“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
طالما طرح تعيين سفراء من خارج الملاك اشكالات بين اعضاء السلك الديبلوماسي التقليدي وبين السفراء المعينين من المرجعيات السياسية. اذا لم يكن من فوارق في الحصانات والامتيازات بينهم، فان هؤلاء يبقون سفراء معينين سياسيا
لا فرق بين السفير الاصيل في السلك الديبلوماسي في وزارة الخارجية وبين السفير المعين سياسيا. الا ان الاخير يغادر موقعه كسفير عند انتهاء ولاية رئيس الجمهورية الذي عين في عهده، حيث هو مرغم على تقديم استقالته. غالبا ما يقدم رؤساء الجمهورية في لبنان على تعيين سفراء في الخارج يمثلونهم من خارج السلك الديبلوماسي، وهو امر نص عليه نظام وزارة الخارجية والمغتربين في المادة 17 التي بدأ العمل بها عام 1983 وتنص على الاتي:
– يجوز بصورة استثنائية، بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء، تعيين سفراء من خارج الملاك شرط:
ا- ان لا يتجاوز عددهم الاجمالي الخمسة عشر سفيرا.
ب – ان لا يقل سن الواحد منهم عن الاربعين عاما.
ج – ان يكون حاملا اجازة جامعية.
– يحدد راتب السفير من خارج الملاك كما يلي:
1 -يتقاضى السفير راتب الدرجة الاخيرة من الفئة الاولى، ويكون هذا الراتب قابلا للزيادة من طريق التدرج.
2 – اذا كان قد سبق للسفير المعين من خارج الملاك ان تولى احد المناصب التالية: منصب رئيس جمهورية او مجلس النواب او الحكومة او وزير، يمكن تعيينه براتب اعلى من الدرجة الاخيرة على ان لا يتجاوز راتب الدرجة العليا في الفئة الاولى وان لا يخضع في هذه الحال للتدرج.
3- يجوز انهاء خدمات السفير المعين من خارج الملاك في اي وقت ويفقد عندئذ لقبه الرسمي.
4- يجوز ان تسند في اي وقت الى السفير المعين بموجب هذه المادة والذي يعمل مبدئيا في الخارج اي وظيفة في وحدات الادارة المركزية اسوة بالسفراء الداخلين في الملاك.
يعتبر السفير من خارج الملاك مستقيلا حكما عند انتهاء ولاية رئيس الدولة الذي عينه ويستمر بعد ذلك في تصريف اعمال البعثة لمدة لا تتجاوز الشهرين، حتى اذا انقضت هذه المدة ولم يصدر مرسوم باعادة تعيينه توجب عليه مغادرة مركز عمله خلال مدة شهر ثم الاستفادة من الاجازات الادارية المستحقة له. واذا اعيد تعيينه فيجب نقله الى الادارة المركزية بعد انقضاء المدة القصوى للعمل في الخارج.
5- تنتهي حكما خدمات السفير المعين من خارج الملاك عند بلوغه السن القانونية المحددة في نظام الموظفين.
وجود هذه المادة لم يوفر السهام عن السفراء المعينين سياسيا، الذين ينظر اليهم غالبا على انهم دخلاء على سلك مقفل، لا يفقهون سلوكياته وبروتوكولاته وتعاريجه، وعندما يتقنونها يكونون قد وقعوا في اخطاء جمة.
تجدر الاشارة الى ان اتفاق فيينا للعلاقات الديبلوماسية لا يتضمن اي نص عن تعيين سفراء من خارج الملاك، وهو موضوع سيادي يتعلق بسيادة الدولة ولا علاقة لاتفاق دولي بتنظيمه، وللدول ملء الحرية بذلك. في الولايات المتحدة الاميركية من يدفع ربع مليون دولار اميركي في الحملة الرئاسية الاميركية يعطى سفارة في مرتبة سفير معين. في البلدان الغربية، يعين هؤلاء كموفدين مباشرين للرئيس سواء الى بلد لا توجد فيه سفارة او كموفد خاص لقضية معينة ويعامل معاملة سفير، ويتطلب الامر تبادل اعتراف بين الدول على شكل مذكرة تفاهم.
يقول احد السفراء الذين عملوا فترة طويلة في السلك الخارجي اللبناني، ان تعيين سفير من خارج الملاك لا ينبغي ان يكون على قاعدة طائفية فحسب، بل يجب التطلع الى ما يملكه من مواصفات وما يقدمه من قيمة مضافة ليست موجودة عند سفراء السلك، والا لا حاجة الى الاستعانة بخدماته، فيصبح الامر في اطار التنفيعات السياسية.
يشير السفير المذكور، وهو متقاعد، الى ان السفير المعين ينظر اليه في الخارج على انه يتمتع بصلات واسعة مع الطبقة السياسية الحاكمة، اي الرؤساء ووزير الخارجية، ويمكنه الاتصال بهم ساعة يشاء، وتخطي الحواجز الادارية التي ينبغي على السفير الاداري ان يلتزمها محترما التراتبية والبيروقراطية الداخلية.
في هذا الاطار، يروى ان سفراء كبارا من خارج السلك الديبلوماسي كعميد جريدة “النهار” الراحل غسان تويني الذي سطر بقدراته الشخصية القرار 425 الذي الزم اسرائيل الانسحاب من لبنان، كان في مرحلة عمل فيها مع وزير الخارجية السابق فؤاد بطرس المعروف بسطوته على السفراء يتعامل معه من الند للند، ولا يتوانى عن اتخاذ مبادرات ديبلوماسية شخصية احيانا كثيرة من دون الرجوع الى الوزير في حال تعذر التواصل معه، وهذا امر غير متاح لسفراء السلك الذين يتوجب عليهم احترام الهرمية الادارية.
