حرب بديلة بعد حرب 2006، بدءا من تصنيفه ارهابيا ثم حصاره دوليا الى فرض عقوبات اقتصادية ومالية عليه. ويروي أحد العارفين أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة طلب من “حزب الله” إبان حرب تموز 2006 إيداع الأموال التي ترسلها إيران والسعودية قطر والكويت لدعم المقاومة في المصارف اللبنانية لكي تسهم في دعم العجلة الإقتصادية ودعم المصارف، لكن “حزب الله” رفض لأن الأموال التي تلقاها من أجل ورشة إعادة الإعمار كانت تأتيه “كاش” ويدفعها “كاش”.
تعتبر الأوساط المطلعة على مناخ “حزب الله” بأن الحراك تراجع زخمه بفعل حرفه عن مطالب الناس المحقة، وجل ما حققه هو تعطيل البلد وقد دخلنا في قلب الفراغ بعد تعطيل السلطتين التنفيذية والتشريعية، وهو ما حذّر منه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الأول. يبقي “حزب الله” مساحات الأمل مشرّعة، والتفاوض قائم للتوصل الى اتفاق تتشكل بموجبه الحكومة. رأي الحزب شبيه لموقف رئيس الجمهورية، فالذهاب الى التكليف قبل التفاهم على التأليف يعني الإتجاه صوب فترة فراغ طويل لتشكيل الحكومة وبرأيه أن انتقال المبادرة الى يد سعد الحريري لوحده دون اتفاق يعني أنه لن تتشكل حكومة البتة. بينما التفاهم مع الأخير على شكل الحكومة وعلى عدد وزرائها وخياراتها السياسية سيؤدي حتما الى تشكيل حكومة بأقصر مهلة زمنية، ويكون انعكاسه ايجابيا على الإقتصاد والوضع الحالي.
التعطيل هو الإنجاز الوحيد للحراك من وجهة نظر “الحزب” وليس لديه اي بديل بحسب الأوساط المعنية التي ترى بأن أزمة لبنان أكبر بكثير من مشروع حكومة تكنوقراط ومستقلين واختصاصيين لأنها تحتاج الى قرار سياسي. لا يجد “حزب الله” أنه يوجد تكنوقراط في لبنان، برأيه أن حكومة تكنوقراط هي “كود” أي رمز لحكومة بلا “حزب الله” وللإنقلاب على الإنتخابات النيابية ونتائجها. هذا الأمر سيكون مستحيلا، فحزب الله هو اكبر حزب لبناني نال أحد نوابه في بيروت أمين شرّي 21 ألف صوت في حين أن سعد الحريري شخصيا لم ينل في بيروت أكثر من 19 ألف صوت.