يذكر السفير بضعة اسماء لسفراء لمعوا ديبلوماسيا من خارج السلك الاداري، ابرزهم رئيس الجمهورية الراحل شارل حلو الذي عين اول سفير لدى الفاتيكان، وكسروان لبكي الذي عين في بروكسل من خارج الملاك في اثناء بدايات الاتحاد الاوروبي فوضع اسس اتفاق الشراكة بين لبنان واوروبا والذي ما لبث ان تطور في ما بعد. كما ان غسان تويني عين مندوبا دائما للبنان في الامم المتحدة، ومن ابرز انجازاته المساهمة في اصدار مجلس الامن القرار 425 في 19 اذار 1978 الذي دعا اسرائيل الى وقف عملياتها العسكرية ضد لبنان وسحب جميع قواتها من الاراضي اللبنانية، وقرر على ضوء طلب حكومة لبنان انشاء قوة موقتة للامم المتحدة تحت اشراف المجلس.
يتمتع السفير المعين بالحصانات والامتيازات نفسها التي يتمتع بها السفير داخل الملاك الاداري. لكن عندما تنتهي ولايته لا يمكن اعادة تعيينه في الادارة الا بقرار من مجلس الوزراء. لا فوارق بين عمل السفراء المعينين والسفراء في داخل الملاك الاداري باستثناء انهم حين يغادرون وظيفتهم لا يتقاضون اي تعويض او راتب تقاعدي وهذا ما يثير بينهم نوعا من التحسر، علما ان غالبية من يتم اختيارهم يكونون عادة من الميسورين ماديا.
يتقاضى السفير من خارج الملاك التعويضات نفسها التي يتقاضاها من هم اصلا في السلك الخارجي، لكنه لا يتقاضى تعويض نهاية خدمة ولا اي تقاعد الا اذا كان آتيا من الملاك الاداري فيكتسب درجات وضم خدمات. اما اذا كان آتيا من السلك العسكري فيأخذ زيادة كفئة اولى. اذا كان مثلا استاذا جامعيا يحسب له راتب الجامعة، وهو اعلى من راتب السفير العادي في حال تم احتساب تعويض الاغتراب مع راتبه الاصلي.
غالبا ما يختار رئيس الجمهورية اشخاصا يثق بهم شخصيا في بلدان تهمه. جرت العادة قبل اتفاق الطائف تعيين رؤساء الاجهزة الامنية سفراء من خارج الملاك كطريقة لائقة لابعادهم بسبب المامهم بتفاصيل وملفات امنية وسواها، وتواصل هذا التقليد بعد اتفاق الطائف، من بينهم فريد شهاب وفاروق ابي اللمع وجوني عبده وريمون روفايل وجورج خوري. تنتهي ولايتهم مع انتهاء ولاية الرئيس وتبدل العهود. ويمكن انهاء خدماتهم بقرار من مجلس الوزراء من خلال اقتراح من رئيس الجمهورية.
يروي احد السفراء ان رئيس المجلس النيابي نبيه بري كان الوحيد الذي لم يقبل بتعيين سفراء من خارج الملاك الا مرة واحدة (عين زهير شكر في قطر) ولم يعين سواه لانه بحسب ما ينقل عنه مؤمن بالكفايات في داخل السلك الديبلوماسي. لكن، وبحسب رواية السفراء، توجد سابقة حصلت عام 1999 في بداية عهد الرئيس السابق العماد اميل لحود اذ كان الرئيس سليم الحص رئيسا للحكومة ووزيرا للخارجية في الوقت ذاته، فاتخذ قرارا بعدم التعيين من خارج الملاك مع استثناء وحيد، اذ ابقي على المدير العام السابق للامن العام ريمون روفايل في مركزه سفيرا من خارج الملاك في تونس حتى احالته على التقاعد. هذا القرار، افسح في المجال امام تدرج طبيعي للمستشارين في وزارة الخارجية ليكونوا سفراء، وكذلك لتدرج من هم برتبة سكرتير ليكونوا مستشارين، ومنح الفرصة لكل مستحق فطاولت الترقيات الكثيرين بفعل عدم وجود زملاء لهم من خارج الملاك.
في هذا السياق، يروي ديبلوماسيون من الملاك ان تعيين اعداد كبيرة من السفراء من خارج الملاك يغلق ابواب الترقية امام من هم في السلك، ويؤثر معنويا على هؤلاء. اذ يكتشفون ان التقييم لا يأخذ في الاعتبار خبراتهم، ويشعر بعضهم انهم لا يحوزون ثقة رئيس الجمهورية لتبوؤ مركز معين، ويؤدي الامر الى مشاكل مع الادارة، لان الطبقة السياسية تتعاطى مع السفراء في داخل الملاك كأنهم خارج الاقطاع السياسي اذ ليست لديهم انتماءات حزبية، فلا تثق هذه الطبقة بهم.
الى ذلك يؤثر التعيين من خارج الملاك على اداء السفراء ويفقدهم التحفيز. كذلك فان تعيين سفير سياسي في عاصمة كبرى ليس بالامر السهل، اذ يحتاج الاخير الى وقت طويل لكي يمسك بالملفات واللعبة الديبلوماسية، وهذا بحسب اوساط ديبلوماسية يضر بالتركيبة اللبنانية لان الاخير يشتغل غالبا لفئة دون اخرى، ما ينعكس سلبا على الجاليات اللبنانية في الخارج.
*نشر هذا التقرير الدبلوماسي في العدد 74 من مجلّة الأمن العام لشهر تشرين الثاني 2019